لمياء خربوش لـ"العرب": الفن مسؤولية إنسانية وتوعية مجتمعية

قضايا المرأة يجب أن تكون أولوية قصوى لتحريك نقاش مجتمعي.
الأربعاء 2025/06/25
ممثلة تطور موهبتها في التشخيص

يبرز اسم لمياء خربوش كأحد الأسماء المغربية الواعدة في مجال التمثيل، حيث تنوع في أدوارها عبر مشاركات في مسلسلات وأعمال مسرحية تطرح مواضيع جادة لها علاقة بالمجتمع المغربي، كما تقدم شخصيات قادمة من صميم الواقع اليومي وأبرز الظواهر المنتشرة فيه. وهي في لقاء مع "العرب" تقدم قراءة لتجربتها وتوضيحا لأبرز مواقفها من آخر مشاركات فنية لها.

تواصل الممثلة المغربية لمياء خربوش إثبات حضورها الفني بخطى واثقة، من خلال أدوار مركبة تمزج بين القضايا الاجتماعية والإنسانية، وتسلّط الضوء على هموم المرأة المغربية في قالب درامي واقعي. وقد كان لرمضان الأخير وقع خاص في مسيرتها، إذ شاركت في عملين دراميين أثارا تفاعلا كبيرا، هما “الدم المشروك” و”رحمة”، مقدمة شخصيتي خدوج ودلال اللتين حملتا الكثير من التناقضات والتحديات التمثيلية.

في حديثها لـ”صحيفة العرب”، توقفت خربوش عند تفاصيل تجربتها الأخيرة، كاشفة عن رؤيتها للدور الاجتماعي للفن، وعن مدى تأثير الشخصيات التي تتقمصها على وعي الجمهور، كما تحدثت عن كواليس العمل، وعمّا ينتظرها من مشاريع مستقبلية في الدراما والمسرح.

وأبهرت لمياء خربوش جمهورها المغربي بتقمصها شخصية خدوج في مسلسل “الدم المشروك” التي أثارت الكثير من التعاطف بعد مقتلها المفاجئ على يد زوجها. عبّرت عن دهشتها من ردود الفعل القوية التي لم تكن تتوقعها، معتبرة أن تفاعل الجمهور مع آلام خدوج أكد نجاحها في إيصال الجانب الإنساني من هذه المرأة المركبة، التي رغم مظهرها القاسي في البداية، فإنها كانت تحمل في داخلها حبا وألما حقيقيين.

تصوير العنف ضد النساء لا يهدف إلى الصدمة، بل إلى تحريك النقاش المجتمعي حول آلام مسكوت عنها
تصوير العنف ضد النساء لا يهدف إلى الصدمة، بل إلى تحريك النقاش المجتمعي حول آلام مسكوت عنها

ونوّهت بأن نجاح الدور لم يكن ليتحقق لولا روح التعاون داخل فريق العمل، مشيدة بالمخرج أيوب الهنود وبشركة الإنتاج التي منحتها هذه الفرصة المهمة. ورأت أن النجاح الجماعي، لا الفردي، هو ما أوصل المسلسل إلى جمهوره، خاصة أن كل المشاركين آمنوا بالمشروع منذ بدايته.

واستعرضت تطور شخصية خدوج، التي بدأت كزوجة متمردة وشرسة في نظر المشاهد، لكنها كشفت لاحقًا عن ضعفها الإنساني وصدق مشاعرها، ما جعل الجمهور يغيّر نظرته إليها. وأكدت خربوش أن هذا التحول في العلاقة بين المتلقي والشخصية أسعدها كثيرًا، لأنه يعكس التفاعل العميق مع الأداء.

وأوضحت أن مسلسل “رحمة” بدوره ساهم في إبراز جانب آخر من قدراتها، خصوصا من خلال شخصية دلال التي تعاني بصمت من العنف الزوجي. وشعرت، بحسب قولها، بمسؤولية إنسانية كبيرة وهي تؤدي هذا الدور، خاصة بعد أن اكتشفت أن العديد من النساء يعشن معاناة مماثلة في الواقع دون أن يسمع أحد أنينهن.

وقارنت الممثلة بين الشخصيتين، مؤكدة أن “دلال تمثل الوجه المنكسر والخاضع، بينما خدوج تجسّد القوة والتمرد، وهذا التناقض منحها فرصة غنية لاستكشاف طيف واسع من الانفعالات، وساعدها على اختبار طاقتها كممثلة قادرة على التلون والتحوّل الدرامي.”

وكشفت أن هناك حديثا فعليا عن إنتاج جزء ثانٍ من “الدم المشروك”، مشيرة إلى أن نهاية الجزء الأول كانت مفتوحة وتثير تساؤلات كثيرة، خصوصا حول مصير داوود، مما يخلق ترقبًا لدى الجمهور ويستدعي مواصلة القصة بطريقة مشوّقة.

وأبدت موقفا أكثر مرونة من فكرة تعدد أجزاء المسلسلات، بعدما كانت تميل إلى التجديد الدائم. واعتبرت أن إنتاج أجزاء جديدة يمكن أن يكون إيجابيا إذا تم التخطيط له منذ البداية ولم يكن مجرّد استثمار تجاري لنجاح الجزء الأول، بل امتدادا فنيا منطقيا وضروريا.

وعبّرت عن إعجابها الكبير بالكاتبة بشرى مالك، التي سبق أن عملت معها. وأشادت بقدرتها على صياغة شخصيات واقعية وبناء حبكات مشوقة، معتبرة أنها مخرجة تملك من الأدوات ما يؤهلها لكتابة سيناريو قوي لأي جزء قادم.

مسلسل "الدم المشروك" فجّر موجة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي منذ عرضه خلال شهر رمضان، بسبب ما وُصف بتجريده من الطابع المغربي وانغماسه في أجواء درامية أقرب إلى البيئة الصعيدية المصرية

وتحدّثت خربوش لـ”العرب” عن انشغالها الحالي بالمسرح، حيث تشارك في عرض “زمانهن” من إخراج عبدالله ديدان وتأليف خالد ديدان. وأكدت أن المسرحية تنتمي إلى تجربة فنية متكاملة تجمع بين الغناء والرقص والتشخيص، واعتبرت أن سر نجاح العمل يكمن في الانسجام بين أعضاء الفريق، مضيفة أنه لا يمكن لأي عرض مسرحي أن ينجح دون تضامن الممثلين خلف الكواليس.

كما تطرقت إلى موضوع مسلسل “الدم المشروك”، مبيّنة أنه يتناول قصة ثلاث شقيقات، واحدة منهن من أب مختلف، يدخلن في صراع على مشروع ورثنه عن والدتهن الراحلة. وأشارت إلى أن العمل يغوص في مواضيع الأسرة والهوية والشرخ النفسي من خلال معالجة درامية جريئة وواقعية.

ودافعت الممثلة الشابة عن تضمين مشاهد العنف في العمل، مشيرة إلى أنها ليست من باب الإثارة بل تعكس واقعًا تعيشه الكثير من النساء. ورأت أن طرح هذه القضايا لا يهدف إلى الصدمة، بل إلى تحريك النقاش المجتمعي حول آلام مسكوت عنها، معتبرة أن الجدل الذي تثيره هذه المشاهد يُعد صحيًا إذا ما تم في إطار احترام الفن ودوره التوعوي.

وفجّر مسلسل “الدم المشروك” موجة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي منذ عرضه خلال شهر رمضان، بسبب ما وُصف بتجريده من الطابع المغربي وانغماسه في أجواء درامية أقرب إلى البيئة الصعيدية المصرية. وتتجلى هذه الانتقادات في إشارات واضحة إلى ملامح مستوردة في السيناريو والديكور والأزياء، إذ غلب اللون الأسود على ملابس الشخصيات وتُعالج القصة بتقنيات وأمزجة درامية تبدو مألوفة في الأعمال المصرية الريفية أكثر منها في السياقات المغربية. ويُنظر إلى هذه العناصر بوصفها تشويشا على الهوية البصرية والسردية للعمل، خصوصا مع تداول معلومات تفيد بأن كاتبة السيناريو مصرية، ما زاد من حدة الشعور بفقدان الخصوصية المحلية وانسلاخ العمل عن بيئته المفترضة.

العمل يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الإبداع الدرامي المغربي، ومدى قدرته على إنتاج أعمال تحمل خصوصيته الثقافية واللغوية دون الارتهان لقصص جاهزة وأمزجة مستوردة

ويثير العمل تساؤلات عميقة حول مستقبل الإبداع الدرامي المغربي، ومدى قدرته على إنتاج أعمال تحمل خصوصيته الثقافية واللغوية دون الارتهان لقصص جاهزة وأمزجة مستوردة.

وعلى الرغم من تحقيق المسلسل نسب مشاهدة مرتفعة، تجاوزت 3 ملايين مشاهدة على يوتيوب في يومين فقط، إلا أن النجاح الجماهيري لم يكن كافيا لإخماد موجة الانتقادات التي صبّت في مجملها على ما اعتُبر تراجعا عن إنتاج دراما محلية حقيقية. يُطرح بذلك سؤال مُلحّ حول أزمة النصوص في المغرب، وهل بات الاعتماد على قوالب خارجية حلا فنيا أم إعلانا عن عجز داخلي عن تأليف سرديات تنبع من واقع المجتمع المغربي وتعكس همومه وتفاصيله؟

وعرض مسلسل “رحمة” خلال الموسم الرمضاني الأخير، وأحدث تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بفضل حبكته المشوقة وأداء أبطاله اللافت، إلا أن نهايته المفتوحة تسببت في حالة من التساؤل بين المتابعين، بعدما بدت الخيوط الدرامية غير مكتملة. واختتمت الحلقات بمشهد مفاجئ تظهر فيه البطلة رحمة وهي تواجه طليقها داوود بعد غياب دام خمسة عشر عاما، برفقة شخصية نادية، ليترك الباب مواربا أمام تطورات غير محسومة، ويُرجح إمكانية تمديد القصة إلى موسم ثانٍ يعمّق من مسارات الشخصيات ويوضح مصيرها.

وتناقش أوساط الإنتاج احتمال تقديم جزء ثان من المسلسل، خصوصا أن العمل حقق نجاحا كبيرا وتصدّر نسب المشاهدة في بلدان عربية وأوروبية، حتى نافس الأعمال المصرية على منصات البث الرقمي، وينتظر طاقم العمل الضوء الأخضر من الجهة المنتجة من أجل استئناف التصوير ومواصلة السرد الدرامي، خصوصا أن الرؤية الإخراجية منذ البداية كانت تُراهن على سرد موزع على موسمين. ويُعزى هذا النجاح إلى البناء الاجتماعي العميق للمسلسل، الذي استطاع منذ حلقاته الأولى كسب اهتمام الجمهور وإثارة قضايا واقعية بأسلوب جذاب ومؤثر.

14