حميد زيان لـ"العرب": أواصل محاولة ترسيخ مكانتي في الدراما الأمازيغية

مخرج أعمال إنسانية تغوص في أعماق المجتمع الأمازيغي وهويته.
الاثنين 2025/06/02
مخرج يصور رسائل مؤثرة

يهتم المخرج المغربي حميد زيان في أحدث أعماله الدرامية بقضايا المرأة الأمازيغية التي تعيش في القرى النائية ولا تزال بعض حقوقها منتهكة كما هي حقوق سكّان القرى، وهو بهذا الاختيار يثبت اسمه كواحد من أكثر المخرجين المغاربة اهتماما بقضايا الأمازيغ وهويتهم وثقافتهم التي نقلها إلى الجمهور المغربي والعربي عبر حكايات إنسانية وبأسلوب إخراجي قوي ومقنع.

الرباط - يشهد المغرب في السنوات الأخيرة ازدهارًا ملحوظًا في مجال الدراما الأمازيغية، التي باتت تشكل نافذة ثقافية مهمة تُعرّف الجمهور على تراث وهوية الشعب الأمازيغي العريق، إذ يبرز هذا النوع من الدراما ثراء التنوع الثقافي واللغوي في المغرب، ويخلف هاجس الانتماء والاعتزاز بالهوية الأمازيغية، التي لطالما كانت جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني. ويبرز هذا المجال كأداة فنية فعالة لنقل قصص وأحداث من الواقع الأمازيغي المحلي، بما فيها التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بأسلوب درامي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

ويتزايد الاهتمام الرسمي والإعلامي بالدراما الأمازيغية، وهو ما يجعلها في حاجة ماسة إلى المزيد من الدعم والترويج كي تصل إلى شرائح أوسع من الجمهور داخل المغرب وخارجه، خصوصًا في ظل المنافسة الشديدة مع الدراما الناطقة بالعربية والدراما الأجنبية. ويرى الكثير من المختصين أن التعريف بهذا النوع من الإنتاج الفني هو عامل أساسي للحفاظ على التراث وتطويره، بالإضافة إلى دوره في تعزيز الحوار الثقافي والانسجام بين مكونات المجتمع المغربي المختلفة.

ومن بين المخرجين الذين ساهموا بشكل جاد في ازدهار الدراما الأمازيغية نجد المخرج المغربي حميد زيان، الذي تميز بإنتاج أعمال فنية ذات بعد إنساني واجتماعي، حول واقع المجتمع الأمازيغي في الريف والمناطق النائية، وبين زيان عبر أعماله رؤى جديدة حول قضايا المرأة والفقر والتهميش والصراعات المحلية.

وفي هذا الإطار التقته صحيفة” العرب” حيث تحدث عن تجربته الفنية، ورؤيته للدراما الأمازيغية والتحديات التي تواجه هذا النوع من الإنتاج الفني.

المخرج يعود بمسلسل "أفاذار" ليكسر الصمت في القرى النائية، حول قضايا المرأة الريفية التي تقاوم الفقر والتهميش

أوضح زيان أن الدراما الأمازيغية تمثل ضرورة ثقافية واجتماعية للمغرب الحديث، وأن العمل في هذا المجال يتطلب مجهودًا متواصلاً وصبرًا كبيرًا من أجل إيصال الرسالة الصحيحة والواقعية.

وأعلن عن عودته القوية إلى المشهد الدرامي من خلال الموسم الثاني لمسلسله الناجح “أفاذار” (الصبار)، الذي يركز على القضايا الاجتماعية الحقيقية التي تعاني منها المرأة الريفية في مناطق نائية بالمغرب.

ويرى زيان أن هذا العمل الدرامي يمثل خطوة مهمة في تعزيز مكانة الدراما الأمازيغية الريفية، التي يراها ناقصة لكنها تمتلك قدرة كبيرة على التعبير عن أصالة الواقع المحلي وقضاياه الملحة.

ويركز المسلسل على شخصية لويزة، الشابة التي حصلت على شهادة في علم الاجتماع، لكنها تجد نفسها محاصرة بواقع البطالة وقسوة الحياة في قريتها النائية، ويتخذ زيان من شخصية لويزة رمزًا للمرأة الريفية التي تطمح إلى التغيير وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ تخوض مغامرة تأسيس تعاونية نسائية لإنتاج مشتقات نبتة الصبار، تلك النبتة التي ترمز إلى الصمود في وجه الظروف القاسية.

ويشرح حميد زيان أن هذه المبادرة تصطدم بقوة مع سلطة محلية تسعى للحفاظ على وضعها عبر مقاومة أي محاولة تغيير قد تهدد مصالحها، موضحا أن فريق العمل في الموسم الثاني تضمن وجوهًا فنية جديدة، ليحفز التنوع الدرامي ويضفي روحًا متجددة على أحداث المسلسل، إلى جانب حضور الممثلين المعروفين مثل شيماء علاوي وسعيد المرسي وميمون زينون، الذين يساهمون جميعًا في منح العمل ثقلًا فنيًا وجماهيريًا.

زيان جمع بين الجانب الإنساني والواقعي مستعينًا بأسلوب سردي قوي يهدف إلى إثارة الوعي بقضايا المرأة والريف

وتشير القناة الأمازيغية “تمازيغت” إلى أن المسلسل يشكل رافدًا مهمًا في رصد القضايا الاجتماعية التي تؤثر على سكان المناطق الريفية.

من جانبه يؤكد حميد زيان أن نجاح العمل يتركز في صموده على التناول الواقعي بعيدًا عن التجميل أو التهويل.

ويركز المخرج في هذا العمل الدرامي على الجمع بين الجانبين الإنساني والواقعي في العمل، مستعينًا بأسلوب سردي قوي يهدف إلى إثارة وعي المجتمع بقضايا المرأة والريف، ويأمل أن يتحول “أفاذار” إلى منصة فنية قادرة على فتح حوارات مجتمعية عميقة تؤدي إلى تغيير حقيقي، ويوضح أن المسلسل يسعى إلى خلق حالة من التفاعل المجتمعي التي تشجع على المساهمة في التنمية.

ويتحدث زيان عن نجاح الموسم الأول الذي برز فيه الصراع بين شخصية يزة والسلطة المحلية، ممثلة في رئيس الجماعة، الذي يمثل رمزًا للهيمنة والاستغلال في البيئة القروية، ويشير إلى أن المعاناة التي تظهرها لويزة والنساء الأخريات في المسلسل تعكس واقعًا مؤلمًا يعايشه الكثيرون، حينما يواجهون التهميش والتمييز، خاصة في فرص العمل والتنمية.

ويبرز العمل قوة الكتابة التي تعتمد على النصوص المكتوبة بواسطة السيناريست جمال أبرنوص والكاتب المسرحي سعيد أبرنوص، اللذين استمدا إلهامهما من البيئة الريفية وثقافتها، ما جعل السرد غنيًا بالمعلومات الدقيقة والتفاصيل التي تعكس حياة المجتمع الأمازيغي الريفي بأبعاده المختلفة. ويؤكد زيان أن الانتماء الجغرافي والثقافي لأعضاء الفريق كان عنصرًا أساسيًا في تحقيق النجاح، لأنه مكنهم من تقديم محتوى ينتمي إلى الواقع ويعبر عنه بشفافية.

ويروي زيان أن اختيار فريق التمثيل كان محكمًا، إذ ضم أسماء بارزة في الدراما الأمازيغية مثل شيماء علاوي وسعيد المرسي، إلى جانب مجموعة من الوجوه الجديدة التي أثرت العمل بمواهبها، الأمر الذي ساهم في وصول المسلسل إلى جمهور واسع داخل المغرب وخارجه، ويشير إلى أن التوازن بين الطاقم الفني والمواضيع الاجتماعية جعل العمل يحظى بقبول كبير ويعزز مكانة الدراما الريفية في المشهد الفني الوطني.

Thumbnail

ويشدد زيان على أن مسلسل “أفاذار” هو مشروع فني يحمل رسالة مجتمعية واضحة، ويضع المرأة الريفية في مركز الحدث، مركزا على دورها الحيوي في التغيير والمساهمة في التنمية رغم كل الصعوبات التي تواجهها، ويأمل أن يكون المسلسل مصدر إلهام للفنانين الآخرين للانخراط في أعمال درامية تعكس القضايا الحقيقية للمجتمع المغربي.

ويختتم زيان حديثه لـ”العرب” بالتأكيد على أن الدراما الأمازيغية الريفية تمتلك فرصًا كبيرة للنمو والانتشار، شرط توفر الدعم الفني والإعلامي المناسب، وأن “أفاذار” يمثل نموذجًا حقيقيًا لهذا التوجه الفني والاجتماعي الذي يواكب تطلعات الجمهور ويخدم القضايا الوطنية بصدق وأمانة.

ويُعدّ حميد زيان من الفنانين المغاربة القلائل الذين جمعوا بين التمثيل والإخراج بنجاح في مجالات الدراما والتلفزيون والسينما والإذاعة، وبدأ مسيرته الفنية كممثل، ثم قرر التوجه إلى الإخراج، إذ حقق حضورًا قويًا وأعمالًا مميزة على الصعيد الوطني، ودرس فنون الغرافيك والتصوير الصحفي في وقت كان فيه غياب المعاهد السينمائية في المغرب يدفع الفنانين إلى اكتساب مهاراتهم ذاتيًا.

وعمل حميد مساعد مخرج لسنوات عدة، قبل أن ينضم إلى الفرقة الوطنية لدار الإذاعة والتلفزة المغربية كممثل، ومن هناك انتقل تدريجيًا إلى الإخراج، وأخرج أول مسلسل له بعنوان “راضية”، والذي لاقى نجاحًا كبيرًا وفتح له أبوابًا واسعة في المجال.

وضمّت أبرز أعماله الإخراجية مسلسلات مثل “بنت الفقيه” (2025)، “عرس ليلة تدبيرو عام” (2025)، “الشياطين لا تتوب” (2024)، “شهادة ميلاد” بجزأيه (2020)، “التكريم” (2019)، و”تبدال المنازل” (2014)، كما شارك في التمثيل في عدة أعمال بارزة منها “عفاك أ بابا” (2023)، “جنتلمان” (2022)، “شهادة حياة” (2015)، و”الخطاف” (2010).

ويُعرف حميد زيان باجتهاده في فنون التمثيل والإخراج، ويُعتبر أحد الأسماء التي أسهمت بفاعلية في إثراء المشهد الفني المغربي، عندما نجح في المزج بين خبرته الفنية وتجاربه المتعددة لتقديم أعمال تعكس واقع المجتمع المغربي بعمق وصدق.

15