رهان دولي على خيار الهيئة التأسيسية لحل الأزمة الليبية

تحتضن العاصمة الألمانية برلين الخميس والجمعة القادمين اجتماع لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين “IFCL” حيث سيتم وضع خطة لكسر الجمود السياسي وبلورة اتفاق بين القوى الداخلية والخارجية، وسط حديث متزايد بشأن رهان المجتمع الدولي على الخيار الرابع ضمن خارطة الطريق المقترحة من اللجنة الاستشارية، والمتمثل في تشكيل هيئة تأسيسية.
وسينعقد الاجتماع، الذي دعت إليه وزارة الخارجية الألمانية بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على مستوى سفراء الدول المعنية بالملف الليبي، وسيخصص لمراجعة التحديات السياسية القائمة، ومتابعة توصيات اللجنة الاستشارية للبعثة الأممية بشأن المسار الدستوري والانتخابي، وذلك بحسب ما صرحت به رئيسة البعثة حنّا تيتيه.
وقالت تيتيه إنها “أبلغت وزارة الخارجية الليبية رسميا بضرورة إيفاد ممثل عن الدولة لحضور الاجتماع، ضمن سياق التواصل السياسي المستمر بين ليبيا وشركائها الدوليين“.
أهمية المرحلة القادمة تكمن في أن مجلس الأمن الدولي سيتبنى ويشرعن مخرجات اجتماع برلين ويعتمدها في سياق أجندة سياسية ستتراوح بين عامين وأربع سنوات
وعلمت “العرب” أن الاجتماع ينعقد تحت غطاء مجلس الأمن، ويضم ممثلين عن الدول الأعضاء في لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين التي جرى تدشينها في 19 يناير 2020 خلال القمة الدولية حول ليبيا التي كانت انعقدت بحضور قادة روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ومصر وتركيا والجزائر وإيطاليا واليونان ووزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو، وممثلين عن عدة دول، وذلك بهدف التباحث حول سبل وقف الحرب في طرابلس بعد الحملة العسكرية التي شنتها قوات القيادة العامة للسيطرة على العاصمة.
وسيأتي الاجتماع قبل ثلاثة أيام من الاجتماع الدوري لمجلس الأمن في الرابع والعشرين من يونيو الجاري والذي ستقدم فيه تيتيه إحاطتها عن الوضع العام في ليبيا بما في ذلك مخرجات اجتماع الجمعة الذي سيكون مصيريا من حيث المراهنة عليه من قبل المجتمع الدولي والقوى المؤثرة في الملف، باعتباره منطلقا لتشكيل خطة جديدة وجدية لبلورة الحل السياسي .
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن الاجتماع سيعتمد النقطة الرابعة من توصيات لجنة العشرين الاستشارية والتي تنص على “إنشاء لجنة حوار سياسي، وفقًا للمادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي، لتحل محل جميع المؤسسات مؤقتًا، واستكمال القوانين الانتخابية، واختيار حكومة مؤقتة“.
وأكدت المصادر أن اجتماع برلين سيقر تشكيل لجنة للحوار الوطني تسمّى لجنة الستين تضم الأعضاء العشرين باللجنة الاستشارية وأعضاء من مجلسي النواب والدولة وممثلين عن المكونات الاجتماعية والثقافية البارزة (أمازيغ وطوارق وتبو)، وأن هدف تلك اللجنة هو الوقوف على تشكيل هيئة تأسيسية على غرار الجمعية الوطنية الليبية التي صاغت وأقرت الدستور الليبي في عام 1951.
وكانت الجمعية تتألف من ممثلين عن الأقاليم الليبية الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان)، وكان هدفها الرئيسي وضع الأسس الدستورية للدولة الليبية المستقلة.
وبالإعلان عن انطلاق أشغال الهيئة التأسيسية، ستكون مهام مجلسي النواب والدولة قد انتهت بحيث ينقل المجتمع الدولي الشرعية إلى تلك الهيئة التي ستتولى تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية لقيادة فترة انتقالية مدتها 18 شهرا ولا تتجاوز العامين في كل الأحوال، وهي الفترة التي ستشهد تنظيم استفتاء شعبي على الدستور قبل التحضير للانتخابات وتنظيمها بما يؤدي إلى مغادرة مربع المراحل الانتقالية.
ويرى مراقبون أن أهمية المرحلة القادمة تكمن في أن مجلس الأمن الدولي سيتبنى ويشرعن مخرجات اجتماع برلين ويعتمدها في سياق أجندة سياسية ستتراوح بين عامين وأربع سنوات، وأن أطرافا إقليمية ودولية متدخلة في الملف الليبي باتت على قناعة بضرورة ألاّ يستمر الوضع في ليبيا على ما هو عليه.
وقامت البعثة الأممية خلال الأسابيع الماضية بفتح أبواب الحوار مع مختلف الفرقاء الليبيين في الداخل والخارج ومناقشتهم بخصوص مخرجات اللجنة الاستشارية حيث بدت النقطة الرابعة الأكثر إثارة للاهتمام وتحقيقا للتوافق حولها .
البعثة الأممية فتحت خلال الأسابيع الماضية أبواب الحوار مع مختلف الفرقاء الليبيين في الداخل والخارج ومناقشتهم بخصوص مخرجات اللجنة الاستشارية
وقالت البعثة إن اللجنة الاستشارية “درست تصورات متعددة لمعالجة معضلة السلطة التنفيذية، سواء تلك المقدمة في شكل مقترحات رسمية والتصريحات العامة، وقيَّمت مدى استيفاء كل فكرة لمتطلبات الحياد المؤسسي، والكفاءة الوظيفية، والإجماع الوطني اللازم لإنجاح الانتخابات“.
وشملت تفاصيل المقترحات التي درستها اللجنة الاستشارية لمعالجة معضلة السلطة التنفيذية واستنتاجاتها إجراء الانتخابات في ظل حكومتين، أو دمجهما عبر اتفاق سياسي، أو توزيع السلطة التنفيذية بين ثلاث حكومات إقليمية مع تشكيل حكومة مركزية، أو تشكيل سلطة تنفيذية أو حكومة جديدة واحدة ذات صلاحيات محددة.
وأوضحت البعثة الأممية أن اللجنة الاستشارية خلصت في هذا الشأن إلى أن هذا الخيار “لا يحل مشكلة الانقسام القائم؛ بل يُحدث ارتباكًا بسبب تعدد القادة. كما يُعرّض العملية الانتخابية للخطر بسبب ضعف التنسيق، ويفتقر إلى دعم تنفيذي موحد“.
وشكلت البعثة الأممية اللجنة الاستشارية في فبراير الماضي لمعالجة القضايا الخلافية العالقة في العملية السياسية والإطار الانتخابي، وشملت تلك المقترحات التي نشرت في شهر مايو الماضي إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بالتزامن، مع تعديلات على القضايا الخلافية في قوانين الانتخابات الحالية، وإجراء انتخابات برلمانية أولاً، يليها اعتماد دستور دائم، ثم إجراء انتخابات رئاسية، واعتماد دستور دائم قبل الانتخابات الوطنية، بالإضافة إلى إنشاء لجنة حوار سياسي، وفقًا للمادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي، لتحل محل جميع المؤسسات مؤقتًا، واستكمال القوانين الانتخابية، واختيار حكومة مؤقتة.
وأكد رئيس تجمع تكنوقراط ليبيا أشرف بلها أن الاجتماع المرتقب سيكون مخصصا لحشد الدعم الدولي للبعثة الأممية بعد تقديم اللجنة الاستشارية مقترحاتها بشأن سبل حلّ الأزمة الليبية، بما في ذلك سبل تفعيل المسار السياسي والدستوري.
وقبيل اجتماع برلين أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مشاورات شبابية على مستوى البلاد حول العملية السياسية، وبدأت بلقاء الشباب في أربع مدن، وقالت إن الشباب يُمثلون 38 في المئة من السكان وفقًا لإحصاءات (NESDB) في ليبيا، وبالتالي ينبغي إشراكهم في العملية السياسية، مؤكدة أنها بصدد إطلاق برنامج أوسع نطاقًا يهدف إلى إشراك 500 شاب وشابة في جميع أنحاء ليبيا خلال الأشهر المقبلة.
وأشارت البعثة أيضا إلى أنها ستعقد اجتماعات خلال الفترة القريبة القادمة مُخصصة مع ممثلين عن الشباب، عبر الإنترنت وبالحضور الشخصي وذلك في إطار جهودها التي تبذلها لإشراك المجتمع في مشاورات حول توصيات اللجنة الاستشارية وكيفية إيصال ليبيا إلى الانتخابات وتوحيد المؤسسات.