تونس وهزيمة قرطاج أمام روما!

تؤكد مراجع تاريخية أن القائد القرطاجي حنبعل لم يكن مجرد قائد شجاع حارب الإمبراطورية الرومانية وانتصر عليها، بل كان “الكابوس” الأكبر في ذاكرة الرومان، ومثل انتصارهم عليه انتصارا تاريخيا لا يزالون يستعرضون أهميته إلى اليوم، حتى إن البعض يقولون إن “معركة زاما” التي كسرت شوكة حنبعل هي مجرد رواية إيطالية غير حقيقية.
حنبعل لم يكن قائدا داهية استطاع أن يفرض سيطرة قرطاج على غرب البحر المتوسط وإنما القائد الوحيد الذي انتصر على الإمبراطورية الرومانية وأخضعها ودخلت في حرب معه تواصلت عقودا.
وتروي بعض المراجع أن عشرين عاما من الانتصارات المتواصلة، معظمها على التراب الإيطالي، حققها القائد القرطاجي حنبعل برقا منذ العام 231 ق.م، ولم يثنه مقتل شقيقه صدربعل على يد الرومان عن المضي قدما ومواصلة طريقه للسيطرة على روما، حتى بدأت الهزائم تتوالى عليه منذ العام 205 ق.م حين تولى القائد الروماني سكيبيو قيادة الفيالق الرومانية، وقرر أن أفضل طريقة لإزاحة حنبعل عن أراضيهم هي بنقل الحرب إلى أرض قرطاج نفسها. وبعد أن تمكنوا من هزيمة الجيش القرطاجي المتبقي في إسبانيا، أبحروا نحو شمال أفريقيا.
استمرت الحرب حتى 202 ق.م، تاريخ “معركة زاما”، الذي فنده بعض المؤرخين، المعركة التي خسرت فيها قرطاج حربها ضد روما، وفر حنبعل. وتقول الرواية الإيطالية إن سكيبيو اختار أن لا يدمر قرطاج وسمح لحنبعل بالعودة واستلام القيادة فيها، لكن حنبعل، يتم نفيه إلى سوريا، وهناك انضم إلى جماعة أخرى مناوئة لروما، إلى حين اختار الانتحار في 183 ق.م.
وبعد نحو خمسين عاما استل القرطاجيون سيوفهم في محاولة لاسترداد دولتهم، فيما يعرف بالحرب البونية الثالثة، التي حوصرت فيها قرطاج لمدة أربعة أعوام، وسقطت بيد روما في 146 ق.م. وقتل الجيش الروماني كل رجال المدينة وباعوا النساء والأطفال في سوق الرقيق، وسحقوا المدينة، معلنين نهاية وجود “قرطاجة”.
هذا الانتصار لم تكن له أهمية ولم يكن ليحدث كما تراه السردية الإيطالية لولا “معركة زاما” التي لا تزال إيطاليا تفتخر بها وتعتبرها واحدة من أهم بطولات الأجداد الرومان على مر التاريخ، كيف لا وقد انتصروا على قرطاج، إحدى أعظم الإمبراطوريات والمنافس الذي هدد أمن روما.
و”زاما” اليوم، أو “جامة”، هي منطقة أثرية في مدينة سليانة التونسية، تشهد أثارها على عظمة أجدادنا ونهاية حضارتهم، وتأتي المدينة بعد قرطاج مباشرة من حيث الشهرة في أوروبا وهي مدرجة في المناهج التعليمية، هنا وهناك، ويتوافد السياح لزيارتها والوقوف على شواهد تاريخية مهمة.
مقدمة تاريخية طويلة قد لا يستسيغها البعض، لكن كان لا بد منها، أوردها لأسوق لكم خبر مشاركة وزارة الشؤون الثقافية التونسية في حفل إطلاق معرض فني بعنوان “مانيا ماتر من روما إلى زاما”، أظهرت فيه الوزارة احتفاء كبيرا بالمعرض الذي شارك في افتتاحه وزير الثقافة الإيطالي.
ثلاثون قطعة أثرية مرممة تم اكتشافها بموقع زاما تعود للآلهة سيبال (آلهة الخصب والولادة والخلق قديما)، عرضت بالمنتزه الأثري بروما، وستعرض في متحف باردو بعد ذلك.
وزيرة الشؤون الثقافية التونسية أمينة الصرارفي وقفت لتقول إن المعرض “سيمثل فرصة للتعريف بتونس وبثراء مخزونها التاريخي ويؤكد أن بلادنا كانت ولا تزال مهدا للحضارات”. أي فرصة للتعريف بتونس والمعرض يذكر بلحظة تاريخية مفصلية شاهدة على هزيمة مروعة لقرطاج ضد روما؟ وبأي فخر تقف الوزيرة شامخة تحتفي بمعرض يذكرنا به الإيطاليون بأنهم هزمونا في ديارنا؟
سأستعير عتاب أحدهم للوزيرة التي يبدو أنها لم تقرأ التاريخ وليس هناك من يذكرها به من العاملين معها لأقول “حنبعل يا سيدة الوزيرة ليس شخصية ندرسها في الكتب المدرسية.. حنبعل هو رمز لمشروع حضاري قاوم التوسع الروماني بعقلية حربية فذة.. وقت (حين) تقف وزيرة الثقافة إلى جانب الايطاليين في تمجيد هزيمته دون أي تحفظ فهذا ليس تعاونا ثقافيا بل هو مباركة رسمية للهزيمة.”