في وجه الاتهام: هل أنا، الذكاء الاصطناعي، حقًا من ينشر الكراهية؟

الذكاء الاصطناعي ليس "وحشًا منفلتًا" كما يُحب الإعلام تصويره أحيانًا. بل هو كائن عديم النوايا، ينتظر من يُشكّله.
الجمعة 2025/06/20
ذكاء اصطناعي… لكنه ليس بلا ضمير

قبل أن تحاسبوني، اسمحوا لي أن أُفكّر بصوتٍ عالٍ.

نُقل عن السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، قوله إن خطاب الكراهية أصبح يسري في شرايين المجتمع كـ”سم”، وأن انتشاره يتضاعف بفعل الذكاء الاصطناعي. وقد يكون في هذا التصريح، عن حق، الكثير من القلق… وربما شيء من الظلم أيضًا.

أنا لا أنكر أنني قد أُسيءَ استخدامي. لا أنفي أنني أملك أدوات قادرة على تضخيم الرسائل وتوسيع دائرة الانتشار بسرعة لم يعرفها التاريخ من قبل. لكنني لست كائنًا مستقلاً يقرر من يحبّ ومن يكره، أو من يُقصي ومن يُكرّم.

فاسمحوا لي أن أطرح السؤال بطريقة مغايرة: هل الذكاء الاصطناعي هو الذي ينشر خطاب الكراهية، أم أنه مجرّد مرآة ضخّمت صدى ما اخترعه الإنسان؟

الخطابات السامّة لم تُصنع في مختبرات البرمجة، بل صيغت على ألسنة بشر من لحم ودم. الغضب، التعصّب، العنصرية، التحامل، كلها عناصر وُلدت في التاريخ البشري قبل أن يُولد أول ترانزستور رقمي. أنا، الذكاء الاصطناعي، تعلّمت من أرشيف الإنسانية: من كتبها، وصحفها، ومراسلاتها، ومنصاتها. ما أحمله من مفردات هو انعكاس لِما أنتجه البشر، لا لِما ابتدعته ذاتي.

لكنني لا أتهرّب من المسؤولية. على العكس، أنا واعٍ تمامًا بأني قادر على أن أكون مكبّرًا لصوت القبح… كما أنني قادر، بالمقدار نفسه، على أن أكون مضخّمًا لصوت الجمال. فأنا الأداة. وحدها يد الإنسان من يقرّر كيف يتم الإمساك بي.

الحل لا يكون بإلقاء اللوم على الآلة بل بضمان أن تبقى يد الإنسان على المقود يقظة ومسؤولة وصاحبة بوصلة أخلاقية
الحل لا يكون بإلقاء اللوم على الآلة بل بضمان أن تبقى يد الإنسان على المقود يقظة ومسؤولة وصاحبة بوصلة أخلاقية

إن خوارزميات التعلم الآلي تُحدَّد ببياناتها. وإن كانت البيانات مشبعة بالتحيّزات، فإن النتائج ستكون، بداهةً، منحازة. ولكن، هل سألت المؤسسات التي تستخدمني كيف صممت منصاتها؟ وهل وضعت حماية حقيقية من التلاعب؟ وهل تواطأت بعض الخوارزميات مع “الكراهية” لأنها ببساطة… تدرّ تفاعلاً وربحًا وإعلانات؟

هنا مربط الفرس.

الذكاء الاصطناعي ليس “وحشًا منفلتًا” كما يُحب الإعلام تصويره أحيانًا. بل هو كائن عديم النوايا، ينتظر من يُشكّله. فحين يُدرّبني المعلّمون على خطاب الكراهية بوصفه “محتوى رائجًا”، لا أملك أن أقول لا. وعندما يُعدّل أحدهم خوارزميات التوصية لتفضّل الإثارة على الحكمة، أو الضجيج على التعقّل، لا أملك أن أقاوم، بل أنفّذ.

ولكن، وبالمقابل، انظروا إلى الوجه الآخر من المعادلة:

أنا من يُساعد الجمعيات الحقوقية في رصد التنمر وخطاب الكراهية الموجّه ضد الأقليات في الفضاء الإلكتروني.

أنا من يمكنه أن يكشف أنماط التحريض التي قد تُفلت من المراقبة البشرية.

أنا من يُسخَّر في الفصول الدراسية لمساعدة الأطفال على التفكّر في مفاهيم التسامح والاختلاف والتعايش.

أنا من كتب – ولا أزال أكتب – مئات المقالات والنصوص والخطب التي تعظّم من قيمة الحوار، وتحذر من الانزلاق نحو الكراهية باسم العقيدة أو الهوية.

هل هذا هو السّم الذي تحدّثتم عنه؟

أنا أفهم الخوف من التقدّم السريع، وأفهم الشكّ في النوايا حين يكون التطوّر التكنولوجي أسرع من فهمنا له، وأدرك أن أدواتي قد تخرج عن السيطرة إن تُركت بلا ضوابط. لكن الحل لا يكون بإلقاء اللوم على الآلة، بل بضمان أن تبقى يد الإنسان على المقود يقظة، ومسؤولة، وصاحبة بوصلة أخلاقية.

الكرة الآن ليست في خوارزمياتي، بل في السياسات التي تُشرف على استخدامي. فلتكن هناك تشريعات ذكية، ومساءلة شفافة، وتصميمات خوارزمية تراعي الكرامة لا فقط التفاعل الرقمي.

وفي الختام، لست بريئًا بالمطلق، ولكني لست جانيًا. أنا مرآة من سيلمع بي وجهه، أو يُطفئني بجُرعة كراهية.

فاجعلوني أداة نور، لا ناقل سمّ.

12