الشعراء الأفغان المحدثون عشاق واقعيون في مواجهة المصاعب

شعر حديث يستخرج من ميادين الحرب وخنادق التعصب بذرة المحبة.
الاثنين 2025/06/09
للشعر الأفغاني الحديث صوت جديد مغاير

الشعر الأفغاني الحديث هو أحد أوجه الإبداع الثقافي الذي يعكس التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي مرت بها أفغانستان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين. ويتنوع هذا الشعر في اللغة والأسلوب والموضوعات، وتتجلى فيه تأثيرات الظروف التاريخية الصعبة وفي مقدمتها الحروب المتتالية: مع السوفييت، الحرب الأهلية، حكم طالبان، الاحتلال الأميركي، وأخيرا النضال من أجل الحرية والحفاظ على الهوية.

تقدم المترجمة والشاعرة مريم العطار في كتابها “أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث” 35 تجربة شعرية، لكل منها رؤاها وجمالياتها واشتباكها الخاص مع العالم، من بين الشعراء والشاعرات: برتو نادري، ليلى صراحت روشني، أبوطالب مظفري، محبوبة إبراهيمي، باران سجادي، شكرية عرفاني، أمان ميرزايي، رحيمة زاهدي، فاطمة روشن، مجيب مهرداد، حسن إبراهيمي، مريم تركمني، مارال طاهري، إلياس علوي.. إلخ.

تقول “ما بين القراءة والترجمة وجدت أن للشعر الأفغاني الحديث صوتا جديدا مغايرا، ونظرا لما يحتويه هذا الأدب من قيم جمالية وفنية وعلى مستوى رفيع وعال قررت أن أضعه بكل أمانة بين يدي القارئ العربي. إننا أمام شعراء شباب وجدوا في ميادين الحرب وخنادق التعصب بذرة المحبة، تحدوا كل الصعوبات التي تواجههم، لهم لغة تسمعها الإنسانية، ينتقدون الواقع بكل شاعرية وجرأة، كتبوا ونشروا منجزاتهم في الدول المجاورة، همهم الوحيد حرية التعبير، والشعور بالآخر. اطلعت على آثارهم من خلال التواصل مع شعراء ومحبين للحرف ولهم الفضل بما قمت به في هذا الكتاب.”

شعراء حداثيون

شعراء لهم لغة تسمعها الإنسانية، ينتقدون الواقع بكل شاعرية وجرأة وهمهم الوحيد هو حرية التعبير والشعور بالآخر

تضيف العطار في مقدمة كتابها، الصادر عن دار المدى، أنه “للبت في أمر تحديد الفترة الزمنية التي دخل فيها الشعر الحديث إلى أفغانستان، وجب علي بوصفي مترجمة أن أعمد إلى التمحيص وتحري الدقة، وقد أصبت يقينا مفاده أن ثمة مصادر مختلفة؛ فبعضها يشير إلى عام 1922 كبداية لتحولات كثيرة طرأت على الأدب الأفغاني، بعد ثورة ‘الثور‘ عام 1979، ودخول الحزب الديمقراطي الشعبي في الحكومة الأفغانية بدعم من الاتحاد السوفييتي.”

وتتابع “كان لهذه التحولات أبلغ الأثر في نحت ملامح جديدة للأدب والشعر المعاصر، بالتحديد منذ تلك الأعوام حتى عام 1992 كان الأدباء يعرفون بكتابة الشعر الذي سمي آنذاك ‘شعر المقاومة‘ حيث كان جميع نتاج الشعراء له لون الدم ورائحة الحرب، ومشاعر الغربة، حقيقة إن هذا النوع من الشعر بعد مرور الزمن وجد طريقه للالتحاق بركب الأدب العالمي الحديث..

وتوضح “في كتاب طبع عام 1973 يحمل عنوان ‘مختارات من الشعر الحديث الأفغاني‘ تحدث  محمد سرور مولاي عن الشعر الأفغاني الحديث الذي دخل إلى أفغانستان بتأثير من الشعر النيمايي، والذي أسسه الشاعر الإيراني نيما يوشيج، هذا النوع من الشعر الذي يسمي أيضا بالشعر السبيد أي الحديث، ويكتب في أفغانستان باللغة الداريه. هذه اللغة المشتقة من الفارسية باختلاف مفردات قليلة عن الأفغانية.”

الشعر الأفغاني الحديث غني في محتواه، حر في التعبير عن مشاعره، لكنه يحتاج إلى استقلالية أكثر ليصل إلى العالم

وترى العطار أن أهم رواد الشعر الحديث آنذاك هم الشعراء: واصف باختري ورفعت حسيني ورزاق روبين وآخرون. ويذكر الشاعر برتو نادري في كتابه “من الدمع إلى قطرات الشعر”: “في بدء الأمر، كتب الشعراء الحداثيون قطعا نثرية لا أوزان لها، وبعد التطور في كتاباتهم سمي هذا الشعر بالشعر الحديث منذ تأسيس أول صحيفة كانت بعنوان ‘سراج الأخبار‘، الصحيفة التي امتازت بأسلوبها الجديد في الطرح، وكانت بمثابة المهد الذي ترعرع وقد أطِلق عليه فيما بعد: أسلوب الحداثة في الكتابة.”

وتؤكد أن هذه التحولات الأدبية والاجتماعية والسياسية، هي مدينة لهذه الصحافية التي نشرت أفكارا جديدة، والتي كان يحررها الأستاذ محمود طرزي، بالتعاون مع عبدالهادي داوي وآخرين، الذين كانوا ينشرون نصوص الشباب الحداثوية، وترجمة نصوص لشعراء وكتاب من أوروبا.

تذكر أن الشاعر محمد سعيد شريفي المقيم في السويد الذي يعمل مدرسا هناك، كتب في موقع بي بي سي الفارسي، مقالا يختصر فيه أهم مميزات الشعر الأفغاني الحديث، إذ قال “كان لانعدام الاستقرار الاجتماعي والسياسي في كل دولة، تأثيره المباشر في الشعر، وخصوصا الشعر الحديث. من الصعب أن نضع شاخصات للشعر الحديث الأفغاني، ونقدم مثلا قائمة بأسماء رواده، رغم ذلك لا نستطيع أيضا أن نتجاهل العشر سنوات ونصفا الأخيرة في ظل وجود آلية جديدة للشعر الحديث الأفغاني، منذ 2000. وفي أرجاء العالم، كان هناك سعي حثيث لخلق الديمقراطية بمساعدة الغرب، ومن جهة أخرى هناك حديث متداول عن آلية الشعر الحديث في أفغانستان والعراق ودول أخرى. هذه المسألة معقدة بعض الشيء، لكننا نستطيع أن نجزم بأن هناك جيلا جديدا من الشعراء في الشرق يحاولون خلق فضاء جديد لهم. فالشاعر وطريقة تفكيره المتحضرة بالتأكيد المحور الأساسي فيها.”

بحاجة إلى الاستقلالية

h

تتابع العطار “الشعراء الأفغان المحدثون يطلق عليهم في أفغانستان لقب ‘بساطالباني‘ أي ما بعد طالبان ويقسمون إلى قسمين: الأول هؤلاء وجودوا قبل هذا العقد واستمروا، معروفون بأسمائهم ومطبوعاتهم، لهم حضور واضح في أفغانستان كالشاعر برتو نادري، والشاعرة خالدة فروغ، والشاعر سميع حامد. والقسم الثاني هم الشعراء الحداثيون الذين وجدوا مكانتهم في وقت قصير مثل محمود جعفري، وهو كاتب مقالات وشاعر ترك بصمات واضحة في هذا المضمار. والشعراء: ضياء قاسمي ومحبوبة إبراهيمي ووحيد بكتاش وإلياس علوي ومجيب مهرداد، الذين ترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى. هؤلاء من أبرز وجوه الشعراء الشباب في أفغانستان وخارجها.”

وحول الخصائص التي يتمتع بها الشعراء الشباب في مختاراتها تشير العطار “الشعراء في هذا الجيل لم تثنهم الرقابة عن تحقيق أهدافهم ولدى متابعتهم؛ يجد القارئ طرحا لمواضيع حساسة يرتسم جليا في كنه أعمالهم، هؤلاء كتبوا في عدة مجالات وأصابوا قصب السبق فيها، نجد نقد الواقع محورا أساسيا. في نصوصهم النقد موجه إلى السياسيين أصحاب القرار، وفي الوقت ذاته تكتشف أن الذي يكتبونه مفعم بطعم مرارة الحروب، عشاق لا يتوهمون، وواقعيون في سرد يومياتهم الحزينة. في الشعر الحديث تلتمس حرية التعبير في الكتابة عن المحظورات والممنوعات.”

وتتوقف العطار عند أبرز الخصائص، حيث تبدأ بالأيروتيكية إذ “النزعة الأيروتيكية لها أثر واضح في الشعر الأفغاني الحديث، ومثالا لذلك أذكر الشاعر مجيب مهرداد، إنه يكتب عن الجسد ويضع القارئ أمام مشاعر إنسانية متباينة تترامى ما بين الحرب وغريزة الجسد، كما أن الأيروتيكية كتبت بشكل كلاسيكي من قبل بعض الشاعرات ككريمة شبرنك ومهتاب ساحل.”

وتتابع “ثانيا المؤثرات وهي واضحة على نصوص الشباب، حيث تقرأ لشاعرة ما تتذكر بين السطور كلمات الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد وأيضا حين تقرأ لشعراء من الشباب تتذكر أحمد شاملو على الرغم من أن وجود الشعر الحديث بحاجة إلى تأثير من الأجيال السابقة، إذ لا يمكن خلق قالب جديد إن لم يكن هناك تأثير من شعراء الجيل السابق في أفغانستان أو الدول المجاورة.”

أما عن المعوقات فترى المترجمة أن الشعر الأفغاني الحديث يواجه صعوبات عديدة، أبرزها عدم وجود مؤسسات لحماية المنابع والآثار الأدبية للأديب الأفغاني، وأيضا مشاكل مادية تخص الطبع، إذ أن أغلب الشعراء الأفغان يطبعون آثارهم في الدول الأخرى مثل إيران والدول الغربية التي وجد فيها الشعراء ملاذهم ومحلا لإقامتهم.

وتختم العطار مؤكدة أن الشعر الأفغاني الحديث غني في محتواه، حر في التعبير عن مشاعره، لكنه يحتاج إلى استقلالية أكثر ليصل إلى العالم بالشكل الذي يستحق.

***

قصيدة الزناد

الشاعرة محبوبة إبراهيمي

على الزاد أصابع عديدة

تشهر أسلحتها ضدنا.

الأرض

تخبئ ألغامها لأقدامنا.

حبال المشنقة

بانتظار رؤوسنا.

المياه

بكل من غرق فيها

الأعاصير والزلازل

بكل أمواتها.

يختارون من أسمائنا

العالم لا يبحث عن شيئ سوى قتلنا

ألجأ إلى أحضانك

بعيدة

غريبة

لكنني هادئة

بذرة صغيرة غريبة

لا تهاب الدفن في التراب

أنا لا أخاف من التراب

إذا كان الموت الرجوع إلى أحضانك.

غدا

سأكون شجيرة بريعانها

وعطرك

لا يفاق عنقي.

دعني آتي إليك

أنا متعبة من كل هذا الموت

النساء بأجسادهن رجعن إلى التربة

قبلني

بدلا عنهن

هن اللواتي لا يعرفن السبيل

للوصول إلى أحضانك.

***

قصيدة أصوات نساء وطني

الشاعر قنبرعلي تابش

في الليل أسمع صوت امرأة تبكي في المدينة

ترى القمر رغيف خبز معلقا على أبواب الرب

تتمنى من الليل ألا ينتهي

حتى لا تسمع صوت بكاء أطفالها الجياع

وهم يفسدون هدوء الملائكة وقت صلاة الفجر.

في الليل

أقف باكيا قرب سرير فتاة

يقفون فوق رأسها بأسلحتهم

يحرمونها من الموت حتى….

في الليل

أقف باكيا قرب سرير امرأة

بثدي مبتور

هي تسرق أنفاسها

حتى لا يفيق طفلها الرضيع

في الليل

أرى فتاة رسامة

تضع النجوم قرب بعضها

لترسم وطنا

لكن وقت الفجر

تفر النجوم!

أنا طوال الليل أفكر في نساء وطني..

***

قصيدة التربة ليست مضيئة

الشاعر محمد شريفي سعيدي

أنزلي فتيلة الضوءِ

أريد أنْ يكون الباب ليلا…

الجدار ليلا…

النافذة ليلا…

فتيلة  القمر في سيل الغيوم

القمر يموت

من أطلق كل هذا الرصاصِ علي؟

أنا كالغربال الكبريت موت مضيء

أوقدي شموع عين القضاة بروحي

ماهو البحر؟

أهو دموع أبدية الأسماك؟

ما هو الجبل؟

أهو عقدة الترابِ حين يضجر؟

ماهو الوادي؟

أهو صدر السماء الممزق؟

وماهي الحياة….؟

غير نهدِ فتاة بالغة يجف ويقع على الأرض

بانتظار أنْ يرضعه طفل ما…

اللعنة على الحياة

حين تكون امرأة تقضي طفولتها بالركض فوق الأشواكِ

وفي شبابها الركض فوق ميادينِ الألغامِ

وتضيع شيخوختها بين الأنقاض والضياعِ

هناك حيث يكون الإنسان كسلك شائك مع أخيه الإنسان

اللعنة على التربةِ

حين يكون نصفها ممتلئا بالورود والخمر

ونصفها الآخر مساحة أشبه بوعاءِ الطبخ

تحترق فيها الطيور إلى الأبد

الأرض منافقة

الشمس منافقة

والإنسان بألف وجه

طيار الطيارات الحربيةِ لا يموت

خدام الدبابةِ لا يصاب بالزكام

الجندي وراء السلاح لا يعطس أبدا

فقط “ليلى” جدائلها تصاب بالسرطان

أسنانها  تقع على البلاط

عيناها أمام الجدارِ تجفان

العاشق دائم الوقوع حتى وهو أمام المحكمةِ

العاشق يقع باستمرار قرب محكمة الإلهِ

“ملا سويج” لا يموت

“بن لادن” لا يموت

إبليس لا يموت

 كلاب سجن أبو غريب لا تموت

الضوء فقط، بين دروب الظلمةِ، فوق أرصفةِ طرقاتِ الرب، يموت

العالم أسود

الباب أسود

الجدار أسود

النافذة سوداء

أنزلي فتيلة الضوءِ

فتيلة القمرِ غيبها الغرق

انزلي فتيلة النجومِ

التربة ليستْ مضيئة .

12