نتائج لجنة العشرين واستطلاع الرأي العام الليبي أمام مجلس الأمن

من المنتظر أن تعقد رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا حنّا تيتيه جلسة أمام أعضاء مجلس الأمن لتقديم إحاطة شاملة حول آفاق الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وسط تأكيد أممي على ضرورة مشاركة كل مكونات المشهد السياسي الليبي في رسم مستقبل بلادهم.
يعتزم مجلس الأمن الدولي عقد جلستين بشأن الأوضاع في ليبيا يوم الرابع والعشرين من يونيو الجاري، وستكون إحدى الجلستين مغلقة والثانية مفتوحة تقدم خلالها رئيسة البعثة الأممية حنّا تيتيه إحاطة شاملة أمام الأعضاء حول آخر المستجدات السياسية والأمنية.
وسيتمحور الجانب السياسي من إحاطة تيتيه على جهود الحل السياسي من خلال الاتصالات مع فرقاء الداخل والقوى الإقليمية والدولية، وتوصيات لجنة العشرين الاستشارية من أجل معالجة معضلة السلطة التنفيذية والانقسام السياسي القائم، في إطار جهود دعم العملية الانتخابية وتحقيق توافق وطني شامل.
وكانت اللجنة أوضحت في منشور عبر المنصات الرسمية للبعثة، أنها درست عدة سيناريوهات من بينها إجراء الانتخابات في ظل حكومتين، ودمج الحكومتين القائمتين عبر اتفاق سياسي، وتوزيع السلطة التنفيذية بين ثلاث حكومات إقليمية، إلى جانب مقترح تشكيل حكومة جديدة بسلطة تنفيذية موحدة.
وفي تقييمها للسيناريو الأول، رأت اللجنة أن إجراء الانتخابات في ظل حكومتين من شأنه تعميق الانقسام السياسي، وخلق حالة من الارتباك في القيادة التنفيذية، ما يُعرّض العملية الانتخابية للخطر ويقوّض الاستقرار العام في البلاد.
وبخصوص مقترح دمج الحكومتين القائمتين، فقد أشارت اللجنة إلى أن هذا الخيار، رغم ما قد يوفره من تخفيف للتوترات، يفتقر إلى الضمانات الكافية لضمان الحياد والاستقرار، كما أنه يعتمد على تقاسم مؤقت للسلطة، مما قد يُؤجج الصراع بدلاً من احتوائه.
وفي ما يتعلق بمقترح توزيع السلطة التنفيذية بين ثلاث حكومات إقليمية مع تشكيل حكومة مركزية، أكدت اللجنة رفضها لهذا السيناريو لما ينطوي عليه من إشكاليات دستورية ومخاطر تهدد وحدة البلاد وتضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
كما أوصت اللجنة بتشكيل حكومة تنفيذية جديدة وموحدة، تتمتع بصلاحيات محددة وتتوافق مع القوانين النافذة، بما يضمن الحياد المؤسسي والكفاءة الوظيفية، ويُسهم في إنجاح المسار الانتخابي وتحقيق تطلعات الشعب الليبي نحو الاستقرار والديمقراطية، ودعت المواطنين إلى الاطلاع على التوصيات التفصيلية والمشاركة في استطلاع الرأي الإلكتروني المتاح عبر الموقع الرسمي للبعثة، في إطار تعزيز الشفافية والانفتاح على الرأي العام الليبي.
لجنة العشرين أوصت بتشكيل حكومة تنفيذية جديدة وموحدة، تتمتع بصلاحيات محددة وتتوافق مع القوانين النافذة
وأكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أهمية مشاركة الليبيين في رسم مستقبل بلادهم، مشددة على أن أصواتهم تمثل عنصرًا أساسيًا في إنجاح العملية السياسية الجارية.
ودعت البعثة في منشور عبر صفحتها الرسمية في وقت سابق، المواطنين الليبيين إلى المشاركة في الاستبيان العام الإلكتروني الذي أطلقته مؤخرا، والمتاح عبر الرابط: وذلك في إطار سلسلة من المشاورات العامة بشأن توصيات اللجنة الاستشارية.
وفي تصريح نشرته البعثة السبت، قال أحد الأكاديميين المحليين إن “المشاورات العامة التي تنظمها البعثة تُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح، ونأمل أن يفضي استطلاع الرأي إلى صياغة خارطة طريق جديدة، تستند إلى آراء الليبيين حول الخيارات المقترحة من اللجنة الاستشارية.”
ويرى مراقبون أن الوضع الحالي في ليبيا يحتاج إلى حلول جديدة وجادة تكون قادرة على إخراج البلاد من أزمتها وفسح المجال أمام حوار وطني من دون حواجز أو تفرقة أو إقصاء لأي من الفرقاء الفاعلين في المشهد السياسي العام وصولا إلى تحقيق المصالحة وتوحيد المؤسسات واستعادة سيادة الدولة.
والخميس الماضي، قامت تيتيه ونائبها، يرافقهما وفد من البعثة، بزيارة إلى بلدية نالوت حيث عقدوا سلسلة من الاجتماعات مع عدد من عمداء البلديات والقيادات المجتمعية، والجهات الأمنية والأعيان في منطقة جبل نفوسة، إضافة إلى مجموعة من النساء والشباب.
وقالت البعثة، إن تيتيه والفريق الأممي المرافق لها استمعا خلال الزيارة إلى آراء ممثلين عن المجتمع الأمازيغي الذين أعربوا عن شعورهم بالتهميش في مؤسسات الدولة، مؤكدين أن هذا الواقع يؤثر سلبًا على مجتمعاتهم. وقد ناقش المشاركون توصيات اللجنة الاستشارية، معتبرين أن بعضها يمثل خيارات واقعية وجديرة بالتطبيق.
وتواصل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عقد لقاءات تشاورية في مختلف المناطق الليبية، في إطار سعيها لضمان شمولية العملية السياسية، وإشراك مختلف المكونات الليبية في صياغة مستقبل يعكس تطلعات جميع المواطنين.
وأكدت البعثة الأممية أن اللجنة الاستشارية رأت مقترح إجراء الانتخابات في ظل حكومتين لا يحل مشكلة الانقسام القائم.
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تواصل عقد لقاءات تشاورية في مختلف المناطق الليبية، في إطار سعيها لضمان شمولية العملية السياسية
وقالت إن اللجنة الاستشارية توصلت إلى إن هذا الخيار يُعرّض العملية الانتخابية للخطر بسبب كثرة القادة وضعف التنسيق، وتابعت أنه لا يمكنها إجراء الانتخابات في ظل تقسيم السلطة وعدم وجود سلطة تنفيذية واحدة، مشيرة إلى أن اللجنة أوصت بتشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات محددة وتتوافق مع القوانين الحالية لتضمن حيادية الانتخابات.
وفي الأثناء، أكد رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، أسعد زهيو، أن القرار المتعلق بالعملية السياسية لم يعد بيد الليبيين وحدهم، بل أصبح مرهونا بتدخلات القوى الغربية والإقليمية المنخرطة في الشأن الليبي.
وأشار إلى توقعه مشاركة نسبة مقبولة من الليبيين في استطلاع الرأي الذي تنفذه البعثة الأممية، بفضل جهود النخب والأحزاب والنشطاء في الترويج له، لكنه أوضح وجود عائق يتمثل في عدم القدرة على تبني نتائج الاستطلاع ما لم تحظ بدعم دولي قوي، لافتا إلى أن هذه القوى سعت خلف الكواليس لتحقيق توازنات تخدم مصالحها وصراعاتها، سواء في ليبيا أو في مناطق أخرى، وأن البعثة قد حاولت المواءمة بين أكثر المقترحات قبولا لدى الليبيين، وبين توصيات اجتماع برلين لوضع خريطة طريق سياسية جديدة.
وقالت البعثة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إن مشاركة الجميع وإبداء رأيهم سيسهم في صياغة حلول تُجسد أولويات الليبيين وشواغلهم من مختلف المناطق والخلفيات، لافتة إلى أن هذا الاستطلاع فرصة مهمة للمشاركة البناءة في العملية السياسية والمساهمة في تمهيد الطريق نحو استقرار دائم.
وتشمل الخيارات التي نشرت في شهر مايو الماضي إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بالتزامن مع تعديلات على القضايا الخلافية في قوانين الانتخابات الحالية، وإجراء انتخابات برلمانية أولاً، يليها اعتماد دستور دائم، ثم إجراء انتخابات رئاسية، واعتماد دستور دائم قبل الانتخابات الوطنية، وإنشاء لجنة حوار سياسي وفقًا للمادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي لتحل محل جميع المؤسسات مؤقتا، واستكمال القوانين الانتخابية واختيار حكومة مؤقتة.
وفي تصريحات صحفية وجهت الممثلة الخاصة السابقة للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، نداءً عاجلاً إلى القادة الليبيين بضرورة التوقف عن الانقسامات والمصالح الشخصية والعمل بجدية على تجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد.
وقالت “على القادة أن يفكروا بجدية في مستقبل وطنهم وأبنائهم، ويتوقفوا عن التفكير في مصالحهم الشخصية. ليبيا وطنهم ومسؤوليتهم الحفاظ عليه وعلى إرثه للأجيال القادمة”، مشيدة بالنتائج التي حققتها اللجنة الاستشارية الليبية الجديدة، ودورها في كسر الجمود السياسي ودعم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقيادة الممثلة الخاصة الحالية حنا تيتيه، معربة عن تفاؤلها بالعمل الجاري تحت مظلة الأمم المتحدة، داعية جميع الأطراف إلى دعم الوساطة الأممية كفرصة حقيقية للخروج من الأزمة.
وينتظر المتابعون للشأن الليبي مخرجات الجلسة القادمة لمجلس الأمن ومضامين الإحاطة الدورية التي ستقدمها تيتيه، وذلك انطلاقا من معطيات جدية عن اشتغال أطراف داخلية وخارجية على خطة لكسر الجمود السياسي يتم الإعلان عنها قبل موفى أغسطس القادم.