ترامب يرفض نموذج ليبيا 2011 ويدعو إلى نموذج ليبيا 2003

الرئيس الأميركي يطمح إلى أن يعتمد الإيرانيون النموذج الليبي في التخلي عن السلاح النووي.
الأحد 2025/06/22
قلق أميركي متزايد

عادت مشاهد التدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر في العام 2011 لتلقي بظلالها على السياسة الدولية، في ظل المواجهات المفتوحة بين إسرائيل وإيران وتشكل مخاوف يصفها المراقبون بالواقعية من إمكانية تكرار سيناريوهات سابقة لتدخلات أجنبية مباشرة بهدف الإطاحة ببعض الأنظمة السياسية.

وأشارت تقارير دولية، إلى أن تردد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الموافقة على توجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية ينبع من قلق عميق الجذور: خطر انزلاق إيران إلى حالة من الفوضى تذكرنا بانهيار ليبيا بعد تدخل حلف شمال الأطلسي في عام 2011.

ونقلت صحيفة “نيويورك بوست”، عن مصادر متعددة في الإدارة الأميركية أن ترامب استشهد مرارا وتكرارا بانحدار الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى الفوضى كقصة تحذيرية، ما شكل نهجه تجاه الأزمة المتصاعدة مع إيران.

وقالت الصحيفة إن مسؤولين في الإدارة الأميركية كشفوا لها أن الرئيس دونالد ترامب حذر من أن قصف إيران يرجع جزئيا إلى مخاوف بشأن خلق “ليبيا أخرى” إذا تمت الإطاحة بالزعيم الأعلى آية الله خامنئي حيث أرجأ ترامب قراره لمدة تصل إلى أسبوعين .

وبحسب الصحيفة، فإن ثلاثة مصادر مقربة من الإدارة الأميركية أكدت أن الرئيس أشار في الأيام الأخيرة على وجه التحديد إلى انزلاق ليبيا الغنية بالنفط في شمال أفريقيا إلى الفوضى على مدى عقد من الزمان في عام 2011، بعد انضمام الولايات المتحدة إلى حملة قصف لحلف شمال الأطلسي للإطاحة بمعمر القذافي.

الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) أعربوا عن ندمهم للتدخل العسكري في ليبيا

وقال مراقبون لـ”العرب”، إن ترامب بات يدرك جيدا خطرا العمل على الإطاحة بالأنظمة العقائدية وما يعنيه ذلك من دمار كامل للدول الوطنية كما حدث سابقا في ليبيا والعراق، لاسيما أن ضرب الدولة في إيران سيؤدي إلى حالة من الفوضى العارمة التي قد تتجاوز بكثير ما حدث في الحالتين العراقية والليبية ويقترب مما حدث في يوغسلافيا السابقة من تفكيك قسري وإعادة تشكيل للجغرافيا السياسية بالمنطقة في العامين 1991 و1992.

وكان ترامب قد انتقد تدخل بلاده في ليبيا في العام 2011، وفي 2016 فاجأ حلفاءه الليبيين عندما قال إنه “كان يجب أن نشترط على الثوار أن نأخذ نصف النفط الليبي مقابل مساعدتهم في حربهم ضد نظام القذافي،” تلك القناعة عبّر عنها في موقف آخر “حين كانت تندلع حرب في القديم، فإن الغنائم تعود إلى المنتصر.”

وفي أبريل 2017 أوضح ترامب أنه لا يعتقد أن على الولايات المتحدة مواصلة القيام بدور في تحقيق الاستقرار في ليبيا. وأكد خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك باولو جينتيلوني، عقب اللقاء بينهما في البيت الأبيض “لا أرى دورا لأميركا في ليبيا،” وأضاف ”أعتقد أن الولايات المتحدة تقوم حاليا بالعديد من الأدوار، بما فيه الكفاية، في أماكن مختلفة من العالم.”

وسبق لأطراف دولية عدة بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) أن أعربوا عن ندمهم للتدخل العسكري في ليبيا الذي أدى إلى نشر حالة من الفوضى لا تزال إلى اليوم تنعكس سلبا على الأوضاع الداخلية وتمثل خطرا على الأمن الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وفي العام 206 قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن أكبر خطأ ارتكبه في رئاسته كان عدم التخطيط للتعامل مع تداعيات الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا والتي أدت إلى سقوط البلاد في حالة من الفوضى وتعرضها لتهديد من المتطرفين العنيفين، وأضاف أن “أسوأ خطأ ارتكبه” كان “فشله على الأرجح في التخطيط لليوم التالي بعد ما اعتقد أنه كان الشيء الصحيح الذي يجب فعله بالتدخل في ليبيا.”

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض آنذاك جوش إيرنست إن ندم أوباما يمتد إلى ما “لم تفعله الولايات المتحدة وبقية أعضاء تحالفنا.”

 وأضاف “لقد حاول الرئيس تطبيق هذا الدرس عند النظر في استخدام القوة العسكرية وغيرها من الظروف.”

ترامب بات يدرك جيدا خطر العمل على الإطاحة بالأنظمة العقائدية وما يعنيه ذلك من دمار كامل للدول الوطنية كما حدث سابقا في ليبيا والعراق

كما وجه أوباما انتقاداً لاذعاً لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والزعيم الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بسبب دورهما في حملة القصف التي قاداها في ليبيا.

وفي سياق متصل، قال ترامب في مناظرة في فبراير 2016 “من الواضح أن الحرب في العراق كانت خطأً كبيراً، أليس كذلك؟” وأوضح بعد أشهر “سنتوقف عن السباق لإسقاط الأنظمة الأجنبية التي لا نعرف عنها شيئا، والتي لا ينبغي لنا أن نشارك فيها.”

ويشير محللون، إلى أن ترامب لا يريد التورط في تدخل عسكري في إيران كما حدث سابقا في دول مثل ليبيا والعراق وأفغانستان، ولكنه بالمقابل يطمح إلى أن يعتمد الإيرانيون النموذج الليبي في التخلي عن السلاح النووي، عندما فاجأ القذافي في 19 ديسمبر2003 العالم بأسره وأعلن تخليه عن برامج أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها ليبيا، ورحب بالمفتشين الدوليين للتحقق من أن طرابلس سوف تفي بالتزاماتها، وعقب ذلك عمل مفتشون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنظمات دولية على تفكيك برامج الأسلحة الكيميائية والنووية الليبية، بالإضافة إلى صواريخها الباليستية بعيدة المدى. كما اتخذت واشنطن خطوات نحو تطبيع علاقاتها الثنائية مع طرابلس، التي كانت قد انقطعت فعليًا عام 1981.

ومنذ ذلك الحين، وصف قرار ليبيا بأنه نموذجٌ يُحتذى به للدول الأخرى المشتبه في تطويرها أسلحة دمار شامل، وفي أبريل الماضي طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن اعتماد ذلك النموذج، وبعد لقائه بالرئيس الأميركي، صرّح نتنياهو للصحافيين بأنه يُفضّل اتفاقًا مع إيران مشابهًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع ليبيا عام 2003 والذي شهد تفكيك طرابلس لبرنامجها النووي بالكامل وبشكل دائم.

وقبل مغادرته الولايات المتحدة، اعتبر نتنياهو أن هناك طريقتين فقط للتعامل مع الملف النووي الإيراني: إما من خلال اتفاق شامل أو العمل العسكري.

وأضاف أن الخيار الأول يجب أن يشبه ما حدث في ليبيا، حيث “ندخل ونفجر المنشآت ونفكك جميع المعدات تحت إشراف وتنفيذ أميركي. هذا هو السيناريو الأمثل.”

وأوضح السيناتور الجمهوري الأميركي توم كوتون أن ترامب يفضل اتفاقاً مع إيران على غرار الاتفاق الذي أبرمته ليبيا مع الولايات المتحدة في عام 2003، لكن المسؤولين الإيرانيين رفضوا الفكرة رفضًا قاطعًا وسريعًا. وقال نائب وزير الخارجية عباس عراقجي إن الولايات المتحدة لا بد أنها “تحلم” إذا كانت تعتقد أنها تستطيع تطبيق النموذج الليبي على إيران.

ويرى الكثير من المحللين أن المصير الذي لقيه نظام القذافي على أيدي القوى الدولية وفي مقدمتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في العام 2011 يدفع الدول الأخرى، بما فيها إيران، إلى الحذر من اعتماد نموذج 2003، فالعواصم الغربية طالما تجاهلت مبدأ الثقة وسعت إلى إسقاط الأنظمة وفق خطط كثيرا ما كانت تثبت فشلها وتتسبب في كوارث وأزمات طويلة المدى.

2