علاقة المغرب بكينيا تتعزز بشراكة إستراتيجية تخدم التنمية والاستقرار

عزز المغرب تعاونه مع كينيا بشراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد ضمن دبلوماسية اقتصادية دؤوبة بهدف تعميق العلاقات وتوسيع آفاق التنمية، في خطوة تعكس توجهًا متصاعدًا للشراكة يأتي في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة.
الرباط- يشكل توثيق الشراكات بين المغرب وكينيا نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين مع توقيع حزمة من الاتفاقيات التي تفتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة في مجالات مختلفة ذات قيمة اقتصادية ودبلوماسية وسياسية غاية في الأهمية.
ويرى خبراء أن هذا المسار يعكس إدراكًا متزايدًا لدى الدول الأفريقية بأهمية التكامل الاقتصادي، وخاصة مع المغرب كمحرك أساسي لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات الاقتصادية المشتركة.
وما يدعم هذا الاتجاه اعتراف كينيا بسيادة المغرب على أقاليم الصحراء الجنوبية، حيث وضعت نقطة قطيعة مع بوليساريو الانفصالية، بعدما تنبهت إلى أن المستقبل الذي تبنيه وتتطلع إليه يقتضي الانسجام مع رؤى ومبادرات ومشاريع الرباط.
وينبع ذلك من كون المغرب دولة ذات عمق أفريقي وعربي وعلاقات راسخة مع الدول الغربية وشراكات قوية مع دول شرق آسيا وأميركا اللاتينية والصين وروسيا، حيث تتطلع كينيا إلى توسيع مروحة تعاملاتها معها.
واعتبر وزير الخارجية الكينية موساليا مودافادي أن تدشين سفارة لبلده في الرباط الاثنين الماضي يمثل انطلاقة جديدة نحو شراكة أكثر عمقًا بين البلدين، ما يسمح بتوسيع مجالات التعاون وتبادل الخبرات بشكل أكبر في العديد من المجالات.
وأطلقت كينيا مشاريعها في مجالات كثيرة منها زيادة إنتاجها الزراعي وتطوير بنيتها التحتية في التكنولوجيا والسياحة والتعدين، وهذه نقط التقاء مع الإستراتيجية المغربية لتطوير وإصلاح كل ما له علاقة بالاقتصاد والزراعة والسياحة والطاقة وإنتاج الأسمدة، نظرا للخبرة الهامة التي راكمتها الرباط في هذا المجال.
وافتتاح السفارة والاعتراف بالمبادرة المغربية لحل المشكلة المفتعلة بالصحراء المغربية، نتائج لسنوات من الفعل الدبلوماسي المغربي المستمر والفعال، زاد من قيمة ذلك الفعل تأكيد الرئيس الكيني وليام روتو، بعد فترة وجيزة من توليه السلطة في عام 2022، على أنه يولي أهمية بالغة لتدشين صفحة جديدة في العلاقات.
ويعد تكثيف التعاون بين البلدين في التجارة والزراعة والصحة والسياحة والطاقة انطلاقة محور نيروبي – الرباط، وهو ما أكده مودافادي “بأننا نفتح مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية ستوفر للبلدين فرصة تبادل خبراتهما بشكل أفضل في عدة مجالات للتعاون.”
ومنذ سنوات تعمل الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في محور جنوب وشرق أفريقيا من أجل تحقيق إنجازات مهمة ليس مع كينيا فقط، بل في موزمبيق وأنغولا وتنزانيا ومدغشقر وجنوب أفريقيا وأثيوبيا.
واتفق البلدان على تعزيز التشاور السياسي الثنائي، كونهما قطبين مهمّين في معادلة الاستقرار بالقارة، ولهما نظرة استشرافية لمستقبل الاتحاد الأفريقي، ومن المتوقع أن تحاصر مواقف نيروبي تواجد كيان انفصالي مدعوم من الجزائر.
◙ تطلعات كينيا تلتقي مع الإستراتيجية المغربية لتطوير الاقتصاد والزراعة والسياحة والطاقة والأسمدة
ويتعزز ذلك بعدما أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن “المغرب يعتبر كينيا فاعلًا أساسيّا ومحوريا في أفريقيا، وعنصرًا دافعًا للسلام فيها.”
وشدد على أن “زيارة وزير الخارجية الكيني إلى الرباط هي زيارة تاريخية مهمة، ستُعطي دفعة قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في ظل المواقف الكينية البنّاءة من قضية الوحدة الترابية للمملكة، التي أعطت دفعة قوية لهذه العلاقات.”
وساهمت عوامل مشتركة بين البلدين في التقارب وتضييق الفجوة التي ساهمت في إيجادها سياسة تضليل انتهجتها الجزائر واشتغلت على توسيعها لسنوات طويلة من تسويق مشروع انفصالي لم يتحقق، عكس ما رصدته كينيا في ما تحقق في المغرب عموما والجنوب المغربي من تنمية وتطوير البنية التحتية والزراعة والاقتصاد الأزرق.
وتشترك الحكومتان في تأكيدهما على أهمية الاقتصاد الأزرق، بما في ذلك صيد الأسماك والسياحة البيئية وتربية الأحياء المائية، باعتباره الاتجاه الجديدة للتحول الاقتصادي وتوفير فرص العمل والإدماج الاجتماعي.
كما أن الزراعة شكلت على مدى عقود عديدة العمود الفقري للاقتصادين المغربي والكيني، حيث ساهم القطاع بشكل مباشر بأكثر من 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكينيا.
ويعتبر الجفاف والتغير المناخي من بين التحديات التي تواجه البلدين وتحتاج إلى تكاثف الجهود وتبادل المعطيات بشأن التعامل مع تداعياتهما ميدانيا بالأمن الغذائي واستخدام الأراضي والمياه، ففي عام 2011 جلب جفافٌ مُدمّرٌ أهوالَ المجاعة إلى منطقة القرن الأفريقي.
ولا تزال صورُ تلك الفترة محفورةً في أذهان الكثيرين، وكذلك قصصُ من عجزوا عن الحصول على الغذاء والماء في إثيوبيا والصومال وجيبوتي، وشمال كينيا المنطقة الشاسعة، التي يقطنها 16 مليون نسمة، كما أثر ذلك سلبا في المغرب خلال السنوات الأخيرة.
وستعول كينيا على المملكة المغربية في ما يتعلق بالأمن الغذائي بوصفها خامس أكبر اقتصاد في أفريقيا، وفي إطار معادلة رابح – رابح سيكون المغرب مستعدا للتعاون مع الكينيين في توفير الأسمدة والخبرة في المجال الزراعي والصناعات الغذائية.
والمغرب رائد عالمي في إنتاج الأسمدة الفوسفاتية وإنشاء مصنع للأسمدة على الأراضي الكينية مشروع مستقبلي سيضمن إمدادات مستقرة وبأسعار معقولة للمزارعين الكينيين لوضع حد للنقص في هذه المواد.
وأدرك أصحاب القرار بكينيا أن دعم الانفصاليين لن يفيدهم في شيء، فالبراغماتية والواقعية السياسية اقتضتا منهم تغيير الوجهة وفتح الطريق من نيروبي إلى الرباط، في خط يجمع السياسة والاقتصاد في نظرة واحدة، ولن تفيدهم بوليساريو في ابتكار الآليات للتعامل مع قطاعات حيوية تتعلق بالهجرة وتشغيل الشباب والزراعة.
والمغرب موثوق ويمكنه المساهمة في التعامل مع تقرير البنك الدولي عن حالة الزراعة في كينيا الصادر في ديسمبر الماضي، والذي أكد أن القطاع انكمش بنسبة 1.5 في المئة في النصف الأول من عام 2022، وأن هذا الأداء الضعيف أدى إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة.
وتسعى كينيا إلى الاستفادة من الخبرات المغربية في مجال الطاقة المتجددة، خاصة في مجال إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلى مدار السنوات الماضية أُجريت محادثات مكثفة بين المسؤولين في البلدين بهدف تطوير إستراتيجيات مشتركة لمواجهة تحديات التغير المناخي، بما في ذلك التعاون في مجالات تدبير النفايات وتطهير المحيطات.