عندما يتحول العيد إلى عبء

هكذا تحوّل العيد من فرصة للتعبد والطقوس الروحانية إلى عبء اجتماعي يرهق كاهل الأسر، وكأنها خرجت من معركة ضروس، في انتظار استحقاق آخر يحجب فيه غبار الجدل ساحة الرؤية، وذلك بسبب تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة كشفت فيه الكثير من عيوب المجتمع، بما فيها الوراثة الاجتماعية للدين، بدل التمسك بالقيم الروحية الحقيقية.
لا يختلف اثنان على أن ما قبل كورونا، ليس كما بعدها، وإذ تتجه المجتمعات المتطورة في مسلك العودة إلى الحياة الطبيعية صحيا واجتماعيا واقتصاديا، فإن ما تشهده بعض المجتمعات العربية، هو نوع من التطبيع مع ما أسست له الجائحة العالمية خاصة في ما يتعلق بالندرة والغلاء في أسواقها المحلية.
في الجزائر، تحولت الاستحقاقات الاجتماعية والأعياد الدينية إلى ساحات معارك حقيقية تدور رحاها في الأسواق كما في شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى جهد الحكومة في تخفيف العبء على الأسر المعوزة، بتمكينها من ممارسة حقها بالفرحة بعيد الأضحى، لم يجد نفعا أمام آلة تدور بسرعة فائقة، قوامها سلخ جلود البشر كما تسلخ جلود الأضاحي.
وفي كل مرة يتم البحث عن أسباب الظاهرة، تظهر أسباب جديدة توحي بأن الصراعات التقليدية داخل المجتمع، لم تعد بين الحاكم والشعب، أو بين الطبقات الكادحة والبورجوازيين، كما تضمنته المؤلفات الأيديولوجية والسياسية، بل صارت بين الفئات الدنيا نفسها، فكل فئة اجتماعية أو مهنية تعمل على استغلال الفرصة المواتية، لأجل الكسب غير المشروع والابتزاز، حتى ولو هي تعلم أنها ستكون هي الضحية في الفرصة القادمة.
انطباع بسيط في الأيام التي سبقت عيد الأضحى في الجزائر، أبانت عن الكثير من الحقائق المرة، وهي أن التدين الموروث اجتماعيا فاقم ظاهرة التحايل على القيم الحقيقية للمناسبات والأعياد الدينية، فهي غطاء لممارسة أشكال الابتزاز والربح غير المشروع، وأن الاستحقاقات الاجتماعية أفرزت طبقية جديدة في المجتمع، فالأضحية لم تعد في متناول الكثير من الأسر، وستضطر في الأعياد القادمة إلى إخفاء فرحة أطفالها، في انتظار سلوك تضامني أو لفتة من المحسنين والمتبرعين.
لا توجيهات الحكومة، ولا خطاب الإعلام، ولا دروس المساجد، تمكنت من الحد من موجة الغلاء الفاحش، وبغض النظر عن الطابع الخشبي لذلك الخطاب الذي لا تنتظر منه جدوى، لأنه هو الآخر في حاجة إلى مصارحة نفسه، فإن الظاهرة تنم عن تحولات عميقة وخطيرة داخل مفاصل المجتمع.
غريب أن يتطوع مجتمع أوروبي علماني إلى خفض أسعاره من أجل تلبية حاجيات المسلمين المقيمين على أراضيه بمناسبة شهر رمضان، وإشعارهم بالتضامن والتكافل، بينما تشتعل الأسعار في تلك المناسبات، في مجتمعات تتبنى الإسلام دينا، وهنا تدخل الأخلاق والإحسان كقيمتين أساسيتين في الحياة اليومية، قبل ممارسة مظاهر التحايل والتدليس الديني.
الأعياد التي أوجدت دينيا واجتماعيا من أجل إشاعة الفرحة والسرور لدى أفراد المجتمع، تحولت إلى أعباء منهكة ومعارك ضارية أفرغتها من محتواها ومن مغزاها، ليتجه الناس إلى التخلي تدريجيا وقسريا عن واحدة من المظاهر الجماعية التي تعتبر جزءا مهما في إرساء الكيان الاجتماعي.
وأمام هذا النوع من الأنانية والذهنية الفردانية، تنتقل الصراعات التقليدية إلى صراع فئوي وحتى تصفية حسابات وانتقام، فـ “الموال” (مربي المواشي) الذي استعرض عضلاته طيلة الأسابيع الماضية، وتصدر المشهد السياسي والإعلامي وحتى الافتراضي، سيكون قريبا الضحية الأولى لسلوكات الازدراء والانتقام من طرف الفئات الأخرى.