الإعلامي في لبنان يصنع نجوميته من موقفه السياسي

بيروت- يعيش لبنان حاليا حالة إعلامية بات فيها الخبر مستحيلا بمعناه الحرفي والمهني، فقد أصبحت الأخبار عبارة عن تأويلات بحتة، لا يعود من الممكن معها الحصول على المعرفة، تاليا يصبح استخدام الخبر هو إعادة تدوير للتأويل وجره إلى منطقة صالحة لتبرير تأويل آخر مغاير.
عمل الإعلام أصبح إذن جزءا من السياق الحربي العام الذي يسود لبنان والمنطقة. هذا الانقلاب في وظيفة الإعلام، استجلب انقلابا موازيا في طبيعة دور الإعلامي وحضوره.
الإعلامي في لبنان بات نجما يبني نجوميته على هذا الواقع الحربي، وينطق حكما باسم جهة من جهاته. هكذا صار يطالبنا على الدوام بالتعامل معه انطلاقا من هذه النجومية التي لا يدافع عنها بالكلام ولكن بالدم.
من صفات النجومية أنها تتطلب قدرا كبيرا من المسافة، فلا يمكن للنجم أن يكون قريبا وملتصقا بالناس، بل عليه دوما أن يبقى على مسافة منهم، وأن يكون المرجع الذي يعرف كل الأجوبة ويتوقع كل الأسئلة ويجيب عليها ويخترعها. شاعت منذ فترة البرامج التي تعنى بالفضائح والتي تجتهد في دس الجنس في كل شيء سواء كان يحتمل ذلك أو لا يحتمله.
|
الفضيحة ليست المدخل المناسب للإصلاح لأنها مهما كانت كبيرة لا تعبر عن الحقيقة بل تبقى محصورة بفاعليها الذين غالبا ما يكونون خارج الحماية.
في الحالات النادرة التي حاول فيها الإعلام اللبناني أن يصنع فضيحة لمن يتمتعون بالحماية كانت النتيجة إجبار الإعلام على الصمت، وإعادة تركيب الأمور بشكل يظهر الأمر وكأنه كان نوعا من غلطة تقنية.
سرق الإعلاميون دور القضاة. شاهدنا إعلامية تطرد ضيفا على الهواء بعد أن نعتته بأبشع الصفات التي كان يستحقها بالفعل. المشكلة لا تكمن هنا بل في أن هذا ليس دور الإعلامي.
الإعلامي في هذه الحالة يحقق نسبة مشاهدة خرافية لا تعود إلى كونه كان حكما وشاهدا، بل بوصفه دوما شريكا في المعركة ومنحازا لأحد أطرافها، وذلك وفق القناة التي يعمل لصالحها. لا يلعب الإعلامي دور الناقل ولكن دور مدبر انتصارات أحد الأطراف على الآخر، أو دور تاجر السلاح إذا صح التعبير.
النجومية هنا تكمن في هذا الحيز الذي ربما يكون في أي بلد من بلاد العالم مقتلا لأي إعلامي، ولكنه في بلاد الأرز يشكل المدخل الوحيد والممكن للنجومية.
الإعلامي لا يحاور السياسيين بل يدينهم أو يمجدهم، والسياسيون لا يتعاملون مع الإعلاميين إلا بوصفهم مكبرات صوت. ومن لا يقبل بهذا الدور فإنه سيقصى وسيصبح بلا صوت.