فرنسا تكسر صمت الحلفاء: نتنياهو يجب أن يتوقف

موقف فرنسا يكشف عن بداية مرحلة من الضغوط العلنية وإعادة ترتيب المصالح الإقليمية والدولية في غزة.
الخميس 2025/05/29
الضوء الأخضر الغربي يخفت

في لحظة تبدو فيها إسرائيل غارقة في مأزق عميق داخل قطاع غزة، جاءت دعوة باريس لوقف الحرب وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر لتؤكد أن العالم، أو على الأقل جزء منه، لم يعد قادرا على التماهي مع آلة القتل التي تديرها تل أبيب بلا هوادة.

فرنسا، التي لطالما كانت شريكا تاريخيا في تأسيس الدولة الإسرائيلية، اختارت هذه المرة أن ترفع الصوت، لا من باب القطيعة، بل من باب الحرص الذي بدأ يتحوّل تدريجيا إلى يأس.

ردّ باريس الحاسم على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي اتهم الأوروبيين بـ”التحريض على الكراهية،” لم يكن سوى انعكاس لحقيقة صارت جليّة: لم تعد أوروبا، وفرنسا تحديدا، تبالي كثيرا بانفعالات حكومة يمينية متطرفة غارقة في عزلتها الداخلية والخارجية.

التصريحات الفرنسية جاءت لتذكّر تل أبيب بأن مجازرها لا تمرّ بصمت كما اعتادت، وأن صور المجاعة والقتل والتدمير في غزة تخترق شاشات العالم وتحرّك الرأي العام، حتى في قلب الدول الغربية الداعمة لها تاريخيا.

حادثة إطلاق النار أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، التي أسفرت عن مقتل موظفين إسرائيليين، لم تكن مجرد عمل فردي، بل مؤشّر على تحول خطير. المنفّذ، بحسب الرواية، لم تكن له صلة مباشرة بفلسطين، لكنه تحرك بدافع “العدالة الغائبة” لأطفال غزة.

هذه الحادثة قد لا تكون الأخيرة، وهي دليل على أن إسرائيل لم تعد آمنة لا داخل حدودها ولا في بعثاتها الدبلوماسية حول العالم.

وجه جديد للصراع، لا يقوم فقط على أسلحة ومفاوضات، بل على قناعات شعبية بدأت تتحول إلى مواقف دولية فعلية

هنا يظهر وجه جديد للصراع، لا يقوم فقط على أسلحة ومفاوضات، بل على قناعات شعبية بدأت تتحول إلى مواقف دولية فعلية.

الفلبين، على سبيل المثال، ربطت صفقات تسليح بالمليارات من الدولارات مع إسرائيل بشرط اعترافها بالسيادة الفلبينية في بحر الصين الجنوبي. إسرائيل، المأزومة، لا تملك هامش المناورة، لا مع الفلبين ولا مع الصين، ولا حتى مع حلفائها التقليديين.

لقد تحوّل الحياد الإسرائيلي في الصراع الصيني – الفلبيني إلى عبء على صناعاتها الدفاعية. وهذا مجرد نموذج. فالعالم بدأ يكتشف نقاط ضعف تل أبيب، ويعرف “من أين تؤكل كتفها،” واللاعبون الجدد قد لا يتردّدون في فرض شروطهم في لعبة المصالح الدولية.

إن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في السابع من أكتوبر 2023، لم تعد تملك فيها لا المبادرة ولا السيطرة. لا تحرير للمحتجزين، لا إنهاء لحماس، ولا تهجير جماعيا كما كانت تراهن.

الصمود الشعبي الفلسطيني والإصرار على البقاء في أرض القطاع، رغم المجازر، أفقدا إسرائيل أدوات الضغط والمناورة، وفضحا ضعفها أمام صلابة الأرض ومن عليها.

باتت تل أبيب في موقع لا تُحسد عليه: بين صرخات أطفال غزة التي تجوب العالم، ومطالب الدول التي بدأت تفرض شروطها دون وجل، تبدو القيادة الإسرائيلية وقد فقدت الذكاء السياسي والدبلوماسي الذي طالما تباهت به.

السؤال اليوم ليس عن موعد نهاية الحرب، بل عن اللحظة التي ستصرخ فيها إسرائيل أولًا في لعبة “عض الأصابع.”

هل تستطيع أن تصمد أمام هذا التآكل التدريجي لمكانتها؟ وهل ما تزال تملك من أدوات التأثير ما يسمح لها بإدارة صراع معقد كهذا؟ أم أن “عربات جدعون” التي خاضت بها المعركة، ستنقلب عليها بفعل التشظي السياسي، والانكشاف الأخلاقي، والانحدار الدبلوماسي؟ الجواب قد لا يكون بعيدًا… لكنه بكل تأكيد، لن يكون كما تريده إسرائيل.

6