عام الغياب الثقافي في لبنان

الثلاثاء 2014/12/23
شهد عام 2014 رحيل العديد من القامات الإبداعية اللبنانية

يمكن اعتبار عام 2014 ثقافيا في لبنان عام الغياب حيث سيطر الغياب على المشهد الثقافي وطبعه بطابعه الخاص الذي يبدو معه كل نشاط وكأنه امتداد له وجزء من بنيته.

رحل عدد من الشخصيات اللبنانية كان أبرزهم المطربة صباح، والمطربة نهاوند والشاعر جورج جرداق، والشاعر سعيد عقل والعلامة هاني فحص. أثار رحيل هؤلاء موجة عاصفة من النقاشات التي برهنت في معظمها عن حالة الخواء التي تسيطر على الفضاء العام اللبناني، حيث يظهر جليا أن هذا البلد بات عاجزا عن إنتاج الحاضر وصناعة المستقبل، وأنه لا يعيش في الماضي كذلك، بل يخترع ماضيا مجيدا ويقيم فيه.

قراءات رحيل سعيد عقل تناولت مواقفه السياسية التي طبعت بلحظته “الإسرائيليانية” ومطالبته لكل لبناني أن يقف مع شارون لتنظيف لبنان من الوسخ الفلسطيني. هذا المشهد إضافة إلى مديحه للجنرال عون جعل من رحيله مناسبة لإعادة طرح نقاش ضيق لا يتصل بالشعر ولا بالثقافة ولا حتى بالسياسة من بابها الواسع المرتبط بصناعة الأفكار وتبادلها، بل صار جزءا من خطاب تحتي إذا صح التعبير. بات رحيله مناسبة لإعادة تصنيع مثل هذا الخطاب حيث يتم تبادل الإدانات وليس القراءات.

صباح أصرت على إخراج مشهد رحيلها بنفسها فهي كانت قد طلبت أن يكون مناسبة للفرح. رحيل هذه المرأة التي كانت تمثل نوعا من أرشيف حيّ للذاكرة اللبنانية الغنائية، ومسردا لتحولاتها وأطوارها المتصلة بمزاج أنثوي عامر بالغنج والدلع والرقة، ربما كان هو الرحيل الوحيد الذي أثار نقاشا ثقافيا جديا حيث خرجت عشرات المقالات التي تقرأ صباح وتحاول تقديم نوع من تحليل لأهمية الـدور الذي لعبته هذه الفنانة فنيا واجتماعيا.

جورج جرداق رحل بصمت ولم يتذكر البعض منه سوى مديحه للإمام الحسين حيث خرجت مقالات تحاول إدراجه في سياق محدد، كذلك كان الحال في رحيل المطربة نهاوند التي رحلت كذلك بصمت كبير حيث تم تغطية رحيلها بمقالات بانورامية تعرض لسيرتها وأبرز محطات حياتها.

حصيلة الثقافة اللبنانية جاءت هزيلة، من هنا يمكن أن نفـهم سبب تدهـور الحال

لم يكن الحال في السينما اللبنانية أفضل فقد خرجت إلى النور عدة أفلام سينمائية لبنانية كان أبرزها فيلم “وينن” للسينمائي والممثل اللبناني جورج خباز. يعرض هذا الفيلم للواقع المؤلم الذي تتعرض له مجموعة من النساء اللواتي فقدن الزوج والأخ والحبيب أثناء الحرب اللبنانية.

ضم هذا الفيلم نخبة من أهم الممثلين اللبنانيين هم لطيفة ملتقى، أنطوان ملتقى، كارول عبّود، رودريغ سليمان، تقلا شمعون، ليليان النمري، دامايان بوعبودن كارمن لبس، إيلي متري، ندى بو فرحات، طلال الجردي، جوليان فرحات، زياد صعيبي.

شارك فيلم “وينن” في مهرجانات عديدة خارج لبنان وقد نجح في نيل جائزة أفضل فيلم في مهرجان دبلن في أيرلندا، وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان السينما العربية في مالمو السويد، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الإسكندرية في مصر. رشّح كذلك لجائزة المهر الذهبي في مهرجان دبي السينمائي.

عرض كذلك فيلم “يوميات شهرزاد” للمخرجة اللبنانية زينة دكاش وهو فيلم يعرض لتجربة سجينات معنفات يقضين عقوبتهن في سجن بعبدا.

يأتي فيلم دكاش في إطار مشروع العلاج بالدراما. تقول دكاش عن هذا الفيلم إنه “يضيء بقوة على موضوع العنف الأسري وإلى أي حد يمكن أن تصل ممارسة العنف الأسري بالمرأة في وقت يغيب القانون الذي يمكن أن تلجأ له ليحميها”.

فيلم "يوميات شهرزاد" للمخرجة زينة دكاش يأتي في إطار مشروع العلاج بالدراما

عرضت كذلك سينما متروبوليس فيلم “بيروت، وجهات نظر متفجرة” للمخرج أكرم الزعتري وهو يروي قصة شبان يحاولون التواصل من خلال هواتفهم الذكية. أثار هذا الفيلم حين عرضه موجة من التساؤلات حيث احتار النقاد في تصنيفه وخرجت مقالات تتهمه بالخروج عن منطق التجريب نفسه.

كتبت ريما عيتاني في موقع المدن مؤخرا مقالا حول هذا الفيلم قالت فيه “من الجيد والجدير أن نقدر كل تلك المحاولات لصناعة أفلام تجريبية لبنانية لكن: هل تحمل هذه التجارب سمات تجعلها جيدة، وتقدم ما هو مختلف وجديد؟ الأرجح أن هذا مفقود في فيلم أكرم الزعتري الذي يفتقر إلى مفهوم الفيلم التجريبي في الطرح والمضمون والتعاطي المحدود مع الموضوع. فنحن أمام ضوضاء وأفكار مشرذمة لا تصل بنا إلى بر خصائص الفن السينمائي التجريبي”.


المسرح والغناء


المسرح اللبناني لم يعرف نشاطا واسعا هذا العام. نذكر من بين المسرحيات التي عرضت مسرحية “مجزرة” ومسرحية “نقل حي”.

مسرحية “مجزرة” مأخوذة من نص الفرنسية ياسمينا ريز وهي من إخراج كارلوس شاهين وتمثيل برناديت حديب، فادي أبي سمرا، وكارول الحاج ورودريغ سليمان. تعرض المسرحية قصة ثنائيين يلتقيان لمحاولة حل مشاكل ولديهما اللذين تشاجرا وضربا بعضهما البعض. يسود التوتر بين جميع الأطراف وتتوسع المجزرة التي كانت قد بدأت بخلاف بسيط بين ولدين.

النشاط الغنائي والموسيقي لم يشهد جديدا هذا العام بل شهدنا مهرجانات حرص منظموها على استقدام أسماء معروفة من قبيل مارسيل خليفة، وماجدة الرومي وعاصي الحلاني. يسجل من ناحية أخرى حضور لافت لفرقة “مشروع ليلى” التي تتألف من شباب يدافعون عن المثلية ويقدمون أغان انتقادية، كما يسجل ظهور فرقة “الراحل الكبير” التي تقدم أغنيات انتقادية اجتماعية بشكل جريء كان أبرزها أغنية “مدد مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي”. هذه الأغنية شاعت على اليوتيوب وحقـــقت نسبة مشاهدة عالية. تتألف فرقة الراحل الكبير من ساندي شمعون، نعيم الأسمر، عماد حشيشو، عبد قبيسي وعلي الحوت.

معرض بيروت الدولي للكتاب: هل وصلت هيمنة حزب الله وثقافته إلى لب لبنان الثقافي


الكتب والمعرض


شهد معرض الكتاب الذي يقام في مركز بيال للمعارض في نهاية العام مجموعة من حفلات توقيع الإصدارات الجديدة كان أبرزها توقيع أحلام مستغانمي ديوانها الشعري الأول “عليك اللهفة” الصادر عن مؤسسة نوفل، وتوقيع عباس بيضون لكتابه “صلاة لبداية الصقيع” وتوقيع حازم صاغية وبيسان الشيخ كتابهما “شعوب الشعب اللبناني” عن دار الساقي.

المشهد الشعري الشبابي شهد توقيع ديوان إنعام الفقيه “تركت بعلبك وما هلكت” الصادر عن المركز الثقافي العربي، وتوقيع ربيع شلهوب ديوانه “نهر مقطوع من شجرة” الصادر عن دار النهضة العربية وتوقيع الشاعر محمد ناصرالدين لديوان “ذاكرة القرصان” الصادر كذلك عن دار النهضة. وقعت كذلك الكاتبة الشابة عائشة عجينة كتابها البحثي “الوحي” الصادر عن دار الجمل.

حركة ترجمة الروايات شهدت اهتماما بنقل أعمال روائيين غير معروفين للقارئ اللبناني كثيرا إلى اللغة العربية فقد ترجمت دار الجمل رواية “اختراع موريل” للكاتب أدولفو بيوي كاساريس، وترجمت دار الآداب رواية “الأرض المطوية” للروائي أنورادا روي ورواية “بائع الحكايات” لستانيسواف ستراسبورغر، وترجمت دار التنوير رواية “حكاية قمر” للروائي الياباني كيئتشيرو هيرانو، وترجمت منشورات ضفاف رواية “الأفق” للكاتب الفرنسي الحائز مؤخرا على جائزة نوبل للآداب باتريك موديانو.

وترجمت شركة المطبوعات للنشر رواية “المنور” لخوسيه ساراماغو وهي رواية كان ساراماغو قد كتبها في بداية مسيرته الأدبية ولم تحظ بناشر، وضاعت مخطوطتها لفترة طويلة قبل أن يجدها الناشر من جديد في عام 1989، وقد رفض الكاتب نشرها حينها وطلب في وصيته ألا تنشر إلا بعد وفاته.

تعد هذه الحصيلة الثقافية هزيلة مقارنة بالصورة التي يقدم فيها لبنان نفسه بوصفه بلادا منتجة للثقافة والإبداع. الثقافة ليست سوى انعكاس، من هنا يمكن أن نفهم سبب تدهور الحال الثقافي في بلادنا التي لا تعكس سوى الكارثة وأخلاقها وفنونها وكتبها ولغتها.


إقرأ أيضا:



◄ مدينة بلا ثقافة

15