سبع فوائد للوقاحة

السبت 2014/09/13

البرنامج الشهير “دعوة للعشاء”، الذي تبثه القناة البريطانية الرابعة منذ سنوات والذي حصد شعبية واسعة ونسبة مشاهدة عالية، هو منافسة طبخ بريئة تعتمد الفكاهة والطرفة وتهدف إلى مد جسور الصداقة والتعارف بين الغرباء وقضاء وقت سعيد، حيث تسهم فيه مجموعة من الأشخاص كل حلقة في استضافة الآخرين على العشاء بصورة تبادلية على مدار أسبوع وفي النهاية يتم تقييم كل متنافس، على حدة، من قبل الآخرين بصورة سرية وبالتنسيق مع معدي البرنامج، فيتم اختيار فائز واحد. أما التقييم فينبني على أساس جودة الطعام المقدم ومدى دماثة خلق المضيف إضافة إلى براعته في توفير أجواء مرح لضيوفه.

مارسيليو مارينو يبلغ من العمر 44 عاما وهو أب لثلاثة أطفال، تسنى له المشاركة في البرنامج قبل ثلاثة أعوام، لكنه حصد شعبية فاقت شعبية البرنامج ذاته منذ عرض الحلقة التي شارك فيها ثم إعادتها مراراً خلال الأعوام الثلاثة الماضية. عُرف مارسيليو بأنه الضيف الأكثر وقاحة وخبثا في تاريخ البرنامج، حين تبنى سلوكا متعاليا مع ضيوف البرنامج نساء ورجالا وحول جلسات العشاء المشتركة إلى أوقات عصيبة لبقية المشتركين، تلفظ فيها بأسوأ ما يمكن أن يخطر على البال من كلمات نقد قبيحة وتعبيرات جارحة، دون أن يكون هنالك سبب واضح لسلوكه.

مارسيليو أخبر إحدى المتسابقات التي استضافته بأن وجبتها الرئيسية المكونة من السمك والخضراوات تشبه كيسا من القيء المعجون، كما سخر من تسريحة شعرها وقال لها وهو ينظر إليها باستغراب، إنها يبدو عليها وكأنها لم تستحم منذ مدة طويلة!. فيما لم يسلم الرجل الأصلع الذي شاركهم المسابقة من تعليقاته السمجة، إذ وصفه بأنه يشبه التمثال وأنه يتوجب عليه ارتداء شعر مستعار، وإلا ظن الناس أنه “مثلي” الجنس. هذه بعض من رصاصات الصبي الطائش التي أطلقها بعشوائية على أناس مسالمين شاركوه وجبة عشاء.

وبذلك، استحق مارسيليو جميع الألقاب القاسية التي وصفها به جمهور المشاهدين، ودأبوا منذ بث الحلقة للمرة الأولى على إرسال مكاتيب غضب وتهديد على عنوانه عبر البريد العادي والإلكتروني، إضافة إلى رسائل نصية على هاتفه الجوال، وصفته بالقميء وبالضفدع المغرور وتضمن بعضها تهديدات صريحة بالقتل، أصابته بالرعب وجعلته يتوسل للقائمين على القناة الرابعة بعدم إعادة عرض الحلقة لامتصاص غضب المشاهدين، بل واستعان مؤخرا بالشرطة لحمايته من التهديدات التي حمل بعضها صبغة جدية.

ينسى البعض أن الكلمة الطيبة صدقة، لذلك، أصبحت الوقاحة سلوكا يوميا دارجا ومستفحلا، فهؤلاء المزعجون الذين لا يجدون حرجا من القفز ببراعة على الحد الفاصل بين الصراحة والوقاحة، يلغون ببساطة جميع قواعد الأدب والتهذيب والذوق. ولا أعرف ما هي المكاسب الشخصية لسلوكهم المقيت، هذا إذا كانوا في كامل وعيهم وتبنوا سلوك الوقاحة عن سابق تصور وتصميم، أما إذا كان فعلهم المشين غير إرادي فما هي يا ترى الدوافع والمسببات؟

لا توجد بالضرورة أجوبة شافية لكل الأسئلة، ولكن ماذا لو وجد الشخص الوقح من هو أكثر وقاحة منه؟ وكيف سيكون شعوره ورد فعله عندما يتلقى كلمة نقد جارحة؟

وفي انتظار الجواب، يكفي أن نعرف بأن للوقاحة فوائد اجتماعية جمة لصاحبها، فهي تكسبه احتقار الآخرين، استهزاءهم، مقتهم، اشمئزازهم، عداوتهم، وسخريتهم، والتمتع بالنتيجة الحتمية لكل ذلك؛ العزلة.

21