من الليغو إلى الذكاء الاصطناعي: كيف فاجأت الصين العالم

يبدو أن الصين لم تكتف فقط باللهو بقطع الليغو بل هي الآن تعيد ترتيب غرفة الألعاب بالكامل.
الجمعة 2025/05/30
هل ينهار احتكار التكنولوجيا؟

قبل ست سنوات، كنت أكتب عن العقبات التي تواجه الصين في مجال التكنولوجيا، حيث بدا أن واشنطن نجحت في عزل بكين عن صناعة أشباه الموصلات، ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الصين، مهما بلغت قوتها الاقتصادية، لن تتمكن من كسر الحصار التكنولوجي الأميركي.

في ذلك الوقت، قال أحد الخبراء إن الصين “تشبه شخصًا قادرًا على صنع تصميمات رائعة من قطع الليغو، لكنه لا يعرف كيف يصنع قطع الليغو نفسها.” كانت هذه العبارة تجسد العجز الذي أرادت واشنطن تكريسه في ذهن صناع القرار الصينيين، ليقتنعوا بأن اللحاق بركب الولايات المتحدة في صناعة الرقائق والبرمجيات أمر مستحيل.

لكن التاريخ علمنا أن التحديات الكبرى لا تقتل الطموح، بل تؤججه. واليوم، بعد ست سنوات من ذلك التقييم المتشائم، لا تبدو الصين فقط قد نجحت في صناعة قطع الليغو – أي الرقائق الإلكترونية – بل إنها باتت قوة غازية في عالم التكنولوجيا الذكية، وأغرقت السوق بنماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي، ما أعاد تشكيل المشهد العالمي.

في السنوات الأخيرة، شددت الولايات المتحدة قبضتها على قطاع التكنولوجيا، ومنعت الصين من الوصول إلى أحدث رقائق الذكاء الاصطناعي، وحصرت النماذج الأكثر تطورًا خلف قيود صارمة. بدا وكأن واشنطن وضعت حاجزًا أمام بكين لا يمكن تجاوزه، وأنها ستظل معزولة عن قمة الابتكار التقني.

نهج الصين الجديد لا يعكس فقط قدرتها على التصنيع والتطوير، بل يحمل بُعدًا إستراتيجيًا عميقًا

لكن الصين لم تردّ على هذه الضغوط بالانغلاق، بل اتخذت مسارًا مختلفًا تمامًا: غمرت العالم بنماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، متاحة للتنزيل، التعديل، والدمج، في خطوة غير متوقعة قلبت التوازنات في سوق الذكاء الاصطناعي.

خلال الأشهر الأخيرة، ظهر عدد كبير من النماذج المتقدمة في الصين، مثل DeepSeek R1، الذي عده البعض ردًا صينيًا على نموذج OpenAI الشهير. شركات مثل علي بابا طرحت نماذج أخرى مثل QwQ-32B، في سباق مستمر لتوسيع إمكانيات الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بينما كانت الشركات الأميركية لا تزال تحتفظ بنماذجها خلف جدران الدفع والقيود التجارية.

فهل أصبح الذكاء الاصطناعي سلعة متاحة للجميع؟

نهج الصين الجديد لا يعكس فقط قدرتها على التصنيع والتطوير، بل يحمل بُعدًا إستراتيجيًا عميقًا. من خلال طرح نماذج مفتوحة المصدر، لا تتجنب الشركات الصينية العقوبات الأميركية فحسب، بل تعمل أيضًا على لامركزية التطوير، والاستفادة من المواهب العالمية لتحسين نماذجها. حتى القيود المفروضة على رقاقات إنفيديا المتطورة لم تعد ذات تأثير حاسم، لأن بقية العالم يمكنه الآن المساهمة في تدريب وتحسين النماذج الصينية باستخدام أجهزة بديلة.

في المقابل، لا تزال شركات التكنولوجيا الأميركية تتعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه مورد حصري، ما يدفع الكثيرين إلى التساؤل: لماذا ندفع ثمن نماذج مغلقة إذا كان هناك بديل مجانيّ وذو كفاءة مماثلة؟

السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: ماذا لو أصبح الذكاء الاصطناعي منتجًا مفتوح المصدر ومتاحًا للجميع؟

الذكاء الاصطناعي يتطور من خلال التكرار، حيث كل إصدار جديد يبني على الإصدار السابق، ويعالج نقاط الضعف، ويوسع الإمكانيات، ويحسّن الكفاءة. الصين، عبر إتاحة نماذجها مفتوحة المصدر، أنشأت نظامًا بيئيًا يساهم فيه المطورون من جميع أنحاء العالم في تحسين هذه النماذج، دون أن تتحمل بكين جميع تكاليف التطوير وحدها.

هذه الإستراتيجية الجديدة قد تعيد تشكيل الهيكل الاقتصادي لصناعة الذكاء الاصطناعي بالكامل. فإذا استطاعت الصين الاستمرار في تطوير نماذج مفتوحة بنفس قوة النماذج الأميركية المحمية ببراءات الاختراع، فإن القدرة على استثمار الذكاء الاصطناعي كمنتج حصري ستبدأ في الانهيار.

بالنسبة إلى بكين، فإن هذه الإستراتيجية قد تكون أقوى سلاح في حرب التكنولوجيا ضد الولايات المتحدة، حيث تجد الشركات الأميركية نفسها في سباق نحو القاع، حيث الذكاء الاصطناعي متاح للجميع، لكن الأرباح تتضاءل.

السؤال الذي طرحته قبل ست سنوات هو: ماذا لو نجحت الصين في صناعة قطع الليغو؟ واليوم، وبعد أن أثبتت أنها لا تستطيع فقط صناعة القطع، بل أيضًا تغيير قواعد اللعبة، فإن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: ماذا لو أصبح الذكاء الاصطناعي منتجًا مفتوح المصدر ومتاحًا للجميع؟ هل تصبح التكنولوجيا ملكًا للعالم، أم تدفع الحكومات الغربية نحو قيود أكثر صرامة لمنع حدوث ذلك؟

بحسب تقرير موسع لصحيفة فاينانشيال تايمز فإنه وللوهلة الأولى، قد يبدو هذا التصرف من جانب الصين بمثابة تصريح بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مفتوحًا للعالم، وليس فقط لحفنة من الشركات. ولكن في عالم الأعمال والنواحي الجيوسياسية، فنادرًا ما يكون الكرم دون إستراتيجية. وبذلك يصبح السؤال الحقيقي هو: ليس لماذا تُتيح الصين الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بل لماذا افترض العالم أنها لن تفعل ذلك.

في كل الأحوال، يبدو أن الصين لم تكتفِ فقط باللهو بقطع الليغو، بل هي الآن تعيد ترتيب غرفة الألعاب بالكامل.

12