الاكتفاء الذاتي والتوسع في الأسواق يكرسان أداء صناعة الأدوية المغربية

تؤكد أحدث المؤشرات أن أداء الصناعة الدوائية المغربية ساهم في تعزيز مكانة البلد كقوة تنافسية إقليمية في هذا القطاع الحيوي، بعدما حقق قفزات السنوات الأخيرة من حيث الإنتاج والتصدير بما دعّم الاكتفاء الذاتي والتوسع في الأسواق العربية والأفريقية.
الدار البيضاء – تظهر بيانات وزارة الصناعة والتجارة المغربية أن رقم معاملات قطاع الصناعات الدوائية والصيدلانية نما في 2023 ليبلغ 23 مليار درهم (قرابة 2.3 مليار دولار)، وهو ما يمثل 5 في المئة من الناتج الإجمالي للقطاع الصناعي.
كما بات القطاع يغطي 75 في المئة من الطلب المحلي مع توجيه جزء من إنتاج الشركات إلى التصدير نحو الأسواق الأفريقية بشكل خاص.
وتنشط في السوق المحلية 56 شركة، تشغّل حوالي 65 ألف شخص، من بينهم 12 ألفا بشكل مباشر، وفق ما أكده المدير العام للصناعة بوزارة الصناعة يوسف فاضل خلال منتدى الفيدرالية المغربية للصناعة والابتكار الصيدلي الذي عقد هذا الأسبوع بالدار البيضاء.
وأشار فاضل إلى أن الإنتاج يغطي نحو 58 في المئة من الاحتياجات المحلية على مستوى القيمة، كما أن 17 في المئة من هذا الإنتاج موجهة نحو التصدير.
وأكد أن هذه الأرقام تشهد على الدور الإستراتيجي الذي تلعبه هذه الصناعة في تحقيق السيادة الصحية والإشعاع الإقليمي للمغرب، وتحفز أيضاً على الدخول في مرحلة تحول جديدة، مدفوعة بمشاريع صيدلانية طموحة تسعى لتعزيز الاستقلالية الصحية.
وتسعى الحكومة إلى دعم القطاع عبر سياسات تشجيعية لتعزيز الإنتاج المحلي وتحسين جودة الأدوية، حيث أكد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور على ضرورة توجيه الصناعة الدوائية نحو التصدير لضمان استدامتها وتنافسيتها على المدى الطويل.
وتعتبر هذه الصناعة جزءًا من مخطط التسريع الصناعي، ما يعكس التزام الدولة بتطوير هذا القطاع الإستراتيجي، وقد يؤدي إلى زيادة حجم السوق في المستقبل من خلال توطين الإنتاج.
ويأتي ذلك بعدما تحوّلت مختبرات محلية من مجرد وحدات إنتاج صغيرة إلى مجموعات تصدّر أدويتها إلى بلدان مثل ليبيا والجزائر والسعودية وعدد من الدول الأفريقية.
وذكّر فاضل بمشروع “ماربيو” الذي يمثل “تحولا بارزا في مجال إنتاج اللقاحات بالمغرب، فبفضل وحدة بنسليمان، باتت لدينا بنية تحتية حديثة قادرة على الاستجابة للحاجيات المحلية والقارية، وضامنة للمزيد من السيادة على مستوى اللقاحات وإنتاج الأدوية الحيوية البديلة.”
وهناك عدة مشاريع هي في طور الإنجاز في قطاع البدائل الحيوية الإستراتيجي، الذي يعد أساسيا للسماح بالوصول إلى علاجات مبتكرة وبأسعار متحكم فيها. وقال فاضل “هذا المستجد يمكن من التكفل بأمراض مزمنة وضمان المزيد من التوفر للعلاجات الحيوية.”
وتظهر معطيات رسمية أن سوق الأدوية في المغرب يمتلك إمكانيات كبيرة للنمو، ولكنه يواجه تحديات تتعلق بالأسعار والشفافية، ما يستدعي جهودًا لتحسين البيئة التنظيمية والاقتصادية في هذا القطاع.
كما يحتاج إلى الانفتاح على استثمارات تهدف إلى الرفع من القدرة التنافسية ومواكبة تعميم التغطية الصحية بالبلاد.
وسجل البلد إنجازات مهمة في مجال تصنيع الأدوية الجنيسة وتطوير أدوية بيولوجية ومضادة للسرطان، ما أسهم في خفض كلفة العلاج بشكل كبير لفائدة المرضى، وساهم في دعم الأمن الصحي، خاصة خلال فترات الأزمات كجائحة كوفيد – 19.
وقال رئيس الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية سمير عاهد أن “صناعتنا الدوائية، بمنشآتها البالغ عددها 56، تغطي اليوم أكثر من 75 في المئة من حاجيات النظام الصحي الوطني وتصدر إلى العديد من الدول الأفريقية وخارجها.”
ولفت إلى مشروع “ماربيو” الذي يساهم ليس فقط في تعزيز “سيادتنا الصحية” فقط، بل في جعل المغرب فاعلا رئيسيا في هذا المجال الإستراتيجي على المستوى القاري من خلال تمكينه من إنتاجات للقاحات والأدوية البيوتكنولوجية محليا.
ويُصنف المغرب كأحد أكبر منتجي الأدوية في أفريقيا، حيث يحتل المرتبة الثانية، والخامس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع إنتاج سنوي يتجاوز 450 مليون علبة دواء.
وأكد رئيس الفيدرالية المغربية للصناعة الدوائية والابتكار الصيدلاني محمد البوحمدي أن بلده يطمح إلى التموقع كمحفز للسيادة الدوائية في أفريقيا.
وشدد على أن القناعة تعززت بأن أسواق القارة لم تعد تنتظر العلاج من الخارج، بل “صارت مستعدة لتولي مسؤولية مصيرها الصحي.”
واستفاد المغرب منذ فترة طويلة من خبرته مع أوروبا، ولاسيما من خلال هيكلة الشراكات مع الشركات متعددة الجنسيات الكبرى والمنظمات الدولية، وأن هذه التجربة يمكن أن توضع في خدمة القارة في إطار منطق التقاسم والتعاون فيما بين بلدان الجنوب.
وقال البوحمدي إن “القطاع جاهز لتولي هذا الدور الإستراتيجي، إذ يمتلك القدرة الإنتاجية الكافية لتلبية غالبية الاحتياجات الوطنية والقارية،” مضيفا أن “الوقت حان لبناء قارة لا يبقى فيها انقطاع الإمدادات أمراً قاتلاً.”
وشهد القطاع تطورًا ملحوظًا خلال الوباء، حيث تم عقد شراكات مع مختبرات دولية لإنتاج اللقاحات محليًا، ما يعزز من مكانة البلد كمنصة بيولوجية مهمة في أفريقيا.
وأورد تقرير حديث صادر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، ارتفاع رقم المعاملات لدى الشركات المشتغلة في هذا المجال، وهذه الديناميكية تم ربطها بعاملين اثنين.
ويتعلق العامل الأول بتعميم التغطية الصحية وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 7 في المئة، التي كانت مطبقة على الأدوية، على اعتبار أنهما في نهاية المطاف تسببا في زيادة معدل استهلاك الأدوية، موازاة مع ارتفاع عدد الكبار في السن.
أما العامل الثاني فيرتبط أساسا بالطلب الخارجي على الأدوية المغربية، خصوصا في القارة الأفريقية.