الانحياز لسلطات طرابلس يضع البعثة الأممية في مرمى انتقادات شرق ليبيا

تواجه العلاقة بين بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والشارع السياسي المحلي حالة من توتر المواقف وتشنج الخطاب في ظل اتساع دائرة الخلاف حول واقع وآفاق الأزمة التي تعاني منها البلاد منذ 14 عاما وما يمكن أن تشهده الفترة القادمة من مبادرات لتجاوز النفق والبحث عن خطة تقود نحو الحل الشامل لأبعاد الصراع.
ورد فاعلون سياسيون أزمة البعثة إلى انحيازها إلى سلطات طرابلس وحكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها المتهمة بتجاوز الإطار القانوني المتفق عليه من قبل مؤتمر تونس للحوار السياسي في نوفمبر 2020، وعرقلة مشاريع الحل السياسي بما في ذلك انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر 2021. وحاولت البعثة الدفاع عن نفسها، وقالت في بيان، إنها تتابع بقلق التصريحات التحريضية التي صدرت عن بعض الشخصيات السياسية، والتي شجعت على ارتكاب أفعال غير قانونية ضد موظفيها ومقراتها، محذّرة من محاولات تقويض مسار العملية السياسية.
وأكدت احترامها الكامل وغير المشروط لحق السكان المحليين في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي، واعتبرت أن التواصل المباشر مع الشعب الليبي هو حجر الزاوية في عملها، مشيرة إلى أنها دأبت على استقبال المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم في مختلف الوقفات السابقة، وأنها استقبلت، الثلاثاء الماضي، ممثلين عن عدد من المتظاهرين في مقرها بطرابلس، وأجرت معهم نقاشًا مفتوحًا قائمًا على الاحترام المتبادل.
وأعربت البعثة عن استيائها ممّا وصفتها بحملات التحريض والشائعات التي تستهدفها، معتبرة أن هذه الخطابات قد تعرقل الجهود الأممية نحو إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى الانتخابات وتوحيد المؤسسات وتحقيق الاستقرار. كما شددت على أهمية الحفاظ على الطابع السلمي لأيّ تظاهرات، والامتناع عن أيّ أعمال خارجة عن القانون، ودعت إلى حل الخلافات عبر الحوار البناء، مذكّرة باتفاقية عام 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، والاتفاق المبرم مع السلطات الليبية، والذي ينص على احترام حرمة مقار الأمم المتحدة وموظفيها وممتلكاتها، مردفة أنها ستواصل مراقبة التطورات عن كثب.
◙ فاعلون سياسيون يرجعون أزمة البعثة إلى انحيازها إلى سلطات طرابلس وحكومة الدبيبة لمتهمة بتجاوز الإطار القانوني المتفق عليه من قبل مؤتمر تونس
في المقابل، أعلنت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب عن رفضها الشديد لما ورد في بيان البعثة الأممية، متهمةً إياها بـالتحريف المتعمد لمطالب المتظاهرين السلميين، ومحاولة تضليل الرأي العام الدولي من خلال تصوير غير دقيق لحقيقة الأوضاع في البلاد. وأكدت الحكومة التي تتخذ من بنغازي مقرا لها، أن ما تشهده الساحة الليبية من احتجاجات هو تعبير شعبي طبيعي عن الاستياء المتزايد تجاه أداء البعثة، التي قالت إنها فشلت خلال أكثر من عقد في تحقيق أيّ تقدم ملموس، بل وأسهمت في تعقيد الأزمة من خلال دعم ترتيبات هشة ومسارات غير واقعية، وفق نص البيان.
وحذّرت الحكومة من “تجاوزات البعثة الأممية التي تمس أمن الدولة وسيادتها،” مشيرة إلى تدخلات اعتبرتها “صريحة في الشأن الداخلي الليبي، في تجاوز واضح لمهام البعثة المحددة،” داعية البعثة إلى الالتزام بولايتها الأممية، والابتعاد عن الانحياز والتدخل، والعمل بمهنية وحياد بما يحترم السيادة الليبية ويلبّي تطلعات شعبها.
وأكد رئيس الحكومة المنبثقة عن البرلمان أسامة حماد على أن تحركات البعثات الدولية والدبلوماسيين داخل الأراضي الليبية تخضع حصرًا للقوانين الوطنية، ولا يُسمح بأيّ نشاط خارج إطار التنسيق مع الجهات الرسمية. وشدد السبت في كلمة ألقاها خلال حفل تخريج الدفعة الرابعة من المعهد العالي لضباط الشرطة في بنغازي، على أن استغلال الغطاء الأممي أو الصفة الدبلوماسية لتنفيذ لقاءات أو أنشطة دون إذن مسبق من وزارة الخارجية يمثل تجاوزًا مرفوضًا للسيادة الوطنية، موضحًا أن الحكومة لن تتهاون مع هذه الممارسات وستتخذ إجراءات قانونية صارمة ضد المخالفين، مهما كانت صفاتهم أو انتماءاتهم.
وأضاف حماد “نؤكد أن دخول أو تنقل أو تجوّل أعضاء البعثات الدبلوماسية وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية والأهلية يتم فقط بموافقة صريحة من الجهات الليبية المختصة، وفي مقدمتها وزارة الخارجية،” لافتا إلى أن هذه الإجراءات تستند إلى التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية المعمول بها، وعلى رأسها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تُلزم الدبلوماسيين باحترام قوانين الدولة المضيفة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ووجّه حماد دعوة مباشرة إلى الأجهزة الأمنية والشرطية المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع أيّ خروقات، مؤكدًا أن الحفاظ على سيادة الدولة واستقلال قرارها هو أولوية وطنية لا تقبل التهاون.
وفي السياق ذاته، أعلن 70 عضوًا بمجلس النواب عن رفضهم لما وصفوه بانحراف مسار البعثة الأممية، مطالبين بـإصلاح نهجها في إدارة العملية السياسية داخل ليبيا، وذلك في أعقاب إحاطة المبعوثة الأممية حنّا تيتيه أمام مجلس الأمن الثلاثاء الماضي، وأكدوا في بيان رفض أيّ مسارات سياسية أو تفاهمات تُهندس خارج الإرادة الليبية أو تُعقد في غرف مغلقة، داعين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إعادة تقييم أداء البعثة، ووقف ما وصفوه باستخدام ليبيا كساحة تجريبية لمقاربات فاشلة.
وبحسب مراقبين، فإن الأزمة بين البعثة الأممية والأطراف السياسية في المنطقة الشرقية تتجه نحو المزيد من التصعيد بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات أمام مقر البعثة بالعاصمة طرابلس، وذلك بسبب غياب التوافق حول خارطة الطريق التي ينتظر أن يتم الإعلان عنها في أغسطس القادم انطلاقا من مخرجات اللجنة الاستشارية.
ورأى المحلل السياسي محمد الترهوني أن البعثة الأممية للدعم في ليبيا انحرفت عن المهام الأساسية الموكلة إليها، واتهمها بلعب دور المعرقل الرئيسي للعملية السياسية، بدلًا من أن تكون وسيطًا محايدًا يهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتنازعة ، مشيرا إلى أن البعثة الأممية، التي كان من المفترض أن تقود مسارًا سياسيًا جامعًا، أصبحت تكرّر ما وصفه بسيناريو البعثات السابقة، من خلال الانحياز إلى طرف سياسي على حساب طرف آخر، مضيفًا أن هذا الانحياز يؤدي إلى إعادة الأزمة إلى نقطة الصفر كلما لاح في الأفق بصيص انفراج.
وبحسب أوساط مطلعة، فإن حنّا تيتيه طرقت باب المواجهة مع سلطات شرق ليبيا عندما انتقدت مصادقة مجلس النواب على ميزانية صندوق التنمية وإعادة الإعمار الذي يشرف عليه المهندس أبوالقاسم خليفة حفتر.
وقالت تيتيه في إحاطتها أمام مجلس الأمن الثلاثاء الماضي “إلى جانب استمرار حالة انعدام الاستقرار والإحباط السائد من الوضع الراهن، تدهورت القوة الشرائية للدينار الليبي بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. ففي 6 أبريل، انخفض سعر الدينار الليبي من 4.8 دينار إلى 5.56 دينار مقابل الدولار الأميركي، ما يمثل خسارة في القيمة بنسبة تقارب 16 في المئة. ولم يجر الاتفاق حتى اليوم على ميزانية موحدة، ما يُفاقم الضغوط على المصرف المركزي.”
وتابعت “في ظل الانقسام المؤسسي وعدم الاتفاق على الإنفاق أو الميزانية، تُهدد القرارات المالية أحادية الجانب بزعزعة استقرار الوضع المالي المتأزم أصلاً. وعليه، فإن ما جرى من مناقشة مجلس النواب في 3 يونيو لميزانية ثلاث سنوات بقيمة 69 مليار دينار ليبي لصندوق التنمية والإعمار الليبي سيكون مثيراً للقلق في حال الموافقة عليها.”
ويرى متابعون للشأن الليبي أن موقف رئيس البعثة جانب الصواب من حيث تجاهله لظاهرة الفساد المالي والإداري والعبث بمقدرات الدولة وإهدار المال العام في العاصمة طرابلس، في الوقت الذي تشهد فيه مناطق شرق وجنوب البلاد نهضة عمرانية شاملة وحركة حثيثة لإعادة الإعمار في ظل استتباب الأمن والاستقرار في مناطق نفوذ وسيطرة الجيش الوطني والقوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر.