لماذا يدير الفلسطينيون ظهرهم للانتفاضة
الاحتلال الاسرائيلي يهيئ الأرض، سلسلة من المذابح ترتكب ما بين قطاع غزة والضفة الغربية، سلسلة من القرارات ببناء وتوسيع المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، سلسلة من القرارات والإجراءات العنصرية تهدد بتهجير سكان القدس الشرقية من بيوتهم، سلسلة من التحديات يفرضها المستوطنون المتطرفون باقتحامهم المتكرر لباحات المسجد الأقصى. تفرج سلطات الاحتلال عن معتقل واحد لتعتقل في اليوم التالي العشرات من المواطنين.
الأرض تميد تحت أقدام الشعب الفلسطيني، وما زالت قيادته السياسية في رام الله تتمسك بمواصلة المفاوضات. وما زالت حكومة غزة تعطّل الاشتباك وتلغو بالمقاومة. والأدهى الكارثي، أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت مظلة انقسام وطني متأجج مرة بين الفصائل المختلفة- فتح وحماس- ومرة بين أبناء الفصيل الواحد.
والتراجيديا التي تضفي على المشهد الفلسطيني مزيدا من المأساوية أن أغلبية الشعب تقبل على نفسها أن تظل حطب الاصطفافات التي ترسمها قيادتان ابتعدتا كثيرا عن أهداف الشعب الفلسطيني الذي يتطلع إلى التحرر وبناء الدولة المستقلة. وظلت القيادتان الحاكمتان لسنوات تقودان صراعا ضد بعضهما البعض من أجل السلطة والهيمنة. أما قيادات الفصائل الأخرى فظلت لا مبالية ومفلسة على كل الصعد.
ما أقدمت علية سلطات الاحتلال العسكرية مؤخرا باقتحامها لمخيم جنين في الضفة الغربية واغتيالها بدم بارد ثلاثة من أبناء المخيم، يأتي في سياق الجرائم الاسرائيلية المستمرة وبما يتوافق مع العقيدة الصهيونية التي تبيح القتل وسفك الدماء. وهذه العملية الإجرامية ما هي إلا واحدة في سلسلة متواصلة دأبت سلطات الاحتلال في الشهور الأخيرة على ارتكابها في مدن وقرى الضفة الغربية الخاضعة للسلطة الوطنية، بالتوازي مع الأعمال العسكرية في قطاع غزة.
لكن أعمال القتل استمرت ولم تنفجر الانتفاضة، واستمرت المشاريع الاحتلالية ولم تتوقف المفاوضات. يذهب المفاوض الفلسطيني إليها وهو يدافع عنها بشكل غريب، والسلطة تعجز وتتقاعس عن الدفاع عن مواطنيها، وكأن التعاون الأمني بين السلطة الوطنية وسلطات الاحتلال هو فقط لحماية المواطن الإسرائيلي حصريا. وقد وظّفت السلطة جنودا للمهمة يرابطون عند الحدود. وهؤلاء لهم عيون ساهرة ترى المناضلين الفلسطينيين إذا اجتازوا الحدود، ولكنهم يصابون بالعمى ولا يعودوا يرون «الكوماندوز» الإسرائيلي وهو يتقدم نحو هدفة ضد التجمعات السكانية الفلسطينية.. أليس هذا ما حدث في العملية الأخيرة ضد مخيم جنين، وغيره في أماكن أخرى؟
ويظل السؤال: لماذا لا ينتفض الشعب الفلسطيني ضد قتلتهِ؟ عملا بالقرارات الدولية التي تجيز المقاومة ضد الاحتلال.
لاشك أن اتفاقيات “أوسلو” على مدى السنوات التي تلت تاريخ توقيعها لم تعمل تشويهاً فقط بالتاريخ النضالي للشعب الفلسطيني، بل شوّهت أيضا الإنسان الفلسطيني. حيث جعلته ظروف الحاجة مرتبطا براتب آخر الشهر والانحناء للذين يملكون مفاتيح الصناديق. وفي ظل هذه الاتفاقيات استشرى الفساد، وسادت المحسوبية وثقافة تحقيق الذات من أجل بالامتيازات. في هذه الأثناء كان الوطن يبتعد، رغم ما أجازته الاتفاقيات للبعض بالعيش على أراضيه وبرفع العلم الوطني. كان العلم فضفاضا في الهواء، أما في الأفئدة كان الصراع على الهيمنة والسلطة.
كاتب وشاعر فلسطيني