عبدالله شاكيري لـ"العرب": فضالة جسر بين طلبة المعهد المغربي وصناع السينما

لا يتوانى السينمائيون المغاربة عن تأسيس المهرجانات، يستكملون فيها جهودهم لنشر الثقافة السينمائية وتعزيز الحراك الفني مع التعريف أكثر بالسينما المغربية. ومن أحدث هذه المهرجانات مهرجان "فضالة الشاشة الكبرى" الذي يخاطب الشباب محاولا الجمع بين المتعة والتثقيف. وكان لنا لقاء بمديره الفني عبدالله شاكيري.
الرباط - انطلقت بمدينة المحمدية فعاليات الدورة الأولى من مهرجان “فضالة الشاشة الكبرى”، وهو حدث فني وثقافي ينظم لأول مرة بمبادرة من المدرسة الوطنية العليا للفن والتصميم. يسعى هذا المهرجان إلى استكشاف أبعاد جديدة في المشهد السينمائي المغربي والدولي، من خلال فسح المجال أمام التجريب والتعبير الإبداعي، وجعل مدينة المحمدية محطة للتفاعل بين الأجيال والمواهب المختلفة، في إطار رؤية تنشد التجديد والانفتاح.
أبرز عبدالله شاكيري، المدير الفني للمهرجان، في معرض حواره مع صحيفة العرب، أن هذه الدورة تأتي تتويجا لفكرة نابعة من إيمان عميق بأهمية الفن السابع كأداة للتقارب الثقافي والتعلم المتبادل. كما عبّر عن فخره واعتزازه بإطلاق هذه المبادرة السينمائية التي وصفها بالتجربة المتميزة، كونها تشكل منصة تلتقي فيها الطاقات الشابة مع الأسماء المتمرسة في عالم السينما، ضمن فضاء يسمح بتبادل الخبرات والأفكار والرؤى الإبداعية.
وأكد أن تنظيم هذا الحدث يأتي في سياق سعي المدرسة الوطنية العليا للفن والتصميم إلى توسيع آفاق طلابها والانفتاح على المحيط الفني الوطني والدولي، عبر إقامة مهرجان ينبض بالحياة والحيوية الفنية.
سلط شاكيري الضوء على الخصوصية التي تميز هذا المهرجان عن باقي المواعيد السينمائية المعروفة في المغرب وخارجه، مشيرًا إلى أن الرهان كان منذ البداية يتمثل في كسر الحواجز التقليدية بين صناع السينما والجمهور، وبين المبدعين من ذوي الخبرة ونظرائهم من الشباب الحالمين بمكان في هذا المجال، وشدد على أن المهرجان يسعى إلى تقديم تجربة بديلة، تحتفي بالجرأة في الطرح، وتمنح مساحة حقيقية للتجريب، مع الحفاظ في الوقت ذاته على عمق التقاليد السردية التي تُعتبر ركيزة في الهوية السينمائية المغربية.
وأكد أن المحمدية اختيرت لتكون منصة هذا التفاعل لما تتمتع به من موقع رمزي وثقافي، يجعلها همزة وصل بين الحضور المحلي والدولي.
وتوقف المدير الفني للمهرجان عند محاور البرنامج العام للمهرجان، مشيرًا إلى غناه وتنوعه، إذ يتضمن مسابقات رسمية مخصصة للأفلام القصيرة والطويلة، تُمنح فيها جوائز لأفضل الأعمال، بالإضافة إلى برمجة موازية تشمل ورشات تكوينية لفائدة الطلبة والمهتمين، ولقاءات ماستر كلاس مع مخرجين ونقاد، وندوات فكرية تناقش قضايا السينما والهوية، فضلًا عن عروض خاصة لأفلام متميزة تليها نقاشات مفتوحة بين الحضور وصناعها.
كما بيّن أن الهدف من هذه الأنشطة هو خلق جو من التفاعل المستمر بين مختلف الفاعلين في الحقل السينمائي، وفتح المجال أمام جمهور واسع لاكتشاف تجارب متنوعة، ما يعزز روح الانفتاح والتعدد داخل المهرجان.
ويوضح شاكيري لصحيفة “العرب” أن تنظيم هذا الحدث لم يكن بالأمر السهل، خاصة في ظل غياب ميزانية واضحة أو دعم مادي كبير، إذ وصف المشروع بأنه “ولد بصفر درهم تقريبًا، لكنه ثمرة لإرادة جماعية قوية، تؤمن بأن الإبداع لا يُقاس دائمًا بالإمكانيات المادية، وإنما بالرؤية والإصرار والعمل الجماعي.”
وتوجه بشكر خاص للفنانين الذين لبّوا الدعوة وشاركوا في هذا الحدث بإخلاص وتطوع، كما نوه بدور المؤسسات الشريكة التي وفرت الدعم اللوجستي والمعنوي، مؤكدًا أن النجاح الحقيقي تحقق بفضل روح الفريق التي تحلت بها اللجنة التنظيمية، والتي اشتغلت لساعات طويلة في ظروف دقيقة، لتحول فكرة المهرجان من مجرد حلم إلى واقع حيّ.
الرهان الأكبر هو بناء مهرجان ينبض بروح شبابية ويؤسس لمساحة صادقة تجمع بين المتعة الفنية والرؤية العميقة
وفي ختام تصريحاته، وجّه شاكيري رسالة إلى الجمهور والمشاركين، داعيًا إياهم إلى اعتبار هذه الدورة الأولى فرصة لإعادة التفكير في دور السينما في المجتمع، ومكانتها في صقل الوعي وتغذية الذوق الجمالي. كما عبّر عن أمله في أن تتحول هذه التظاهرة إلى تقليد سنوي، يشكل مرجعًا في الساحة الفنية المغربية، ويمنح لمدينة المحمدية إشعاعا ثقافيا جديدا.
وأكد أن الرهان الأكبر هو بناء مهرجان ينبض بروح شبابية، ويؤسس لمساحة صادقة تجمع بين المتعة الفنية والرؤية العميقة، ليكون بذلك فضاء حقيقيًا للتقاسم والتعلم، كما حلم به فريقه منذ البداية.
ويعرف عبدالله شاكيري كأحد رواد المسرح والدراما في المغرب، تميز بمسيرة فنية تمتد لأكثر من خمسين عامًا من العطاء المتنوع بين التمثيل، التأليف، والإخراج. انطلقت موهبته منذ الطفولة حين تأثر بأداء أخيه المسرحي، وتطورت خلال سنوات الدراسة الأولى، حيث بدأ بعروض بسيطة في المدرسة، إذ شارك في أعمال مسرحية وتلفزيونية وسينمائية عديدة، منها “دقات القدر”، “دموع الرمال”، و”كازا نيجرا”، كما ساهم في كتابة سيناريوهات أعمال درامية وسينمائية، وترك بصمة واضحة في كل تجربة فنية خاضها.
ويعرف كذلك بإسهامه الكبير في إرساء دعائم المسرح الجامعي بالمغرب، إذ أسس فرقته المسرحية الخاصة في الجامعة، وساهم في تأسيس مهرجان المسرح الجامعي سنة 1988، الذي تحول إلى منصة لاكتشاف المواهب ودعم الإبداع الشبابي. ورغم دراسته للعلوم، ظل وفيًا للمسرح، مجسدًا قيمة الالتزام الفني الحقيقي، حيث يؤمن بأن الجدية والشغف هما الأساس في بناء تجربة احترافية، وليس فقط الموارد المالية، ويشتهر شاكيري أيضًا بتواضعه ورغبته الدائمة في التعلم من الأجيال الجديدة، ما جعله رمزًا للفنان المثقف والفاعل في مجتمعه.