إجراءات مغربية لسد الثغرات في إسناد الصفقات العمومية

تدخل الحكومة المغربية في مسار جديد من أجل وضع آليات فعالة للرقابة والشفافية في إسناد الصفقات العمومية عبر ما يعرف بـ"سندات الطلب"، في سياق جهودها الحثيثة لسد الثغرات التي يستغلها البعض في التلاعب وتعزيزا للمنافسة الحرة بين الشركات.
الرباط - أكد الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع أن الحكومة المغربية تسعى إلى تطبيق المزيد من الإجراءات الأساسية المعمول بها في مجال الصفقات العمومية على سندات الطلب.
وقال خلال جلسة برلمانية هذا الأسبوع إن هذا المسار “يندرج في إطار تنفيذ النفقات العمومية التي تستوجب احترام مبدأ حماية المال العام، باتخاذ جميع التدابير التي من شأنها ضمان تنفيذها في أفضل الظروف.”
وتأتي الخطوة ضمانا للمنافسة الحرة وتعزيزا أكثر للضمانات المخوَّلة للشركات ومراعاة لحرية الوصول إلى الطلبيات العمومية والمساواة في التعامل مع المتنافسين.
وباشرت السلطات خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الإصلاحات القانونية والإدارية لسد الثغرات التي يستغلها البعض في التلاعب بالصفقات العمومية، وذلك في إطار جهود أوسع لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية والحوكمة الجيدة في التصرف في المال العام.
وتعتبر سندات الطلب وسيلة تيْسيرية أقرها المرسوم المنظم للصفقات العمومية، بهدف تمكين أصحاب المشاريع من إنجاز أشغال أو خدمات أو القيام بشراءات من الخارج بكلفة غير مرتفعة نسبيا، دون التقيد بشكليات إبرام الصفقات.
ولكن هذه السندات تخضع للمبادئ العامة للصفقات العمومية، وكذلك للمقتضيات المعمول بها في هذا الشأن، كونها عقدا إداريا مع الجهات الحكومية.
ورصدت تقارير مالية للجماعات المحلية اختلالات خطيرة في استعمال هذه السندات من قبل بعض رؤساء مجالس جماعية، حيث تم اللجوء إليها لتفادي الإجراءات القانونية للصفقات العمومية، ما أدى إلى احتكار شركات بعينها تنفيذ مشاريع مشبوهة.
وكشفت هذه التقارير أيضا عن خروقات مالية وإدارية جسيمة، بينها صرف نفقات دون مقابل فعلي، ما شكل هدرا للمال العام.
ويتضمن إصلاح نظام الصفقات العمومية إجراءات تكرس لضبط مثالي وبكفاءة لإجراءات الشراء بواسطة سندات الطلب، في إطار المبادئ العامة المتعلقة بضمان الشفافية وفق ما نصت عليه المادة الأولى من المرسوم الخاص بهذا الإطار.
ومن بين الإجراءات إخضاع الأعمال الواجب إنجازها عن طريق سندات الطلب لمنافسة مسبَقة ما عدا في الحالات التي يستحيل فيها ذلك أو كان اللجوء إلى المنافسة المسبقة غير متلائم مع طبيعة الأعمال المراد إنجازها.
وإلى جانب ذلك، يتطلب الأمر الالتزام بتحديد سندات الطلب المواصفات ومحتوى الأعمال المراد تلبيتها.
وحسب المذكرة الصادرة عن الخزينة العامة فقد تم إدخال مفهوم “الخدمات المبتكرة” الذي يركز على البحث والتطوير بهدف تحسين الأساليب الحالية أو ابتكار طرق جديدة.
ويفتح هذا الأمر الباب أمام الشركات الناشئة وغيرها من الشركات التي تعمل في مجال الرقمنة والتقنيات الرقمية، مما يساعد على تنفيذ برامج الدولة للاقتصاد الرقمي.
وأشار لقجع إلى رقمنة برامج الشراء بواسطة سندات الطلب عن طريق نشر إعلان في بوابة الصفقات العمومية، من أجل تمكين كافة الشركات من تقديم بيانات للأسعار المقترحة.
وتطرق في حديثه إلى اختيار العرض الأقل تكلفة بطريقة تضمن المساواة في التعامل مع المتنافسين والشفافية في اختيارات صاحب المشروع.
كما أكد أيضا أهمية إلزام صاحب المشروع في بداية كل سنة مالية بنشر لائحة في بوابة الصفقات العمومية تضم حسب طبيعة الأعمال العدد والمبلغ الإجمالي لسندات الطلب المبرمة برسم السنة المالية الماضية تعزيزا لشفافية مسطرة سندات الطلّب.
وتعمل الحكومة على دراسة مجموعة من الإجراءات الأساسية المعمول بها في مجال الصفقات العمومية على سندات الطلب باعتباره عقدا إداريا يخضع للمساطر المتبعة في هذا الشأن.
كما يسري عليه ما يسري على الصفقات العمومية، منها إدراج إمكانية تحديد الضمانات القانونية والتجارية، وكذلك خدمة ما بعد البيع المنصوص عليها في القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك عند الاقتضاء.
وهناك إمكانية الإدلاء بالضمانة البنكية، أو الكفالات الشخصية والتضامنية، يتم اختيارها من بين المؤسسات المعتمدة لهذا الغرض على غرار ما هو معمول به بالنسبة للصفقات العمومية مع نزع الطابع المادي عن هذه الإجراءات.
ومن شأن ذلك تعزيز الشفافية والكفاءة في تنفيذ النفقات، وتحسين التفاعل بين الإدارة والمقاولة بما ينعكس إيجابا على تحسين آجال أداء النفقات العمومية.
وحددت الإصلاحات الجديدة القطاعات التي يمكن أن تستفيد من آلية التعويض الصناعي، وتشمل الدفاع والأمن والصناعة والطاقة والتكنولوجيا الحديثة.
كما وسّعت مجالات التعويض لتشمل الاستثمار المباشر ونقل الكفاءات أو التكنولوجيا والتدريب والشراء أو استخدام المنتجات المحلية، وتحقيق التكامل الصناعي، إلى جانب أعمال الصيانة وخدمات ما بعد البيع.
تقارير مالية رصدت اختلالات في استعمال سندات الطلب، ما أدى إلى احتكار شركات تنفيذ مشاريع مشبوهة
ولتسهيل تطبيق الآلية، تم إدخال معايير واضحة لتقييم العروض التي يقدمها المنافسون، مع الالتزام بتضمين هذه المعايير في دفاتر الاستشارة، بالإضافة إلى التأكيد على أن التعويض الصناعي لا يجب أن يتضمن أي التزام مالي إضافي من جانب صاحب المشروع.
وتم تعزيز آلية التعويض الصناعي التي أُدخلت لأول مرة ضمن المرسوم الجديد المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، وهو ما يأتي في سياق الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي.
والهدف من ذلك تعزيز تنافسية المغرب في الصناعات العالمية، بما يدعم تنويع المجالات الصناعية، ويزيد من قيمة المنتج المحلي، ويوفر فرص عمل جديدة.
وفي إطار الإصلاحات الخاصة بالصفقات العمومية تم تكريس البعد المتعلق بالبحث والتطوير كمحرك أساسي للانتقال إلى مرحلة جديدة من النمو الصناعي والتكنولوجي، بإدخال آليات جديدة لتعزيز القدرة التنافسية للمشاريع وتشجيع الابتكار في مختلف المجالات.
واستحضر لقجع إمكانية التنصيص عند الاقتضاء على وجوب تقديم التراخيص اللّازمة لمزاولة الأنشطة المرتبطة بالأعمال موضوع سندات الطلب، كما هو منصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
ولفت إلى إمكانية تطبيق العقوبات الرادعة على كل متعاقد أخل بتنفيذ التزاماته وفق المساطر المعمول بها في إطار الصفقات العمومية.
ويُنتظر أن تساهم هذه الجهود، إذا ما استُكملت بصرامة التطبيق، في تقليص هامش الفساد وتحسين مناخ الأعمال، بما يخدم أهداف التنمية ويحافظ على المال العام.