نهاية عصر "الكرش العظيم"!

عندما كان العالم بسيطًا، قبل ظهور تطبيقات حساب السعرات الحرارية، كان الكرش أعظم إنجاز يمكن للإنسان تحقيقه. فهو دليل على الثراء، الجاه، والهيبة الاجتماعية. من يملك طعامًا كافيًا ليملأ معدته، لا يمكن أن يكون سوى سيد محترم وصاحب نفوذ.
أما النساء، فقد كان معيار الجمال واضحًا؛ كلما زادت الأرداف امتلاءً، ارتفع سقف المنافسة بين أمهات العرسان الباحثات عن زوجة قادرة على الإنجاب. كانت الأم التي تريد تزويج ابنها تنظر إلى المرشحة بعين خبيرة: “تلك الفتاة نحيفة؟ يا للكارثة! كيف ستنجب؟ كيف ستحمل طفلًا دون أن تترنح مثل شجرة في مواجهة الرياح؟ نريد امرأة ذات أرداف راسخة كجذور النخيل!”
وكأن الأمر لم يكن عبثيًا بما يكفي، جاءت بعض مؤسسات التمويل في الدول الفقيرة بفكرة أكثر جنونًا: قياس وزن المتقدمين للحصول على قروض، فإذا كنت تريد تمويلًا لمشروعك، كل ما عليك فعله هو إظهار كرشك الذي يعكس استقرارك المالي! إذ يُنظر إلى الوزن الزائد على أنه مؤشر على الاستقرار الاقتصادي.
لكن العالم قرر أن يغيّر قوانين اللعبة. بعد سنوات من المجد، ينزل الكرش عن العرش الذي تربع عليه طويلًا، غير قادرٍ على مقاومة هجمات التقارير الطبية والتحذيرات الصحية، التي تضعه في قفص الاتهام.
الدفاع عن الكرش يعود إلى عصر كان فيه الطعام الجيد علامة على الثراء، أما اليوم، فقد أصبح الكرش دليلًا على استهلاك أطعمة منخفضة الجودة، تُباع بأرخص الأسعار. لم يعد رمزًا للوفرة والجاه، بل تحول إلى نتيجة مباشرة لاقتصاد الغذاء الرديء، وتذكرة سريعة إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات.
أما الأرداف الممتلئة، التي كانت تُبجل كرمز للخصوبة والجمال، فلم تعد تحظى بالإعجاب ذاته، بل أصبحت مثار قلق لدى خبراء الصحة، الذين يحذرون من ارتباطها بارتفاع ضغط الدم، السكري، وتصلب الشرايين.
حتى في الدول الفقيرة، حيث كان الجوع يُفترض أن يكون المشكلة الكبرى، باتت البدانة أزمة متفشية بسبب سوء التغذية.
ماذا حدث؟ كيف يمكن لشعوب بالكاد تجد ما تأكله أن تُعاني من زيادة الوزن؟
الأمر بسيط: المأكولات الرخيصة والمصنعة أصبحت الخيار الأول للفقير الباحث عن وجبة مشبعة بأقل تكلفة ممكنة. وهكذا، بينما لا يزال الفقراء يعانون من نقص الغذاء الصحي، فإنهم يُحاصرون أيضًا بأمراض مرتبطة بالبدانة.
بعد أن كان الفقراء يموتون جوعًا، أصبحوا اليوم يموتون من كثرة تناول الطعام السيئ. لم يتغير شيء سوى طريقة الموت!
ما كان يومًا رمزًا للقوة، الثروة، والجمال، أصبح مشكلة صحية عالمية. النساء اللواتي كنّ يُبجّلن لأنهن ممتلئات، يُحاربن الآن البدانة بالأنظمة الغذائية القاسية وارتياد مراكز التخسيس، والرجال الذين كانوا يفتخرون بالكرش، باتوا يقيسونه بقلق في عيادات الأطباء.
ما يحدث اليوم ليس ثورة غذائية، بل مجرد انتقال من شكل قديم للمأساة إلى شكل جديد. فبدلًا من الجوع الذي كان يُبقي الناس نحفاء، حلت البدانة التي تورثهم الأمراض.
وهكذا، ما كان بالأمس رمزًا للهيبة الاجتماعية والجاه، تحول اليوم إلى عبء صحي يستدعي خطة إنقاذ فورية، وكأن التاريخ قرر أن يلعب دوره في الانتقام من الموروثات القديمة، بإعلان نهاية عصر الكرش العظيم!