اتفاق مغربي - تركي على ضبط إيقاع المبادلات التجارية الحرة

في إطار الشراكة الاقتصادية بين المغرب وتركيا تم التوصل إلى اتفاق جديد يهدف إلى ضبط إيقاع المبادلات التجارية الحرة بين البلدين. ويأتي هذا التفاهم بعد تسجيل اختلالات تجارية أثّرت على بعض القطاعات الصناعية المغربية، ما استدعى مراجعة شروط التبادل لضمان توازن المصالح وحماية الإنتاج الوطني.
أنقرة - توصل المغرب وتركيا خلال اجتماع رسمي عقد في أنقرة هذا الأسبوع إلى تفاهمات جديدة تهدف إلى تقليص العجز المزمن في الميزان التجاري بين البلدين، والذي يميل لصالح الأتراك من خلال تعزيز الصادرات المغربية إلى السوق التركية.
وأكد الطرفان في الاجتماع برئاسة كاتب الدولة المغربي لدى وزير الصناعة والتجارة عمر حجيرة، ونائب وزير التجارة التركي مصطفى توزكو، رغبتهما في إرساء شراكة تقوم على مبدأ “رابح – رابح”، تضمن تقاسم المنافع بشكل منصف ومستدام.
وشددت الحكومة المغربية على أنه لا توجد أيّ مشاكل مع تركيا، بل الهدف هو حماية الاقتصاد، والدفاع عن فرص العمل.
وأكدت أن صادرات الملابس والنسيج التركية التي أثرت على فرص العمل تم إيقافها، وأن الهدف هو محاربة الشركات التي تسعى إلى الإغراق، حيث أبدى المغرب رغبة في تصحيح الاختلالات التي برزت عند تطبيق اتفاق التبادل الحر مع تركيا.
وتعامل الطرفان مع شكاوى الشركات المغربية العاملة في قطاع النسيج والألبسة من إغراق السوق المحلية بالمنتجات التركية، حيث قرر البلدان تعزيز التعاون الفعّال بهدف زيادة حجم التجارة الثنائية، الذي يقترب من 5 مليارات دولار، إلى مستويات أعلى.
وسيتم تنفيذ ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصناعات التحويلية في البلدين يكمل بعضها بعضا، مع تنظيم لقاءات قطاعية وفعاليات للترويج للاستثمار المشترك.
واتفق البلدان على اتخاذ سلسلة من التدابير الرامية إلى إزالة العوائق التي تعترض المبادلات التجارية، حيث عرف الاجتماع مناقشة عميقة وتحليلا دقيقا للوضع وحصيلة التعاون في مجال التجارة وسبل تطويرها والصعوبات التي تواجه المصدرين.
والهدف من ذلك هو إعطاء زخم إضافي لهذا التعاون وضمان تبادل تجاري مستدام ومتوازن يتماشى وعمق العلاقات الدبلوماسية التي تربط المغرب وتركيا.
ويخدم الاتفاق طموح شركات تركية للحصول على حصة من الاستثمارات المخصصة للتحضيرات الجارية استعدادا لكأس العالم 2030، الذي يستضيفه المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال.
وأكد عدنان أصلان، رئيس جمعية مصدري الصلب في تركيا، أن المغرب يوفر فرصا استثمارية واعدة بفضل مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالمونديال، منها إنشاء ملاعب جديدة، بالإضافة إلى انطلاق مشاريع لبناء الفنادق والإقامات السياحية.
وبلغت صادرات تركيا من الصلب إلى المغرب 150 ألف طن خلال سنة 2024، غير أن الزخم الذي أحدثته التحضيرات للمونديال رفع هذا الرقم إلى أكثر من 291 ألف طن خلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط من عام 2025.
وصرّح جتين تجدلي أوغلو، ممثل جمعية مصدري المعادن والمعادن الصناعية بإسطنبول، بأنه يتم إيفاد شركات تركية متخصصة في مجالات البناء والأثاث والتجهيزات لإجراء زيارات ميدانية واستكشاف فرص التعاون المتاحة.
وتوقع أحمد غولتش، رئيس اتحاد جمعيات مصنّعي الأثاث في تركيا، أن تتضاعف صادرات الأثاث التركي إلى المغرب أربع مرات خلال سنوات 2027 و2028 و2029، لتتجاوز حاجز 250 مليون دولار.
وتم الاتفاق حول النقاط الخلافية التي ستكون موضوع إعادة نظر، حيث قرر الطرفان العمل على طلب المغرب الحصول على الأفضلية لتوسيع نطاق منتجاته الزراعية إلى السوق التركية، مع تنظيم فعاليات ترويجية مشتركة على المستوى القطاعي.
وبالإضافة إلى ذلك تنظيم لقاءات ثنائية بين رجال الأعمال عبر وفود تجارية قطاعية، بهدف تعزيز تبادل المنتجات بين الاقتصادين التركي والمغربي في إطار الاتفاقية.
وأكد رشيد ساري الخبير الاقتصادي لـ”العرب” أن ارتفاع منسوب الصادرات في حد ذاته ليس مؤشرا عن إيجابية أو سلبية اتفاقيات التبادل الحر التي عقدها المغرب، والتي يفوق عددها 54 اتفاقية، منها اتفاق التبادل الحر مع تركيا.
وقال في تصريحاته “كان لا بد من مراجعة عدد كبير منها وجزء مهم يخص شروط التصدير، خصوصا في علاقات المغرب التجارية مع تركيا، التي تحقق عجزا واضحا في التبادل الحر لفائدة الجانب التركي.”
وفي الوقت الذي ظلت فيه شركات النسيج المغربية تشكو من إغراق نظيراتها التركية للسوق المغربية، تم الاتفاق على إطلاق مشاريع إنتاج مشترك، لاسيما في قطاع النسيج، بهدف استهداف الأسواق الخارجية.
وركزت المفاوضات على تقييم فاعلية هذه الإجراءات المؤقتة، وطرح بدائل ممكنة، من بينها تشجيع الاستثمارات التركية المباشرة في المغرب لدعم الإنتاج المحلي وتخفيف الضغط على الميزان التجاري.
5
مليارات دولار حجم المبادلات سنويا، وسط آمال بأن يتم تعظيمها بشكل عادل في المستقبل
ويأتي هذا التحرك في إطار إستراتيجية أوسع تعتمدها الرباط لضبط ميزانها التجاري وتحفيز الصادرات، ويندرج ضمن التقييم المدرج في الاتفاقية كل خمس سنوات.
وأطلقت الحكومة المغربية في مايو الماضي خارطة طريق التجارة الخارجية 2025 – 2027 والهادفة إلى زيادة الصادرات بنحو 84 مليار درهم (8.4 مليار دولار)، وإنشاء 400 شركة تصديرية جديدة سنويا.
وتشمل الخطة أيضا التركيز على أسواق جديدة واعدة، خاصة في القارة الأفريقية، إلى جانب تعزيز القدرة التنافسية لقطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
ودخلت اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ في مطلع 2006، حيث أكد البلدان على إدراك ضرورة دعم تطوير التجارة الثنائية وإرساء تعاون اقتصادي شامل من خلال تعزيز الاستثمارات.
وعبّرا عن الرغبة في إقامة علاقة تجارة تفضيلية متوازنة ومستدامة على أساس المنفعة المتبادلة من خلال قنوات تواصل فعالة، وقام الوزيران بإعطاء توجيهاتهما لكبار المسؤولين في الوزارتين المكلفتين بالتجارة الخارجية لتتبع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر.
وخلص الاجتماع إلى تعزيز التعاون القائم بشكل أكبر بهدف الوصول إلى الأسواق الخارجية، لاسيما في مجال سلاسل توريد النسيج، من خلال “الإنتاج المشترك” في القطاع الصناعي التحويلي، للاستفادة من الطاقات الإنتاجية لكلا البلدين.
كما اتفقا على تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية، لاسيما في مجالات الشركات والخدمات الاستشارية الفنية، وذلك بهدف تعميق العلاقات في مجالات مشاريع البنية التحتية وتوريد المنتجات.
وقبل خمس سنوات فرضت الرباط رسوما جمركية مؤقتة بمعدل 90 في المئة على نحو 1200 منتج تركي في قطاعات صناعية حساسة بهدف تضييق فجوة العجز التجاري.