ثرثرة الصغار كالنميمة بين الكبار

الثلاثاء 2015/03/17
إشاعات التلاميذ تنتشر كالنار في الهشيم

شبه خبراء أميركيون النميمة بالمحرك الذي يقود الأخبار حول العالم، بعد أن اكتشفوا من خلال دراسة على عينة من الأطفال أن أحاديثهم لا تكاد تخلو أيضا من القيل والقال، تماما كما هو الشأن بالنسبة للكبار.

وأكدوا أن الثرثرة تمثل جزءا مؤثرا في النظام الاجتماعي، فالعديد من المعلومات الهامة تنتقل بين الناس من الأحاديث الجانبية.

وأشاروا إلى أن الصغار يبدأون في تعلم الثرثرة وهم في المهد، وهذا من وجهة نظرهم أمر طبيعي، لأن الأطفال في هذه المرحلة من العمر يحاولون اكتشاف العالم الخارجي ويتجاوبون مع كل ما يدور حولهم.

ونصحوا الآباء بضرورة مشاركة أطفالهم الرضع ثرثرتهم لأن ذلك من شأنه أن يساهم في تطوير قدراتهم اللغوية ويجعلهم أكثر قدرة على التواصل وتكوين الجمل المعقدة لغويا.

وأوضحوا أن الثرثرة تشكل حوالي ثلثي الأحاديث الطبيعية للرجال والنساء، ولذلك فمن غير المنطقي أن يكون الأطفال في منأى عـن هـذه الظاهرة السلوكية الاجـتماعـية.

وقالوا إنه حتى في صفوف الصغار لا توجد اختلافات كبيرة في نوعية الثرثرة التي يتداولها الذكور والإناث، فكلاهما يتحدث بالقدر نفسه وحول المواضيع ذاتها.

وتوصلوا من خلال دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و12 سنة يقضون قرابة نصف وقتهم في التحدث عن أقرانهم الذين هم من نفس جنسهم. ويرى الباحثون أنه على الرغم من السمعة السيئة للنميمة، فإن فيها جانبا مشرقا، فهي تحفز مهارات الطفل الاجتماعية وتعلمه كيفية التفاعل مع الآخرين وتساعده على فهم سلوكيات المحيطين به وتخلق جوا من الألفة بينه وبين الأطفال الذين يتقاسم معهم نفس الحكايات والأسرار، إلا أنهم حذروا أيضا الآباء من التساهل مع ثرثرة الأبناء التي قد تتجاوز إطار الأحاديث العفوية إلى الهمس واللمس والقدح والذم في سلوكيات الغير.

وأكدت الجمعية الأميركية لعلم النفس أن إشاعات الأطفال تبدأ بالانتشار كالنار في الهشيم بالمدرسة، ويمكن أن تنعكس على الأداء الأكاديمي لزملائهم الذين روجت عنهم الأحاديث المغرضة. ورجح علماء النفس أن الإساءة اللفظية على الرغم من أنها غير مرئية فهي أكثر تأثيرا من “البلطجة” الجسدية على الأطفال.

نشر الإشاعات والنميمة الاجتماعية في المدارس ينطوي على أضرار نفسية قد تمتد إلى مرحلة الشباب

وقال كارينفراي، الباحث في علم النفس التربوي من جامعة واشنطن إن”أطفال هذا العصر يميلون إلى استخدام القيل والقال من أجل البرهنة على نفوذهم وقوتهم وشد الانتباه إليهم وليكونوا أكثر شعبية من غيرهم”.

وبينت دراسة أميركية طويلة المدى أجريت على عينة تتكون من 380 تلميذا تتراوح أعمارهم بين الـ5 والـ11 عاما أن الإساءة اللفظية للأقران في المدرسة تتصدر أيضا الأسباب التي تجعل الطفل يتعثر في دراسته أو ينقطع عنها في سن مبكرة، فالصغار قادرون على نسيان اللكمات الجسدية والشفاء من الجروح، ولكن الخوف والإذلال وفقدان الاحترام يظل محفورا في ذاكرتهم.

وأفاد الباحثون أن نشر الإشاعات والنميمة الاجتماعية في المدارس ينطوي على أضرار نفسية قد تمتد إلى مرحلة الشباب وربما مدى الحياة.

وأشاروا إلى وجود رابطة كبيرة بين ما وصفوه بظاهرة “الوقوع ضحية العلاقات الاجتماعية” أثناء مرحلة ما قبل المراهقة وبين حدوث الكآبة والقلق في المرحلة الأولى من الشباب.

وأوضح ماريون أندروود أستاذ علم النفس في جامعة تكساس أن الإشاعة تخلق عدوانا اجتماعيا بين الباث والمتلقي، كما أن تأثيرها يختلف من وسط اجتماعي إلى آخر، فبإمكانها على سبيل المثال أن تدمر نفسية الفتيات الفقيرات وتقوض احترامهن لذواتهن، ويمكن أن تسبب لهن العزلة.

وقال الباحث في علم النفس السريري ايلين كينيدي ومؤلف كتاب “القواعد غير المكتوبة عن الصداقة” “يظن الطفل أن كل ما يقوله صحيحا، ولا يعرف شيئا عن معنى القيل والقال أو النميمة أو الإشاعة المغرضة، ولذلك فهو يتحدث بعفوية عن زميله الذي فشل في الاختبار أو أقرانه الذين ما زالوا في حاجة إلى مساعدة من المعلم لربط أحذيتهم، إنه لا يرى أي مانع من تقاسم هذه الأنواع من الحكايات مع غيره، وهذا أمر طبيعي بحكم سنه، ومع ذلك علينا ألا نتهاون بشأن هذه المسألة”.

ودعا الآباء إلى ضرورة تنبيه أطفالهم إلى أن التحدث عن زملائهم في غيابهم من الأمور المعيبة ومحاولة ثنيهم عن التمادي في مثل هذا السلوك بتبيان حجم الإساءة التي يمكن أن يتسببوا فيها لغيرهـم، مؤكدا أن المدح والتساهل مع ثرثرة الطـفل تصبح مع الوقت “عادة” سلوكية مرضية من الصعب التخلص منها عند بلوغ سن الـرشد.
21