استغاثة من العالم الآخر
حركة غير عادية في مختبرات باحثين في الطب البيطري في برشلونة، لتقصي أسباب التوتر الذي تعاني منه القطط المدللة وكيف يمكن لهذه الكائنات الوديعة، تمرير رسائلها الحزينة وتبيان مصدر إزعاجها إلى أصحابها ومالكيها من بني البشر، دون الحاجة إلى استخدام الحوار البشري في تقديم التظلمات المباشرة وعدا الاستعانة بالمخالب والمواء عالي التردد، توصل الباحثون إلى أن القطط بإمكانها أن تعبر عن حزنها وقلقها بإشارات سلوكية ومظهرية أخرى مثل، تساقط الشعر في مناطق معينة من الجسم والمبالغة في حركات الاستمالة مع بعض التغيرات في السلوك اليومي، حيث تميل القطط المكتئبة إلى التخفي عن الأنظار لفترات طويلة فتقبع في مكان واحد أو تختار إحدى الزوايا في غرفة المعيشة أو تغطي جسدها تحت السرير، كما يقل نشاطها المعتاد في التجوال بين غرف المنزل ويتراجع فضولها إلى النصف.
المشكلة الحقيقية التي واجهت الباحثين الأسبان هي غياب أصحاب القطط الحزينة عن المنزل، طيلة ساعات النهار لانشغالهم بالعمل، ما يضيّع عليهم فرصة التعرف على إشارات الاستغاثة التنبيهية التي تطلقها القطط، ومع ذلك خرجوا بعد جهود مضنية بقائمة من (الاستراتيجيات) والاحتياطات الاستباقية لتلافي وقوع المحظور وتقديم الدعم لأصحاب القطط العليلة.
النتائج الرقيقة التي استخلصها الباحثون من تجربتهم المرهفة تتلخص في، أن مصادر تعاسة القطط الوديعة تتوزع بين؛ تغييرات مكانية، بيئة قاحلة، ضعف علاقاتها الاجتماعية ببني البشر، الصراعات المستمرة بين القطط والقطط وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل!
لكن الطفل الجميل، الذي ما زال يقبع في أحد مخيمات النازحين بالجهة الأخرى من الكرة الأرضية، لا يعرف كيف يمرر رسائل حزنه إلى عالم غير مبال، وما زال ينزع عنه في كل صباح قطعة جديدة من روحه وهو يرقب عالمه الصغير كيف يتداعى أمام عينيه؛ لعبه، ملابسه التي خبأها للعيد، قطع أثاث منزله، أصحابه الذين ذبلوا في المدن البعيدة مثل أشجار يابسة، ضحكاته التي ذابت في دمعة كبيرة وأسئلته التي تجمّدت على شفتيه الرقيقتين، وهو يعد خطوط التجاعيد التي تراكمت على جبين أمه وجبال الهم التي أثقلت كتفي والده. مصادر تعاسة هذا الطفل لا تعد ولا تحصى، لكنه لا يستطيع أن يدخل في مراكز أبحاث علماء الإنسان بسبب عجزه عن إطلاق إشارات الاستغاثة.
ومع ذلك، فهو يشاطر القط الكئيب قلقه على مستقبل مجهول لا ضوء في نفقه المظلم الطويل، طالما أن الشمس التي تشرق على خوفهما هي ذاتها، لكن المسافة بين برشلونة وبغداد تشبه كثيرا المسافة بين الحلم والكابوس؛ فالحلم يهدي شبح ابتسامة إلى ملامح النائم ليستيقظ بعدها على وقع أنغام أمل جديد والكابوس يترك ندبة في القلب وغصة في الروح، فيكون عنوانا لصباح مضمخ بالحسرات.