اعتراف الأمم المتحدة بالفشل في ليبيا وراء العمل على مراجعة إستراتيجية لدورها

نواب برلمانيون يشددون على التطابق بين أدوار البعثة وتطلعات الليبيين.
الخميس 2025/06/19
نتائج محدودة للبعثات السابقة

تجمع الأوساط السياسية والشعبية في ليبيا على أن الفشل رافق عمل مختلف بعثات الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسط مطالب برلمانية بضرورة قيام البعثة بمراجعة إستراتيجية لدورها بما يتماشى مع تطلعات الليبيين وتجنب الأخطاء الماضية.

تتجه الأمم المتحدة إلى مراجعة دورها في ليبيا بهدف تجاوز حالات العجز والفشل التي رافقت نشاط بعثتها خلال السنوات الماضية وضمان الجدوى لتحركاتها القادمة التي ستعتمد خلالها على خطة تنفيذ النقطة الرابعة من توصيات لجنة العشرين الاستشارية.

وطالب عدد من أعضاء مجلس النواب الليبي فريق المراجعة الإستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بوضع إستراتيجيات واضحة تسهم في دعم الاستقرار عبر المؤسسات الليبية القائمة، مشددين على ضرورة تقييم أداء البعثة وتحديد أدوارها المستقبلية بما يتماشى مع تطلعات الليبيين.

وقال المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، إن اللقاء ناقش سبل تعزيز التعاون بين الجانبين، ومراجعة مساهمة الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، إلى جانب التأكيد على أهمية التنسيق والتشاور المستمر في دعم مسارات الانتقال السياسي من خلال المؤسسات الليبية الرسمية.

وبحسب مراقبين، فإن الفريق الأممي المكلف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أدرك خلال لقاءاته في طرابلس وبنغازي حجم خيبة الأمل التي ينظر بها الليبيون إلى دور الأمم المتحدة التي كانت جزءا من المشكلة وعجزت على زن تتحول إلى جزء من الحل، وذلك بسبب التدخلات الإقليمية والدولية المربكة للمشهدين السياسي والاجتماعي في البلاد.

ويشير المراقبون إلى أن اعتراف الأمم المتحدة بفشلها في ليبيا هو الذي دعاها إلى العمل على مراجعة استراتيجية لدورها، وإلى البحث عن مقترحات جديدة لتجاوز الأزمة من دون تورط في تحديد خيارات الشعب الليبي وتوجهاته العامة التي كانت وراء عرقلة الاستحقاقات الانتخابية للعام 2021.

مراقبون يقولون إن الفريق الأممي أدرك حجم خيبة الأمل التي ينظر بها الليبيون إلى دور الأمم المتحدة

وأكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على أهمية أن تنسجم أدوار البعثة الأممية مع تطلعات الشعب الليبي في دعم الاستقرار، وتحفيز العملية السياسية، ومعالجة التحديات الاقتصادية والأمنية، بما يُعزز سيادة الدولة واستقلال قرارها، وذلك خلال لقائه مع فريق المراجعة الاستراتيجية التابع للأمم المتحدة، والمتكون من رئيسة الفريق، الأمين العام المساعد، دانييلا كروسلاك ومن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، أنتوني كاردون دي ليشتبور، ومن مكتب تنسيق التنمية، كريستينا هيومان  وكبير المسؤولين السياسيين، علي أحمد، ومسؤول الشؤون السياسية، محمد عثمان.

ويناقش الفريق الأممي الدور التقييمي الذي يقوم به حاليا في مراجعة أداء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بهدف تعزيز فاعلية البعثة وتكييف مهامها وفقاً لأولويات واحتياجات المرحلة الراهنة في البلاد، وأكد أعضاء الفريق، حرصهم على الاستماع إلى وجهات النظر الوطنية، ودمجها ضمن عملية التقييم الشاملة التي يقومون بها، مشيرين إلى أن نتائج المراجعة سترفع إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

وبحث عضوا المجلس الرئاسي، موسى الكوني وعبدالله اللافي، مع فريق المراجعة الاستراتيجية، تقييم أداء البعثة خلال السنوات الماضية، والتحديات التي تواجه عملها في ظل التعقيدات السياسية الراهنة، وأكدا على أهمية إرساء مبدأ المساءلة في عمل البعثة، مع ضرورة تطوير أدائها بما يتوافق مع خصوصية المشهد الليبي، بعيدًا عن الأساليب التقليدية التي لم تحقق حلولًا مستدامة. مشددين على ضرورة اعتماد خطط واقعية تتناسب مع السياق الليبي، تعزز سيادة الدولة ووحدتها الوطنية، مع التركيز على جعل ليبيا أولوية قصوى في أجندة الأمم المتحدة.

وبيّن الكوني واللافي أن تعقيدات الأزمة وتداخل مصالح بعض الأطراف المحلية ساهمت في عرقلة فرص التوافق الوطني، وناديا بدور أممي فاعل قادر على تقريب وجهات النظر المختلفة وبلورة خارطة طريق زمنية واضحة تؤدي إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تُطرح ضمن مسار برلين المرتقب، فيما أكدت رئيسة فريق المراجعة الاستراتيجية حرص البعثة على استيعاب مختلف الآراء والمرئيات، ودمجها ضمن عملية التقييم المستمرة، تمهيدًا لرفع توصيات نهائية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بهدف تعزيز فعالية البعثة ودورها في دعم استقرار ليبيا.

ومن جانبه، أشاد رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة بالدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في دعم ليبيا مؤكدا أن نجاح البعثة يتطلب المحافظة على الحياد والاحترافية واحترام التنوع السياسي وخصوصية السيادة الوطنية.

وأشار خلال استقباله الفريق الأممي إلى أهمية أن تلتزم المبادرات الأممية بالحساسية اللازمة تجاه الظروف المحلية والعمل على دعم مؤسسات الدولة وتمكينها لتأدية مهامها وسط الظروف المعقدة التي تمر بها ليبيا، وعرض رؤية حكومته التي تركز على إنهاء المرحلة الانتقالية عبر الانتقال المباشر إلى انتخابات شاملة باعتبارها السبيل الأنسب لتجديد الشرعية وتحقيق الاستقرار السياسي معبرا عن دعم واسع من الشعب الليبي لهذا الخيار، مجددا التأكيد على استمرار التعاون البناء مع البعثة الأممية وكل الشركاء الدوليين بهدف تعزيز الاستقرار الوطني وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب وتنهي فترة الانتقال.

وبحثت الفريق مع المكلف بتسيير وزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة المنتهية ولايتها الطاهر الباعور أوجه التعاون بين ليبيا والأمم المتحدة، حيث جرى استعراض مجمل أعمال البعثة الأممية في ليبيا خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى مناقشة آفاق التعاون المستقبلي في إطار جهود الإصلاح الاقتصادي وتعزيز الاستقرار والتنمية.

وأكد رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك أهمية دعم الجهود الرامية إلى معالجة التحديات الاقتصادية وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وحماية المال العام.

وتناول خلال اجتماع مع فريق المراجعة الإستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا عددًا من القضايا العامة المتصلة بالشأن الليبي وفي مقدمتها تطورات الوضع السياسي والأمني والاقتصادي، إلى جانب مناقشة دور البعثة في دعم مسارات الحوار الوطني وتعزيز الاستقرار ومرافقة جهود بناء الدولة.

وتطرق اللقاء القرارات الأممية المتعلقة بتجميد الأموال الليبية في الخارج، وأثره في حماية الاستثمارات السيادية، مع التأكيد على ضرورة إجراء تعديلات فنية مدروسة عليها تمنح مزيداً من المرونة في إدارة الأصول وتفادي الخسائر.

عبد الحميد الدبيبة يشيد بالدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في دعم ليبيا ويؤكد أن نجاح البعثة يتطلب المحافظة على الحياد والاحترافية واحترام التنوع السياسي وخصوصية السيادة الوطنية

وأكد شكشك والفريق أهمية تحريك المسار الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق بتوحيد الميزانية والتوزيع العادل للموارد، باعتبار ذلك عنصرا حاسما لضمان نجاح العملية السياسية وتحقيق استقرار شامل. كما أثنى على دور بعثة الأمم المتحدة في تقديم الدعم الفني للمؤسسات السيادية، والمساهمة في الحفاظ على استقلاليتها وتعزيز قدرتها على أداء وظائفها الرقابية في بيئة مستقرة وشفافة، مشددًا على أن استمرارية هذه المؤسسات تمثل ركيزة أساسية للدولة وضمانة للحوكمة والمساءلة.

ودعت كتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الى إجراء مراجعة شاملة وإعادة هيكلة جديدة للبعثة الأممية للدعم في ليبيا، معتبرة أن دور البعثة لم يعد فاعلاً في حلحلة الأزمة السياسية.

وقالت في بيان لها، إن عددا من الفاعلين السياسيين لاحظوا وجود ميل واضح لدى البعثة لإدارة الأزمة الليبية بدلًا من السعي إلى حلّها، مما أدى إلى تعقيد المشهد أكثر، بدلًا من الدفع نحو الاستقرار، واعتبرت أن المسارات والمبادرات التي تطرحها البعثة توصف بأنها “غير ناضجة”، مشيرة الى وجود تضارب في المصالح والأجندات داخل مكونات البعثة نفسها، وهو ما يعرقل التقدم نحو تسوية شاملة.

وكشف رئيس لجنة الشؤون السياسية بمجلس الدولة محمد معزب، أن وفدًا من المجلس عقد اجتماعًا مع لجنة تابعة للأمم المتحدة مكلّفة بمراجعة أداء بعثة الدعم الأممية في ليبيا.

وقال إن البعثة لا تزال تتعامل مع المشهد السياسي الليبي بنفس النهج والأسلوب القديم منذ سنوات، دون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، مردفا أن التراكمات السياسية والاختراقات التي حدثت منذ عام 2016 أدت إلى خلل في البنية السياسية، وأسفرت عن إنتاج أجسام سياسية منقسمة وغير متجانسة.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن فريق المراجعة سيضع نتائج مشاوراته في ليبيا على مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الذي سيعرضها بدوره على مجلس الأمن بما يساعد على إعادة النظر في دور المجتمع الدولي في الأزمة الليبية وما يمكن القيام به للخروج من النفق.

4