إلغاء الديانة من بطاقة الهوية المصرية.. نحو نزع أسيجة التمييز الديني

مشروع قرار إلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية المصرية يثير جدلا واسعا لدى النخب الثقافية والسياسية في مصر بين الترحيب والرفض والتحفظ، ويتجاوز مجرد الإجراء الإداري نحو طرح الأسئلة الأعمق، والمتمثلة في بنية المجتمع، والتفكير في السعي إلى تجفيف المنابع التي تغذي التطرف كبعض مناهج التربية والتعليم.
الاثنين 2016/06/06
المواطن لا يحتاج إلى التدليل على ديانته في بطاقة الهوية

يترقب الشارع المصري مناقشة البرلمان أول قانون من نوعه يستهدف القضاء على التمييز بين المواطنين على أساس ديني، حيث تقدم ائتلاف دعم مصر الحاصل على الأغلبية البرلمانية بمشروع يقضي بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية الشخصية، في محاولة لإلغاء الموروثات القديمة بشأن العقيدة الدينية التي تتسبب أحيانا في فتن طائفية بين المسلمين والأقباط يروح ضحيتها مواطنون من الطرفين.

محاولة إلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية الشخصية ليست جديدة على الشارع المصري، لكن طرحها خلال السنوات الماضية كان مقدمة لإحداث حالة من الانقسام الشديد بين الرموز الإسلامية والقبطية في المجتمع المصري، حيث كان من المفترض أن تنص مسودة الدستور التي أعدت عام 2013 (خلال حكم الإخوان) على مادة تحذف خانة الديانة من بطاقة الهوية، لكن أعضاء اللجنة من الإسلاميين وقفوا لها بالمرصاد. ومع حادث الفتنة الطائفية الأخير الذي وقع في محافظة المنيا بصعيد مصر، واعتداء عدد من المسلمين على امرأة مسيحية، قيل إن ابنها ارتبط بعلاقة عاطفية مع فتاة مسلمة، أعاد البرلمان إحياء الفكرة من جديد.

وجاءت هذه المرة من السلطة التشريعية في البلاد، مما يشي بأنه من المرجح أن يجري تطبيق الفكرة فعليًا، وأن ائتلاف دعم مصر الذي تقدم بها يملك أغلبية برلمانية ومن السهل على نوابه تمرير القانون. لذلك يعتقد مراقبون أنه لا يمكن مناقشة مقترح الحذف بمعزل عن التوتر الطائفي المتصاعد في المجتمع، فأحد التجليات الظاهرة لهذا التوتر يتمثل في الشعور المتنامي لدى الغالبية المسلمة، بصرف النظر عن صحة هذا الشعور، بأن كل خطوة تتخذ لتقليل التمييز ضد المصريين من غير المسلمين تعد خصمًا من حقوق المسلمين، وهو نفس الشعور الذي يتردد مع كل طرح قديم للفكرة سواء بشكل رسمي أو بمبادرات حزبية وحقوقية.

هناك فريق يرى أن إلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية خطوة “متأخرة جدًا” ولا غنى عنها لتأكيد مدنية الدولة، بينما يرى فريق آخر أن وجود الديانة في بطاقة الهوية الشخصية جزء من الهوية المصرية، وإلغاؤها قد يتسبب في المزيد من المشكلات، خاصة عند الزواج. ويرى فريق ثالث أن القضاء على التمييز على أساس ديني، ودعم فكرة المواطنة لا يقتصران على إلغاء خانة الديانة بقدر ما يحتاجان إلى تغيير في عدد من الموروثات والثقافات، أهمها وقف ارتداء الأقباط للصليب ورسمه على أجسادهم، ومنع قيام المسلمات بارتداء الحليّ والسلاسل المنحوتة بآيات قرآنية.

إلغاء خانة الديانة من البطاقة "ليس إلا مقدمة" ولا يمكن اعتباره مقاومة لفكرة الفرز والتفرقة على أساس ديني

تقوم وزارة التربية والتعليم في مصر بإجراء تعديلات في المناهج المنحازة للأغلبية المسلمة، خاصة أنها تقر في منهج الصف الخامس الابتدائي بأن عكس كلمة مسلم هو “كافر”.

في مارس 2006، رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية أقامها المحامي ممدوح نخلة، طالب فيها بإلغاء خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي المصرية. وفي أغسطس من نفس السنة، نظم المجلس القومي لحقوق الإنسان مؤتمرًا حول اقتراح قدمه المجلس بشأن حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.

تحدث في المؤتمر ممثلون عن الحكومة والمجتمع المدني وأكاديميون وممثلون عن الجماعات والطوائف الدينية، بين مؤيد ومعارض لهذا الاقتراح، وقد خرج التقرير النهائي لورشة العمل هذه بحل ثالث، وهو جعل خانة الديانة في بطاقة الشخصية اختيارية مع السماح للمواطنين بإثبات دياناتهم ولو كانت “غير معترف بها”، ووقتئذ رفضت الحكومة هذا الاتجاه.

وقال المفكر القبطي كمال زاخر، إن إلغاء خانة الديانة من البطاقة “ليس إلا مقدمة” ولا يمكن اعتباره مقاومة لفكرة الفرز والتفرقة على أساس ديني في العلاقات الاجتماعية والسياسية وغيرها، ويحتاج الأمر إلى التوسع في فهم معنى المواطنة بتوصيفاته الشاملة. وأضاف لـ”العرب” أن المجتمع تجاوز فكرة التعامل على أساس وجود خانة الديانة من عدمه، وتحوّل الأمر إلى التعبير عنها من خلال ملابس السيدات وأسماء الشباب، ما يعني أن الأجيال الحالية تكشف عن هويتها الدينية دون بطاقة الهوية.

ويتطلب الأمر بحسب زاخر إجراء حوار مجتمعي فعّال للقضاء على الموروث الثقيل الذي تسبب في تجريف الذهنية العامة، في ظل تراجع التعليم والثقافة وتغلغل الأفكار المتطرفة. واعتبر المفكر القبطي أن الرافضين لفكرة إلغاء الديانة من بطاقة الهوية “يستشعرون أن حلم دولة الخلافة يترنح” ومصر بحاجة إلى ثورة ثقافية وليس ثورة شعارات. وشدد على أن القضية برمتها تحتاج إلى إرادة سياسية من كل الأطراف ذات الصلة، بحيث تكون هناك تحركات جادة في اختيار الدولة المدنية بعيدا عن الخصوصية المصرية، لأن هذا التوصيف “مفخخ ويمنع التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام”.

13