ثورة القمامة
الأسلوب الذي ابتكره متظاهرون في أوكرانيا العام الماضي، برمي نواب ومسؤولين في حاويات القمامة لتورطهم في عمليات فساد بوصفه جزءا من ظاهرة “التطهير بالقمامة”، نال استحسانا وإعجابا كبيرين من قبل الجمهور العربي وإن اختلفت الأسباب والدوافع وأنواع القمامة المراد تطهير الشوارع منها.
أما التظاهرات والاحتجاجات في العراق والتي بدأت قبل أسابيع بسبب سوء الخدمات فقد اتخذت في بعض المدن، مؤخرا، طابعا عنفيا بسبب عدم استجابة المسؤولين المحليين إلى المطالب المشروعة، فيما اتجهت بعض أفكار الشباب من المتظاهرين إلى حاويات القمامة في تصعيد غير محمود العواقب، إذا ما تطور الأمر أيضا إلى تبني مبدأ “التطهير بالقمامة” الأوكراني طيب الذكر.
وفي لبنان مثلا، دعت حملة بريئة مكونة من ناشطين مدنيين إلى تنظيم احتجاجات سلمية بعد أن عجزت الحكومة عن إيجاد حل لأزمة النفايات المنزلية، التي تغرق فيها شوارع بيروت منذ أشهر لكن دون جدوى، فقد تصاعدت الأزمة في إحدى أوجهها وعجز المسؤولون عن التعامل معها، في حين نوه البعض إلى أن موضوع النفايات ما هو إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، أما البعير فيتعلق ببعض النفايات السياسية في البلد.
في مجال العمل البيئي، تختلف طرق جمع النفايات بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة، ففي الوقت الذي تعتمد فيه شعوب الدول النامية على المبادرات الذاتية السلمية في مكافحة القمامة، تتولى الحكومات المحلية أو القطاع الصناعي الخاص في الدول المتقدمة هذه المهمة الصعبة، وفي أغلب الدول الأوروبية وفي أميركا وكندا وغيرها هناك طريقة خاصة تتبع في جمع النفايات من جانب الطريق، فتقدم لكل منزل ثلاث حاويات قمامة: واحدة للمواد القابلة لإعادة التدوير وواحدة للنفايات العامة والغذائية وأخرى لنفايات الحدائق، وتطبع كل حاوية بلون معين.
في لندن مثلا، اللون الرمادي مخصص لحاويات النفايات العامة واللون الأخضر لنفايات الحدائق أما حاويات النفايات القابلة للتدوير مثل الورق والبلاستيك والهياكل الفلزية وقطع الأثاث الصغيرة، فتخصص لها حاويات باللون الأسود مطعمة بالأزرق للسقوف.
ويجد المواطن المستجد في عملية فصل النفايات منزليا، حرجا كبيرا حيث تختلط عليه الأمور في بعض الأحيان ولا يعود يميّز بين الألوان؛ فيضع فائض المواد الغذائية في الحاوية الخضراء أو يضع علبة العصير الفارغة في الحاوية الرمادية وهكذا… لكن العبء الأكبر يقع على البلديات التي تأخذ على عاتقها مهمة تصريف هذه النفايات في الوجهات المناسبة، حيث تطمرها في الأرض أو تحرقها وهي طريقة شائعة في كثير من البلدان، شرط أن تتم إدارة هذه العمليات بطريقة نظيفة وغير مكلفة، أما إذا لم تدار بشكل جيد فقد تؤدي إلى تبعثر الفضلات واجتذاب الحشرات وتتسبب في انبعاث الملوثات الغازية في حالة الحرق.
الأبحاث البيئة القديمة في المجال (القمامي) تقول، بأن أفضل استغلال للنفايات هو إعادة تدويرها للحصول على منتجات أخرى أقل جودة؛ فيمكن مثلا إعادة تدوير المواد البلاستيكية إلى أكياس أو لعب أطفال، أو إعادة تدوير مختلف المنتجات وتحويلها إلى طاقة مفيدة كما يمكن استخدام النفايات بشكل مباشر للحصول على وقود أو سماد.
لكن المتخصصين الثوريين في مجال البيئة خرجوا بنتيجة أكثر عملية مفادها أن أهم طريقة للتخفيف من النفايات هي التقليل من إنتاجها منذ البداية، كما حذروا من مغبة إعادة تدوير النفايات في فصل الربيع، وشددّوا في توصياتهم على أهمية توسيع حجم الحاويات الرمادية ومنع وصول الحاويات السوداء ذات الغطاء الأزرق إلى الدول العربية.