"أفيش بليزير" معرض فني يجعل من الملصق السينمائي نجما

تعتمد ملصقات الدعاية للأفلام السينمائية العربية عادة على صورة الممثل، سواء استخدمت في تصميمها الصورة المرسومة كما في ملصقات الأفلام المنتجة خلال النصف الأول من القرن العشرين، أو الصورة الفوتوغرافية التي بدأت في التسلل إلى عالم التصميم الدعائي منذ ستينات القرن الماضي، وبعد فترة ازدهار أخرى للصورة المرسومة الملونة والجريئة في السبعينات، بدأت الهيمنة الفعلية للصورة الفوتوغرافية على تصاميم الملصقات السينمائية.
الجمعة 2016/06/10
ملصقات الأفلام أعمال فنية في حد ذاتها

ظلت صورة الممثل العامل الأكثر وضوحا بين أغلب التصميمات الدعائية للأفلام منذ البدايات الأولى للسينما العربية وحتى اليوم، رغم المراوحة بين الرسم والفوتوغرافيا في تصميم الملصقات السينمائية خلال عقود، ومع ذلك، ظلت صورة الممثل هي الثيمة الرئيسية للملصق ما خلق عددا من الإشكاليات البصرية أمام المصممين، خاصة مع رسوخ عدد من المفاهيم المتعلقة بشكل الصورة على الملصق بين السينمائيين.

حجم الخط المكتوبة به أسماء الممثلين، وحجم الصورة وترتيب وجودها في أسفل الملصق أو في أعلاه، أصبحت جميعها تعكس دلالات خاصة بقيمة وحجم الدور الذي يؤديه الممثل في الفيلم، حتى أن هذه التفاصيل قد تتسبب أحيانا في احتدام الجدل والخلاف بين فريق العمل، ما يشكل ضغطا على مصممي هذه الملصقات.

ومن هناك أصبح المصمم يحرص على المواءمة بين كل هذه التفاصيل أكثر من حرصه على خروج التصميم في شكل لائق، حتى رأينا العديد من الملصقات التي لا يمكن وصفها سوى بالقبح، حيث لجأ المصمم في تنفيذها إلى ملء المساحة بمعظم الوجوه المشاركة في الفيلم من دون مراعاة للشكل الجمالي أو التوازن بين المساحات، ومهمشا دور الفراغ في خلق نوع من التناغم بين العناصر.

كل هذه الإشكاليات وغيرها دفعت الفنان المصري آدم عبدالغفار إلى التخلي عن الصورة النمطية لملصق الفيلم في تجربته التي يخوضها منذ سنوات، لإعادة تصميم ملصقات بعض ما أنتج من أفلام عربية.

صمم عبدالغفار ما يزيد على الخمسين ملصقا سينمائيا لأفلام مصرية ولبنانية وتونسية وقدمها في عروض خاصة للفت الانتباه لأهمية الملصق الدعائي، وضرورة النظر إليه كعمل فني يحمل قيمه الجمالية التي لا تقل بأي حال عن اللوحة أو التمثال.

يقدم الفنان ما يزيد عن الأربعين ملصقا سينمائيا في معرضه المقام حاليا في قاعة “مصر للفنون” في القاهرة تحت عنوان “أفيش بليزير”، والعنوان باللغة الفرنسية ويعتمد كما يقول الفنان على تشابه في الوزن مع العبارة الفرنسية “أفاك بليزير” (بكل سرور)، وهو بالمناسبة لا يخفي تقديره الشديد وتأثره بالطريقة الفرنسية في تصميم الملصقات الدعائية للأفلام، إذ يرى أنها الأكثر بساطة وتعبيرا وقدرة على ترجمة روح الفيلم.

المعرض يقدم حالة مختلفة بين العروض التي نظمتها القاعة هذا الموسم، فهو ليس معرضا فنيا بالمعنى الدقيق، بقدر ما هو تطبيق عملي يعتمد على معطيات العمل الفني ويستفيد من مقوماته

المعرض يقدم حالة مختلفة بين العروض التي نظمتها القاعة هذا الموسم، فهو ليس معرضا فنيا بالمعنى الدقيق، بقدر ما هو تطبيق عملي يعتمد على معطيات العمل الفني ويستفيد من مقوماته، وما يميزه كذلك أنه خال من المباشرة والتسطيح.

لم يلجأ الفنان آدم عبدالغفار في معرضه إلى تلك الطريقة النمطية في تصميم الملصق الدعائي للأفلام السينمائية، فقد خلت تصاميمه من وجوه الممثلين وحتى من أسمائهم، مكتفيا بكتابة اسم الفيلم واسم مخرجه ومؤلفه، مع الاعتماد على أيقونة واحدة ومختصرة تلخص طبيعة الفيلم حسب قراءة الفنان له.

والملصقات المعروضة ضمت أفلاما سينمائية جديدة وأخرى قديمة، كان أكثر هذه الملصقات لفتا للانتباه ملصق فيلم “غزل البنات” للراحل نجيب الريحاني، إذ أنه الملصق الوحيد الذي اعتمد فيه الفنان على صورة الممثل، حيث احتل وجه نجيب الريحاني معظم مساحة الملصق وإلى جواره صورة لدمية صغيرة تعبر عن أحد المشاهد التي تضمنها الفيلم، هذا الاستثناء يرجعه الفنان إلى كون الريحاني يمثل أيقونة في حد ذاته، فتعبيرات وجهه تحمل بعدا إنسانيا وحميميا إلى حد كبير.

من بين أبرز الملصقات كذلك ملصق فيلم “المصير” للمخرج الراحل يوسف شاهين (إنتاج 1997)، وهو أحد أكثر الملصقات المعروضة بساطة وتلخيصا، إذ تبدو فيه المساحة خالية تماما من التفاصيل، مساحة أشبه بصفحة بيضاء من كتاب قديم تمزقت أطرافه أو احترقت، وهو معبر عن حالة الانهيار التي خيمت على الدولة العربية في الأندلس في نهايات عهدها، وما تعرضت له الثقافة والعلم والفلسفة من تدمير على يد المتشددين، وهي القضية الرئيسية التي يناقشها الفيلم.

16