يوسف بلايلي.. الترجي و"الرّقدح"

طبيعي أن يفرح ويمرح أي لاعب كرة عندما يسجل الهدف، خاصة إذا كان حاسما، لكن فرحة يوسف بلايلي، بمناسبة هدفه المؤهل لفريقه الترجي التونسي إلى الدور الثاني، في مرمى نادي لوس أنجلس الأميركي، تربعت على عرش شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة وأن الحركة والرقصة كانتا على إيقاع أغنية “الرقدح”.
و”الرقدح” بإضافة نقطة ثالثة على القاف، هي عنوان أغنية شبابية جزائرية تتردد كثيرا في الملاهي، لكن لا توجد لغة في العالم يمكن أن تفك شفرتها، ولا ضليع في أي لغة يمكن أن يحيل السائل على معنى العنوان، ورغم ذلك تتصدر المشهد الشبابي والترفيهي في الجزائر والمنطقة المغاربية.
ويبدو أن قواسم مشتركة تجمع بين يوسف بلايلي ونادي الترجي التونسي وأغنية “الرقدح”، فهو لاعب كرة ليس بشخصية اللاعبين العاديين ولا النجوم الكبار، فأصيل أحد أحياء وهران الشعبية مر بمراحل مفصلية في حياته، لما عوقب بالتوقيف بسبب تعاطي الكوكايين، والترجي هو أحد كبار النوادي الكروية في شمال أفريقيا، و”الرقدح” هي طلسم لغوي يصنع النشوة لدى الشباب، في زمن تراجع القصائد الغنائية.
وبين المنشأ الاجتماعي ليوسف بلايلي في مدينة وهران وشعبية الترجي التونسي وأغنية “الرقدح” تتخفى معاني الطيبة والبساطة والطموح البسيط في ملاحقة شغف الكرة، من أجل لحظة نشوة وسرور، حتى ولو كانت في أقاصي الأرض.
انتصار الترجي التونسي، بهدف يوسف بلايلي، على نادي لوس أنجلس الأميركي، ورقصة الجنون على تماس الملعب، كانا بأكثر من رسالة ومغزى، ومفادها: يمكن أن ننتصر عليكم حتى وأنتم الأمة العظيمة التي تدير شؤون العالم، ودون أغنية قومية أو كلمات صادحة قد نعاقب بسببها، يمكن لـ”الرقدح” التي لا يفهمها أي أحد في العالم أن تُفرحنا، وعلى إيقاعها نغني ونرقص.
ألوان “المكشخة” كانت حاضرة بقوة في مدرجات الملعب؛ وهؤلاء ليسوا أنصار الترجي فقط، بل هناك من ينتمي إلى الجالية العربية التي انضمت إلى جموع الأنصار، من أجل تشجيع النادي العربي ضد نظيره الأميركي، بما للمواجهة الكروية من دلالات أخرى، فكان النجم في الموعد، وتجهز إيقاع “الرقدح” للاحتفال بالنصر.
وبين شخصية يوسف بلايلي وشباب الترجي وما تستقطبه النوادي الكروية في المنطقة من جماهير، وموجة الأغنية الطلسمية، يمكن تلمس ظاهرة سوسيولوجية قوامها حاجة الأجيال الشابة إلى شحن بنيتها النفسية والذهنية بنصر شامل يملأ حياتها العامة، قبل أن يخيب أملها ولا تبقى لها إلا كرة القدم.
المختصون يقولون بأن اللاعب الجزائري يوسف بلايلي كان بإمكانه أن يكون نجما عالميا في أكبر النوادي الأوروبية، لولا أنه أساء إدارة مساره الكروي، وافتقاده إلى محيط محترف، قادر على تكوين الإنسان في مجال تخصصه، وكاد يختفي تماما وتضيع موهبته الممتعة، لولا إرادة بعض الخيرين في الجزائر وتونس الذين تدخلوا لانتشاله من مستنقع الضياع.
وعلى هذا النحو قدم نصف الفهم ونصف التكفل ليوسف، وها هو يصنع أفراح العرب والترجي في كأس العالم للأندية، فماذا لو كل الفهم وكل التكفل، لشباب المنطقة في مختلف المجالات، بمن فيهم أولئك الذين يتهمون بهدم الذوق العام وتشويه الفن، بكلمات ساقطة أو غير مفهومة، على شاكلة صاحب “الرقدح”، الذي عبر عن ذاته بكلمة من خارج القواميس والمعاجم اللغوية.
الأكيد أن هذا العنوان أو المطلع لا يملك أي حظ في الفوز بلحظة سماع لأبسط متذوق للفن الغنائي، لكن المختصين في دراسة وتفكيك الظواهر الاجتماعية، يشكل لهم مادة دسمة لتحليل التحولات السوسيولوجية، خاصة وأنها تتناغم مع ظاهرتي يوسف بلايلي والترجي التونسي.