سأقطع هذا الطريق

السبت 2016/03/19

قدرة الإنسان على التجول على قدمين، كانت ميزة تفوّق فيها بصورة خاصة على بقية الكائنات الحية التي تنتمي إلى مجموعة الثدييات، لكن يبدو أن البشر لا يجيدون عملية التجول والمشي على قدمين بالصورة التي نتوقعها، حيث أثبت علماء أميركيون في دراسة حديثة بأن للناس أنماطا متعددة من الوقوع والتلكؤ في السير وأن هذه الأنماط لا علاقة لها بالسن، فالمتعارف عليه أن العديد من المسنين يقعون في اليوم مرارا بسبب ضعف تكوينهم الجسدي كذلك الأمر مع من يهوى رياضة التزلج على الجليد، لكن البحث أثبت بأن (سقطاتنا) اليومية أكثر بكثير مما نعتقد هذا لأن المتطوعين في الدراسة لم يتجاوز أغلبهم سن العشرين، وعلى الرغم من ذلك فمجموع السقطات والعثرات اليومية التي تمّ تدوينها في سجلاتهم على مدى 4 أشهر من عمر البحث قد تجاوز العشرات.

ويعرف العلماء العثرات بأنها اتصال غير متوقع أو غير مرغوب فيه من قبل أعضاء الجسد بالأرض أو السطوح الواطئة سواء أكانت عثرات بسيطة أم كانت تلكؤا في السير أو سقوطا حرا وكاملا، أما أسبابها فناتجة عن عوامل مختلفة أبرزها تناول الكحول والحركات غير المحسوبة عند ممارسة التمرينات الرياضية، الانزلاق على سطح مبتل بالسوائل، إضافة إلى تعدد المهام في الوقت الواحد مثل الإجابة على رسائل الهاتف النصية أثناء التجوال في المنزل. تزداد هذه الحوادث في فصل الشتاء بسبب وجود الثلج والجليد والبرك ومياه الأمطار في الشوارع التي يستخدمها السابلة، إلا أن المدهش في الأمر أن أكثر من 58% من مجموع العثرات جاءت بسبب التلكؤ في السير حتى مع عدم وجود أي سبب أو عنصر تشتيت.

فالعثرات إذن ليست مجرد تداعيات غير سارة لمرحلة الشيخوخة، بل إنها إخفاقات وفشل يومي طبيعي قد يرتكبه الشاب قبل الشيخ، ومع ذلك تعتبر حوادث السقوط ثالث مسبب للوفاة في جميع الفئات العمرية.

أغرب نتيجة توصل إليها العلماء في هذا البحث الغريب هو أن عادة السير والمشي في الطرقات ليست مجرد نزهة على قدمين، وإن البشر حتى بعد مرور كل هذه الآلاف من السنين على امتهانهم حرفة العيش لم يتقنوا بعد فن المشي بالشكل الصحيح. بل إن أغلب التفسيرات النظرية التي تحاول تعليل مسألة السقوط والتعثر أثناء المشي، ترجعها إلى ضعف في التكوين الميكانيكي للقدمين، ما يجعل المشي عملية غير مستقرة ومهمة صعبة للغاية.

بعض العثرات والسقطات تتسبب بإحراج الشخص خاصة إذا حدثت في مكان عام وهذه في الغالب من اختصاص أهل السياسة الذين يتعثرون ويتلكأون في مشيتهم آلاف المرات بسبب الدماء المفروشة على الأرض، لكنهم لا يسمحون لأنفسهم بالسقوط إلا على أكتاف الأبرياء. بعض السقطات تأتي بنتائج وخيمة إذا ما تسببت في إحداث جرح لصاحبها وربما في عاهة مستديمة، مثل سقطات بعض الشعوب المتوالية في مستنقعات الفتن والعنصرية والطائفية المقيتة؛ شعوب ما زالت تحبو على أطرافها الأربعة مثل كائنات بدائية لم يتسنّ لها التطلع إلى أبعد ما يسمح به مستوى نظرها القاصر.

أغلب نصائح الحكماء توصينا بالطريق المستقيم، بحجة أن من يسير عليه لا يضل أبدا ولا يسقط، لكنهم لم يعلمونا كيفية تنظيم خطواتنا كي لا نتعثر في طرق قدر لها أن تكون متعرجة رغما عنا. طريق متعرج وأقدام متأرجحة، لكن هذا لا يهم، أو كما يقول محمود درويش “سأقطع هذا الطريق الطويل إلى آخره، إلى آخر القلب، فما عدت أخسر غير الغبار وما مات مني”.

21