ارتياح أوروبي للدور الإيجابي للمغرب في منطقة الساحل

أبدى الاتحاد الأوروبي ارتياحه للدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب، وخصوصا علاقاته مع بلدان منطقة الساحل، ومساهمته الكبيرة في تحقيق الأهداف المشتركة مع أوروبا، على غرار تحقيق الأمن والسلام والتصدي للتهديدات والمخاطر الأمنية.
الرباط - عبّر الاتحاد الأوروبي عن ثقته بالمغرب كشريك موثوق به في المنطقة، حيث أكد الممثل الخاص للاتحاد لمنطقة الساحل جواو كرافينهو، أن علاقات الجوار التي يقيمها المغرب مع بلدان الساحل تشكل بالنسبة إلينا مصدرا مهما جدا للمعرفة والفهم وأيضا لتحديد مسارات عمل مشترك بما يخدم مصلحة شعوب الساحل.
وأشار الدبلوماسي الأوروبي عقب مباحثاته مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الجمعة، إلى أن منطقة الساحل “هشة من الناحيتين الأمنية والسوسيو اقتصادية، وهما قضيتان مرتبطتان، ما يشكل تحديا كبيرا”، مضيفا أن “الاتحاد الأوروبي والمغرب يضطلعان بدور مهم في المنطقة.”
وقال جواو كرافينهو إن الهدف من زيارته إلى المغرب يتمثل في استكشاف سبل تعميق العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في بعدها المتعلق بمنطقة الساحل، من أجل بلوغ أهداف مشتركة تهم السلام والأمن لما فيه مصلحة شعوب هذه المنطقة، وأن الاتحاد يقيم مع المغرب “علاقة مثمرة، قوية جدا ومتعددة الأوجه وذات أبعاد مختلفة،” مشيرا إلى أن التبادل والتعاون مع المملكة يحظيان بـ”أولوية بالغة الأهمية”.
وأكد محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن “الاتحاد الأوروبي يعترف بالدور الرئيسي الذي يقوم به المغرب في بناء السلم والأمن في منطقة الساحل، والثقة التي تحظى بها المملكة في الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.”
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى “أهمية التعاون الثنائي أو الإقليمي في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث ساهم المغرب في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، سواء في أوروبا أو في أفريقيا.”
وأوضح الطيار أن “ثقة الطرفين بالمغرب تنبع من كون الرؤية الإستراتيجية المغربية تستهدف تعزيز السلم والمصالحة في منطقة الساحل الأفريقي، وتشمل الجوانب الاقتصادية والتنموية والتأطير الديني ومحاربة التطرف ونشر قيم الاعتدال والتسامح الديني، إلى جانب تقديم المساعدات العسكرية والأمنية.”
وتعتبر منطقة الساحل الأفريقي من المناطق الحيوية والإستراتيجية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يراهن على المملكة في إعادة ترتيب الأوضاع خدمة للاستقرار والأمن.
ولكون منطقة الساحل الأفريقي تعاني من هشاشة عميقة وتحديات متشابكة، أشار المسؤول الأوروبي، إلى أهمية المبادرات المغربية تجاه منطقة الساحل، لاسيما مشروع تمكين بلدانها من الولوج إلى المحيط الأطلسي، الذي أشادت به الدول المعنية في أبريل الماضي.
وفي يوليو 2024، أعلنت الدول الثلاث، (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) تشكيل “كونفيدرالية دول الساحل”، بهدف تعزيز التنسيق العسكري والسياسي والاقتصادي فيما بينها، كما اتفق وزراء الدول الثلاث خلال اجتماع بمدينة مراكش المغربية، على تشكيل فرق عمل وطنية لإعداد آليات تفعيل مبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس المتعلقة بانفتاح الساحل على المحيط الأطلسي.
وتواصل المملكة اهتمامها بمنطقة الساحل، حيث استقبل الملك محمد السادس، نهاية أبريل الماضي، وزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تعبيرا عن تثمين تلك الدول بالدور الذي يلعبه المغرب في تقديم حلول تنموية واجتماعية واقتصادية من خلال مبادرات إستراتيجية في مقدمتها مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، حيث أعرب هؤلاء الوزراء عن امتنان رؤساء دولهم للعاهل المغربي على الاهتمام المتواصل بقضايا منطقتهم.
منطقة الساحل الأفريقي تعتبر من المناطق الحيوية للاتحاد الأوروبي، الذي يراهن على المغرب في إعادة ترتيب الأوضاع
وأوضح خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية، على “ضرورة تعامل الاتحاد الأوروبي بجدية وموضوعية ودعم المغرب فيما يقدمه لدول الساحل التي تفتقر إلى نافذة على البحر والتي توجد خارج منظومة دول غرب أفريقيا ما يستدعي توفير بدائل على المستوى الاقتصادي والتنموي، وهو ما يتوافق مع الطرح الذي طرحه المغرب عبر الملك محمد السادس بأن تكون هناك إمكانية للولوج إلى المحيط الأطلسي لهذه الدول.”
وارتباطا بالتحولات الجيوسياسية التي تعصف بالساحل، اطلع وزراء خارجية الساحل على مستجدات البناء المؤسساتي لتحالف دول الساحل الثلاث، الذي تم تأسيسه كإطار للاندماج والتنسيق بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وركز الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية الاتحادين الأوروبي والأفريقي الذي احتضنته العاصمة البلجيكية بروكسل الأسبوع الماضي، على قضايا الأمن والاقتصاد والتنمية، وجهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الساحل، الذي لم تحضر دوله الثلاث هذا الاجتماع (مالي وبوركينا فاسو والنيجر). وأكد الطرفان وفق بيان مشترك، ضرورة تعزيز التعاون السياسي والأمني بينهما في مواجهة التحديات المشتركة.
وبما أن دول الساحل والصحراء منطقة حيوية وإستراتيجية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، دفعت صناع القرار في أوروبا لتقييم طبيعة التهديدات والتحديات والفرص الممكن استغلالها لتأمين مصالحها في فضاء بالغ الأهمية والتعقيد، وهو ما يسعى إليه جواو كرافينهو، مستعينا بالدور المغربي وسيطًا لا غنى عنه في منطقة الساحل، بهدف إعادة بناء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وثلاث دول في الساحل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهو ما أشار إليه خلال زيارته إلى عاصمة النيجر نيامي في فبراير الماضي.
ويراهن الاتحاد الأوروبي على المغرب لقطع الطريق على الجماعات المتطرفة في استغلال الوضع الأمني الهش الذي تعاني منه منطقة الساحل والصحراء والذي عرف تصاعدا لافتا، حيث تصدّرت قائمة المناطق الأكثر تضررًا من الإرهاب عالميًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وفق تقارير أممية.
وترجمة لثقة دول الساحل بأدوار المغرب وموقعه الجيوستراتيجي، استجاب إبراهيم طراوري، رئيس جمهورية بوركينا فاسو، لطلب الملك محمد السادس بإطلاق أربعة مواطنين فرنسيين كانوا محتجزين بواغادوغو في ديسمبر 2024، حيث أكدت وزارة الخارجية أن هذه “المبادرة الإنسانية تمت بفضل العلاقات المتميزة التي تربط العاهل المغربي بالرئيس طراوري، والعلاقات العريقة التي تجمع بين المملكة المغربية وجمهورية بوركينافاسو.”