هل تعيد إسرائيل محاولة ضرب النووي الباكستاني… لكن بنسخة 2025

هل تعيد إسرائيل محاولة ضرب النووي الباكستاني بنسخة جديدة في عام 2025؟ سؤال بات يفرض نفسه بقوة في ظل التحولات الإقليمية الأخيرة والتصعيد الإسرائيلي المتسارع ضد إيران، والذي قد لا يتوقف عند حدود طهران. ففي عام 1979، أعرب مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، عن قلقه الشديد من احتمال امتلاك باكستان لقنبلة ذرية، معتبراً أن ذلك يعتبر تهديدا وجوديا لأمن إسرائيل.
لم تكن هذه المخاوف عابرة أو آنية، بل ترسّخت في العقل الإستراتيجي الإسرائيلي، رغم انشغال باكستان لاحقاً بأزماتها الداخلية ومشكلاتها الحدودية مع الهند وأفغانستان. غير أن الدولة العبرية لم تتخلّ يوماً عن عدائها العميق لفكرة امتلاك دولة إسلامية لسلاح ردعي نووي، وهو ما عبّر عنه صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين قال إن إسرائيل لن تسمح بأن يشكل النووي الإيراني أو الباكستاني تهديداً لأمنها.
تزامن هذا الموقف الإسرائيلي مع قرار لافت من مجلس الشيوخ الباكستاني، صادق بالإجماع على دعم إيران في مواجهة الهجمات الإسرائيلية على منشآتها النووية والبنية التحتية، وهو ما اعتبرته إسلام آباد تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي.
الدعم الباكستاني لإيران لا يُفهم فقط في سياق الجوار الجغرافي، بل في إطار أوسع يرتبط بتاريخ العلاقة المتوترة بين إسلام آباد وتل أبيب
وزير الدفاع الباكستاني، خواجه آصف، أعلن صراحة أن بلاده ستقف إلى جانب إيران في هذه الأزمة بجميع الوسائل الممكنة، ما أعاد تفعيل التوتر التاريخي القائم بين باكستان وإسرائيل، والذي لم يكن يوماً وليد خلافات سياسية فقط، بل هو متجذر في نظرة تل أبيب العدائية لأي قوة نووية خارج دائرة حلفائها.
منذ انضمامها رسميًا إلى نادي الدول النووية عام 1998، بعد سلسلة من التجارب الناجحة، عُرفت باكستان بأنها أول دولة إسلامية تمتلك سلاحاً نووياً، وقد وُصفت ترسانتها بـ”القنبلة الإسلامية.”
اليوم، في عام 2025، يُقدّر عدد الرؤوس النووية التي تملكها بحوالي 170 رأساً، مدعومة بمنظومة إطلاق متطورة وقدرة على تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم.
هذا البرنامج الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي لأغراض سلمية، تحوّل تدريجياً إلى مشروع عسكري سرّي مدفوع بهاجس التهديد الهندي، وهو ما أكده الرئيس الباكستاني السابق ذو الفقار علي بوتو حين قال في ستينيات القرن الماضي “إذا بنت الهند القنبلة، فإننا سنقتات الأعشاب، ولكننا سنصنع قنبلتنا.”
إسرائيل، من جهتها، لم تتوقف عن السعي لإفشال هذا المشروع. وثائق مسربة من الثمانينات كشفت عن تنسيق بين تل أبيب ونيودلهي لتوجيه ضربة عسكرية مشتركة إلى منشأة “كاهوتا” النووية، لولا تدخل أميركي حاسم من إدارة الرئيس رونالد ريغان، الذي أوقف العملية حينها.
واليوم، ومع وجود إدارة أميركية بقيادة دونالد ترامب توفّر غطاء سياسياً لإسرائيل وتبارك، ولو بالصمت، ضرباتها في طهران، فإن السؤال يبقى: هل ستعيد واشنطن استخدام الفيتو نفسه أم تترك لإسرائيل هامش التحرك لضرب باكستان؟
قد تجد دول كثيرة نفسها أمام خيار الانخراط في معسكرات متقابلة، ويصبح الميدان، لا الخطابات، هو من يحدد مصير الشرق الأوسط، وربما أكثر
الدعم الباكستاني لإيران لا يُفهم فقط في سياق الجوار الجغرافي، بل في إطار أوسع يرتبط بتاريخ العلاقة المتوترة بين إسلام آباد وتل أبيب. فإسرائيل، ومنذ عقود، تشنّ حرباً دبلوماسية واستخباراتية لوقف تقدم باكستان النووي، وقد لعبت دوراً كبيراً في الضغط الدولي على إسلام آباد.
كما أن الهيمنة الإسرائيلية المنشودة في المنطقة، خاصة في ظل مشروع “الممر الاقتصادي الهندي” البديل عن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، تمرّ عبر تحجيم باكستان. فإسرائيل ترى في نفسها حجر الزاوية في هذا الممر الجديد، وخاصة من خلال موانئها كميناء حيفا، وهو ما يفسر وقوفها إلى جانب الهند في حربها الأخيرة ضد باكستان، ليس فقط لتقاطع المصالح الأمنية، بل من أجل تثبيت موقعها الاقتصادي في الخريطة التجارية العالمية.
في ضوء هذا المشهد، يبدو أن إسرائيل لن تكرر حرفياً سيناريو إيران مع باكستان، لكنها قد تستفيد من هشاشة الهدنة بين نيودلهي وإسلام آباد لتشجيع الهند على إشعال فتيل الحرب، بينما تنشغل باكستان في جبهة شرقية مشتعلة، فتتقدم الطائرات الإسرائيلية لتنفيذ ضربات خاطفة ضد المنشآت النووية في كاهوتا ومراكز التخزين الحساسة.
سيناريو قد يبدو جريئاً، لكنه ليس مستبعداً في ظل الحالة الإقليمية المشتعلة، ووجود قيادة إسرائيلية ماضية في خيار القوة مهما كلّف الثمن.
ومع ذلك، تبقى المفاجآت واردة. فصمود إيران في وجه الهجوم الإسرائيلي، واندفاع باكستان إلى ساحة المواجهة المباشرة، قد يقلبان المعادلة بالكامل. فحين تدخل دولة نووية كبرى إلى صراع إقليمي إلى جانب إيران، فإن حسابات الاصطفاف قد تتحول إلى ما يشبه استقطاباً شبيهاً بالحربين العالميتين.
وقد تجد دول كثيرة نفسها أمام خيار الانخراط في معسكرات متقابلة، ويصبح الميدان، لا الخطابات، هو من يحدد مصير الشرق الأوسط، وربما أكثر.
إسرائيل قد ترى في هذه اللحظة فرصة إستراتيجية لضرب باكستان وتحجيم قواها الردعية، لكنها، في ذات الوقت، تخاطر بإشعال مواجهة إقليمية كبرى قد تعصف بكل ترتيبات ما بعد “أوسلو” و”كامب ديفيد”. فالمنطقة اليوم على حافة تحوّل جذري، وقد تكون الطلقة الأولى في كاهوتا كفيلة بتغيير موازين التاريخ لا الجغرافيا فقط.