كاتبة مصرية تعيد فتح الجرح الطائفي اللبناني

خلال فترة وجيزة صدرت رواية لبيبة هاشم (1880ـ 1947 وهذا التاريخ ليس قطعيا) “قلب الرّجل” المنشورة للمرة الأولى سنة 1904، عن “دار المدى” في دمشق، بمقدمة الباحثة يمنى العيد، ثمّ صدرت مرّة ثانيّة في القاهرة، عبر “سلسلة رائدات الرّواية العربيّة”، التي تصدرها “الهيئة العامة للكتاب”، بدراسة ضافية قدّمها الباحث سيد البحراوي.
هذا الاحتفاء بالنص مرتين يؤكّد القيمة الأدبيّة التي تمثّلها هذه الرّواية، على المستوى الفني وأيضا على المستوى التأريخي في إبراز ملمح مهم يشكّل تاريخا رياديا للمرأة العربيّة في الكتابة على حدّ تعبير يمنى العيد.
رائدات الكتابة
ربما لا يفيد، كثيرا، الحديث عن تاريخ ريادات نسائيّة شكّلت كتابتهنّ مَلمحا بارزا في تاريخ الكِتابة بصفة عامة أمثال وردة اليازجي وزينب فوّاز وعفيفة كرم ولبيبة هاشم وأليس بطرس البستاني ولبيبة صوايا وسلمى صائغ ووداد قرطاس وعنبرة سلام الخالدي وغيرهن، بقدر ما يفيد أن نشير إلى أن هذه الكتابات ما كانت تجد النور لولا دعم الرّجل لها، والذي تبنّى الكثير من المواقف تجاه قضايا تحرّر المرأة، والتأكيد على دورها في بناء الأوطان مثلما فعلت دعوات رفاعة رافع الطهطاوي 1801- 1873 الذي أدرك أهميّة تعليم المرأة وسعى إلى إيجاد مدرسة لها. والمعلم بطرس البستاني 1819- 1883 الذي كان من أوائل من نادوا بضرورة تعليم المرأة.
وقاسم أمين 1863- 1908 الذي عمل على تحرير المرأة من قيود الجهل، والحجاب، وأعلن بأنها “مساوية للرجل في القوى العقلية” مستندا في قوله إلى ما أظهره “علم الفيزيولوجيا والتشريح” حسب تعبيره في كتابه “المرأة الجديدة".
المؤكّد أن قيمة نص لبيبة هاشم يتجاوز إشكالية إثبات الرّيادة الأولى كما حاول الكثير بإدراج نص وإخراج آخر، والسبب يعود لأنها واقعة خارج التصنيف الذي يبحث عن روايات ماقَبل 1865، فقد صدرت الرواية عام 1904، مع التأكيد على أن أحكام الرّيادات تتغيّر كلّ يوم في ضوء العثور على نصوص تسجّل تاريخا أسبق من غيرها، على نحو ما فعل محمد سيد عبدالتواب في نص خليل أفندي الخوري “وي إذن لست بإفرنجي”، الذي يعود إلى سنة 1856.
وإن كان شربل داغر في مقدمته المتأخّرة للرواية (حسب وصفه والتي جاءت في 67 صفحة) يشير إلى سنة 1859، وهو ما يسحب الريادة عن رواية زينب فواز “غادة الزاهرة” أو “حسن العواقب” التي صدرت لأوّل مرة في عام 1899، والتي اعتبرها حلمي النمنم أوّل رواية، معتبرا أنّ رواية «غاية الحق» (صدرت عام 1865) لفرانسيس فتح الله مرّاش التي اعتبرها الناقد جابر عصفور أوّل رواية عربية، ليست كذلك رغم أسبقية تاريخ الصدور، وهذا لسبب بسيط أنّ مرّاش ذاته اعتبرها كتابا وليس رواية.
|
الرواية التاريخية
أما الأهمية الثالثة التي يجب أن تسترعي انتباه القارئ وناقد هذا النّص، هي أن النصّ ينتمي من ناحية الموضوع الذي تشتغل عليه الرواية إلى “الرّواية التاريخيّة”، حيث تنبني أحداثه على واقعة تاريخيّة كما تشير المؤلّفة في الفصل الأوّل “فاتنة لبنان” إلى “الفتنة الأهليّة التي جرت في لبنان سنة 1860، وما وقع.. من المذابح الهائلة، وسفك الدماء الزكية بحيث اضطرّ معظم المسيحيين إلى الفرار من السّيف والتشتت في آفاق البلاد”، فالكاتبة جعلت الأحداث التاريخيّة خلفية، فلم تقف عندها كثيرا بل عرضت لخيوطها الرئيسية التي كانت سَببا في حالة الشّتات والتفرّق للعديد مِن الشخصيّات الرّوائيّة، وَصاغت مرويتها من عالم روائي متخيّل.
الشاهد هنا أن الكاتبة لم تقع أسيرة الحدث التاريخي، الذي كان سببا في حالة الفراق والشّتات لبطليها الرئيسييْن حبيب نصرالله وفاتنة، وإنما اتّخذت من الواقعة التاريخيّة إطارا عاما لتصوير وقائع وأحداث روايتها، يظهر السياق السياسي والثقافي للظرف الذي أنتجت فيه الرواية، ماعدا ذلك فإنها قدمت لنا رواية غرامية يلعب فيها القدر الدور الأوّل في التفريق بين الشّخصيات (حبيب وفاتنة وعزيز وروزه ثم عزيز وماري)، ثمّ اللقاء مرّة ثانية بعد اعتقاد أن الجنين الذي كانت تحمله زوجته مات أيضا معها، بعدما رأى ملابسها إلى جانب عظام جثتها المتراكمة فوق بعض، وهو ما أصابه بالإغماءة، إلى أن يلتقي حبيب نصرالله الأب بابنه عزيز، في مصادفة عجيبة يلعب فيها القدر دورا مهمّا.
ثمة أشياء لافتة في بناء النص، منها أن السرد لم يُبن على القفزات الزمنية كما في كثير من روايات البدايات، بل نما طبيعيا معتمدا على تراتب الأحداث وتشابكها، وإن كانت الصدفة قد لعبت دورا محوريا في الكثير من الأحداث، وهو شيء طبيعي لروايات البدايات.
حمد خليفة أبوشهاب ورحلته في بيئة الإمارات وتاريخها