سجال ليبي حول خطة لاستقبال مجرمين مرحلين من الولايات المتحدة

أصدرت لجنة الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب بيانا أعربت فيه عن استنكارها الشديد ورفضها القاطع لخطة ترحيل متسللين ومجرمين من الولايات المتحدة إلى ليبيا، مؤكدة أن ذلك يمثل اعتداء سافرًا على السيادة الوطنية الليبية، وتجاوزا خطيرا لكل الأعراف الدبلوماسية والقانونية.
عاد السجال الحاد ليطغى على الشارع الليبي بعد الإعلان عن قرار المحكمة العليا الأميركية بالسماح لإدارة الرئيس دونالد ترامب باستئناف عمليات ترحيل المهاجرين واللاجئين إلى دول “ثالثة” غير بلدانهم الأصلية من دول الساحل الجنوبي للمتوسط، من بينها ليبيا.
ورفض مجلس النواب المحاولات الأميركية لترحيل مجرمين من أراضيها إلى ليبيا، معتبرا أن أي محاولة لإجبار الدولة الليبية على قبول أشخاص متورطين في جرائم أو مخالفات قانونية داخل الأراضي الأميركية هي تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي وسيقابل بموقف حازم ورد سياسي واضح.
وأعربت لجنة الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب عن استنكارها الشديد ورفضها القاطع لمحاولات ترحيل متسللين ومجرمين من الولايات المتحدة إلى ليبيا، واصفة هذا التصرف بأنه يمثل اعتداء سافرا على السيادة الوطنية الليبية وتجاوزا خطيرًا لكل الأعراف الدبلوماسية الدولية ولا يستند إلى أي اتفاقية أو إطار قانوني بين البلدين.
وأكدت اللجنة في بيان لها، اطلعت عليه “العرب”، أن الدولة الليبية ترفض بشكل قاطع استقبال أفراد يشكلون تهديدا أمنيا أو جنائيّا مهما كانت جنسياتهم أو أوضاعهم القانونية، وأن تحميل ليبيا عبء هؤلاء يعد تصرفا غير مسؤول من جانب الإدارة الأميركية.
صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت تلقي دبلوماسيين برقية تطلب منهم التواصل مع تسع دول، بهدف قبول مرحّلين
وحذرت اللجنة من قيام أي جهة رسمية أميركية بتنفيذ هذه الخطوة الأحادية التي ستقابل باتخاذ إجراءات سياسية صارمة وخطوات تصعيدية قد تؤثر سلباً على التعاون الثنائي الليبي – الأميركي، مشيرة إلى أن الإصرار الأميركي على هذا المسار مع ليبيا لا يعكس نوايا صادقة تجاه تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وأن ليبيا لن تقبل أن تكون ساحة للتخلص من أعباء داخلية تخص الجانب الأميركي.
ودعت اللجنة كافة الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى احترام السيادة الوطنية الليبية والتعامل مع الدولة الليبية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتوازنة، بعيدًا عن أي ممارسات أحادية الجانب أو إجراءات مفروضة.
وفي مايو الماضي كانت محكمة الاستئناف الأميركية الأولى في بوسطن قد رفضت طلب إدارة الرئيس دونالد ترامب لرفع أمر قضائي يحظر ترحيل المهاجرين بسرعة إلى دول مثل ليبيا والسلفادور دون مراعاة مخاوفهم بشأن السلامة.
ولم يفصِّل أغلب القضاة في المحكمة العليا أسباب قرارها الذي أثار انقساما بين قضاة المحكمة، فيما قالت الناطقة باسم وزارة الأمن الداخلي تريشيا ماكلولين إن عمليات الترحيل إلى دول ثالثة غير أميركا وبلدانهم الأصلية ستبدأ في وقت قريب، معتبرة القرار انتصارا لسلامة الشعب الأميركي وأمنه.
ويسمح القرار لإدارة ترامب بترحيل المهاجرين إلى بلدان أخرى، يطلق عليها “بلدان ثالثة”، من دون منحهم الوقت للاعتراض على وجهة الترحيل، وسبق أن ألمح ترامب إلى إمكان ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة إلى دول مثل ليبيا وجنوب السودان.
وكان رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي طلال الميهوب أكد أن اللجنة لا تملك أي علم أو موافقة بشأن التقارير المتداولة إعلاميا بهذا الصدد.
وقال “كلجنة دفاع، نؤكد بشكل قاطع أننا لسنا طرفا في أي اتفاق يتعلق بهذا الملف، ونرفض بشدة أن تتحول بلادنا إلى معتقل لمجرمي العالم أو وجهة لترحيل المهاجرين قسرا من أي دولة كانت.”
وتوعد بأنه “عند التأكد من صحة هذه الأخبار، سيكون لدينا الرد المناسب الذي يعبر عن موقف الدولة الليبية وسيادتها الوطنية.”
واعتبر عضو مجلس النواب علي الصول أن مسألة ترحيل عدد من المجرمين من الولايات المتحدة إلى ليبيا أمر مرفوض جملة وتفصيلا، وذكر أن القيادة العامة للجيش الوطني أكدت رفضها التفاوض بشأن الملف ورفضه بالكامل.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإن دبلوماسيين أميركيين في عدة بعثات خارجية تلقّوا برقية عاجلة من واشنطن، تطلب منهم التواصل مع تسع دول، بينها ليبيا ودول في أفريقيا وآسيا الوسطى، بهدف قبول مرحلين منها بينهم مجرمون.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين عرضوا المقترح على دول مثل أنغولا ومنغوليا وأوكرانيا، وقد وافق إقليم كوسوفو على استقبال ما يصل إلى 50 شخصًا، بينما تحتجز كوستاريكا العشرات.
القرار يسمح لإدارة ترامب بترحيل المهاجرين إلى بلدان أخرى، يطلق عليها “بلدان ثالثة”، من دون منحهم الوقت للاعتراض على وجهة الترحيل
وأوضحت الصحيفة أن إدارة الرئيس ترامب كانت تخطط مؤخرا لنقل مبعدين من دول آسيوية وأميركية لاتينية إلى ليبيا وجنوب السودان، قبل أن تصدر محكمة فيدرالية قرارًا بمنع ذلك، إلا أن المحكمة العليا منحت مؤخرًا الإدارة الأميركية الحق في ترحيل أشخاص إلى دول ليست أوطانهم، ما يُمهّد الطريق لاستئناف عمليات الترحيل.
وفي أوائل مايو الماضي أعلن البيت الأبيض عن توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يمنع بموجبه رعايا 12 دولة من دخول الولايات المتّحدة، وهي أفغانستان وبورما وتشاد والكونغو وغينيا الاستوائية وإريتريا وهايتي وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن.
وأرجع البيت الأبيض القرار إلى إجراء الإدارة الأميركية تقييما دقيقا للمخاطر التي تشكلها هذه الدول على الولايات المتحدة، بما في ذلك ما يتعلق بالإرهاب والأمن القومي، وقال الإعلان الأميركي إن الدول المعنية لا تفي بالمتطلبات الأمنية اللازمة، وتُشكّل خطرًا كبيرًا على الولايات المتحدة.
وسبق لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، أن أكد رفض ليبيا استخدام أراضيها كوجهة لترحيل المهاجرين من أي دولة كانت، مشددا على أن ليبيا لن تكون معتقلا جماعيا للبشر تحت أي ذريعة.
وقال الدبيبة في تصريح رسمي إن أي تفاهمات تجرى مع أطراف غير شرعية لا تمثل الدولة الليبية، ولن تكون ملزمة سياسيا أو أخلاقيا، معتبرا أن “كرامة الإنسان والسيادة الوطنية ليستا ورقة تفاوض أو مساومة.”
في المقابل أبرزت أوساط ليبية أن أطرافا داخل السلطة الليبية وافقت على استقبال مجرمين مرحلين من الولايات المتحدة، قبل أن تتراجع عن ذلك خشية موجة عارمة من الغضب الشعبي، وقالت إن الدبيبة الساعي إلى البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى لا يمانع في تلبية رغبات الإدارة الأميركية مقابل دعم تطلّعه إلى الاستمرار في الحكم لسنوات أخرى.