ميزانية التنمية وإعادة الإعمار عنوان أزمة جديدة بين طرابلس وبنغازي

تشهد الساحة الليبية سجالا حادا بين الأطراف الأساسية حول قانون ميزانية التنمية وإقدام مجلس النواب على المصادقة عليها من دون اكتمال النصاب والتشاور مع المكونات السياسية والإدارية في البلاد وتهيئة الظروف الملائمة للموافقة على مختلف أبوابها من قبل مختلف دوائر القرار التشريعية والتنفيذية في طرابلس وبنغازي.
وأكدت الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب أن المجلس الرئاسي لم تسند إليه أية اختصاصات تشريعية تمكنه من توجيه السلطة التشريعية، وقالت إن هذه الاختصاصات تنعقد حصرا للسلطة التشريعية المنتخبة وفقا للإعلان الدستوري وتعديلاته، مشيرة الى أن مجلس الدولة هو مجلس استشاري للحكومة فقط وليس للسلطة التشريعية، وإنما يشترك معها في التعيين بالمناصب السيادية المحددة حصرا بموجب الاتفاق المذكور.
وأشارت حكومة أسامة حماد في بيان لها إلى أن محاولة المنفي التدخل في اختصاصات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تحت ذريعة حماية المال العام، تشكل مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلطات، وتابعت أن الرئاسي يحاول خلق أزمة جديدة مستهدفا عرقلة مسيرة الإعمار والتنمية في البلاد، والتي أوكلت لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، معتبرة أن “الرئاسي منتهي الولاية والمدة، ونذكّر بحجم الإسراف، والإنفاق العبثي الذي مارسه طيلة السنوات الماضية من خلال مخصصات وهمية أنفقها.”
وأوضحت الحكومة التي تباشر مهامها من بنغازي وتسيطر إداريا على مناطق نفوذ الجيش الوطني أن “المنفي تسبب في خلق العديد من الأزمات، مثل أزمة المركزي التي تجاوز فيها حدود صلاحيته، ومكّن ثلة خارجة عن القانون من السيطرة على مفاصله واختلاس أمواله طيلة شهر كامل دون محاسبة، وأصدر مراسيم بقوانين دون وجه حق تسببت في ارتباك الرأي العام.”
وجاء بيان حكومة حماد ردا على خطاب توجه به رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، طالبه فيه بإحالة مشروع قانون الميزانية المقترح من السلطة التنفيذية إلى المجلس الرئاسي بعد التشاور مع المجلس الأعلى للدولة وموافقة 120 عضوًا من مجلس النواب، داعيًا المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي إلى حوار وطني عاجل.
ودعا المنفي رئيس مجلس النواب إلى “الالتزام بالاتفاق السياسي المضمَّن بالإعلان الدستوري بموجب التعديل الحادي عشر والذي ينص على اشتراطات لإقرار قوانين الميزانيات العامة وما بحكمها،” وأشار إلى أنه “لا يجوز تقليص النصاب طالما لم يباشر مجلس النواب في إجراءات انتخاب المقاعد الشاغرة،” مذكرا باختصاص المجلس الرئاسي الدستوري بإصدار القوانين التي يجري إقرارها من مجلس النواب بما في ذلك قانون الميزانية العامة.
وأبرز المنفي أن “الفقه الدستوري المقارن استقر على أن مخالفة الإجراءات الشكلية الجوهرية في إصدار القوانين، توجب بطلانها المطلق، بما يجعلها في حكم العدم، ولا تنتج عنها أية آثار قانونية صحيحة وسيعيق تنفيذها المصرف المركزي أو مؤسسة النفط ويرتب مسؤوليات قانونية عليهما وعلى المصارف التجارية، ويقود البلاد إلى أزمة اقتصادية حادة انعكاسها أمني وعلى السيادة الوطنية وعلى مواردها وقرارها المالي،” وأكد “أن مسؤولية حماية المالية العامة وحق الأجيال تحتم علينا جميعا، المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي، التنادي إلى حوار وطني عاجل على المشاغل والمخاطر الجسيمة، يعقد في أي مدينة ليبية”، على أن “يكون ذلك بالتوازي مع إطلاق هيئة حوار وطني موسع تشارك فيه الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والنخب الفئوية المختصة.”
وبحسب مراقبين، فإن الخلافات الحادة حول الميزانية الموحدة وميزانية التنمية ستستمر إلى حين التوصل إلى حل سياسي بين الفرقاء الأساسيين، لاسيما وأن ملف توزيع الثروة لا يزال عالقا ومن دون حل في ظل وضع سياسي واجتماعي متأزم وأزمة مالية واقتصادية متفاقمة نتيجة اتساع دوائر العبث والفساد والإهدار والإنفاق غير المدروس.
ويشير المراقبون، إلى أن خطة التنمية وإعادة الإعمار الموسعة التي تشهدها مناطق سيطرة الجيش الوطني تحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وإلى توفير الغطاء القانوني والتشريعي عبر تمكين الجهات المشرفة على التمويلات اللازمة لاسيما في ظل الالتزامات والتعهدات المبرمة مع الشركات الداخلية والخارجية المساهمة في عملية إعادة الإعمار والرفع من مستويات البنى التحتية وفسح المجال أمام المشاريع الاستثمارية الكبرى.
وفي الثاني من يونيو الجاري وافق مجلس النواب على إعداد ميزانية لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، لكنه طالب إدارة الصندوق بتقديم الإيضاحات ومراعاة الملاحظات التي طرحها أعضاء المجلس حول مشروع الميزانية، وفي اليوم التالي أعلن الناطق باسم المجلس عبد الله بليحق أنه تم اعتماد ميزانية التحول وخطة التنمية، في إشارة إلى الميزانية المخصصة لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا الذي يديره بلقاسم حفتر، والبالغة 69 مليار دينار ليبي (12.71 مليار دولار) على أن يتمّ توزيعها على مدى ثلاث سنوات.
حل الخلافات الحادة حول الميزانية مرهون بالتوصل إلى حل سياسي بين الفرقاء في ظل اتساع دوائر العبث والفساد
وطالب 115 عضوا في مجلس النواب رئيس المجلس عقيلة صالح باعتبار الجلسة غير قائمة من الناحية القانونية، وأكدوا في رسالة مشتركة أن الجلسة “حضرها 25 عضوا” ولم تتم الدعوة إليها رسميا و”لا تعبر بأي حال عن إرادة المجلس الجماعية أو تمثيله الواسع لجغرافيا الوطن ومكوناته.”
ومن جانبه، حذر رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، من كارثة مالية جديدة يصنعها مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، مؤكدًا أن تجاوز 100 مليار دينار خلال عامين، بلا ضوابط أو رقابة، يهدد الدينار، ويجب أن يتوقف، وواصفًا الخطوات المتخذة من مجلس النواب في هذا الشأن بالعبث.
ودعا في كلمته خلال الاجتماع العادي الثاني للعام 2025 لمجلس الوزراء، النائب العام وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية إلى كشف الحقائق أمام الشعب دون مواربة بشأن الإنفاق الموازي، معتبرًا أنه لا معنى لحجج الإعمار إذا كانت تُستخدم غطاءً لنهب المال العام وتدمير الاقتصاد، معتبرا أن “أي إنفاق خارج الميزانية سيدفع الدولار للارتفاع أمام الدينار الليبي، وما يحدث هو إنفاق غير متوازن، مذكرًا بأن حكومته واجهت محاولات تعطيل ممنهجة منذ بداية عمل الحكومة، لكنها لم توقفنا عن أداء واجبنا تجاه الشعب.”
وقال الدبيبة “لم يُمنح لحكومتنا حتى شهر واحد من الاستقرار منذ انطلاقها، وعلى الرغم من ذلك واصلنا العمل في جميع المناطق، ونتمسك بمبدأ المكاشفة مع الشعب، ونضع الحقائق كما هي أمام الرأي العام،” منبها إلى أن “تمرير ميزانية عبثية لجهاز واحد تجاهل صريح لأكثر من 20 جهازًا رسميًا في الدولة،” في إشارة إلى عزم مجلس النواب تخصيص ميزانية لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، بقيادة بلقاسم حفتر.
وقالت وزارة الحكم المحلي بحكومة الدبيبة إن نحو 50 عميد بلدية أكدوا في ختام اجتماعهم التقابلي مع الوزير المكلف عبدالشفيع الجويفي، “رفضهم القاطع للميزانيات الموازية وغير المدروسة،” في إشارة إلى إعلان مجلس النواب اعتماد ميزانية التحول وخطة التنمية الثلاثاء.
وفي فبرابر الماضي، دعا المنفي إلى التوصل لميزانية موحدة للبلاد تخضع للرقابة وتحقق العدالة، معلنا توجه المجلس إلى التدقيق والمراجعة الدولية للميزانية بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وقال المنفي إن “اللامركزية والسلام عززا الاستقرار وأسسا للتنمية والتنافس الإيجابي،” وأضاف “استمرار هذا التحول المبهر يتطلب وجود ميزانية موحدة لضمان الاستدامة وفق ثنائية العدالة والرقابة المرتكزة على التخطيط والشفافية والإفصاح والمحاسبة،” مردفا “لتحقيق الاستدامة في ظل استمرار انقسام مؤسسات الرقابة والمحاسبة والمؤشرات الدولية الاقتصادية أو بشأن الشفافية والإفصاح وضوابطها، توجهنا عبر التنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة ومؤسساتها والدول الصديقة إلى مسار التدقيق والمراجعة الدولية المحايدة على كافة أبواب الميزانية والمؤسسات دون استثناء.”