عدوّك الذي تهواه

نحن نعلم كم أن الصحة غالية والجسد أمانة لدينا، ولتحيى بأقل الخسائر الجسدية الممكنة عليك أن تقاطع العدوّ الذي تهواه.
الأربعاء 2025/05/28
نادرا ما يملك المرء الشجاعة والصبر لترك عادة التدخين

قد يتبادر إلى ذهنك أن هذا العدوّ الذي تهواه، لن يكون غير زوجك أو زوجتك، ألم تمر على أغلبنا تلك التدوينة المضحكة التي تكرّر مثلا مكسيكيا يقول “الزواج هو الحرب الوحيدة التي تنام فيها بجانب العدوّ،” وهو وإن كان عدوّا يواجهك كل يوم، كاشفا مهاراتك ونواقصك، إلا أنك لا تستطيع الابتعاد عنه، ربما بسبب ظروف الحياة أو رغبة في الاستمرار من أجل الأولاد، أو حتى بسبب الاعتياد أو في أفضل الحالات وأجملها بسبب الحب، فحبك لشريك حياتك لن يعني أبدا أنك ستغتاظ منه، ستودّ إسكاته، سترغب في قتله مرات، ستتصارعان على أفكار وسلوكيات، هكذا هي الحياة، لن يطيق أحد العيش مع آخر 24 ساعة يوميا دون أن يتحول أحيانا إلى شبح عدوّ يلاحقك في كل مكان.

لكن العدوّ الأكبر الذي يهواه الأغلبية هو عدوّ آخر، غير بشري، إنما هو سبب فناء نسبة كبيرة من الجنس البشري، إنه التبغ بكل أنواعه.

يوجد حاليا حوالي 1.1 مليار شخص مدخن في العالم. هذا يعني أن حوالي 22.3 في المئة من سكان العالم يتعاطون التبغ. وتقول الإحصائيات إن 80 في المئة من متعاطي التبغ يعيشون في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

أغلبية المدخنين أوصلهم الفضول لإدمان التبغ، قد يتذكر بعض الذكور تحديدا كيف كانوا يسرقون السيجارة من علبة التبغ لآبائهم، ويجتمعون مع الأصدقاء لتقاسمها، أو ربما كانت أول سيجارة يجربها مع أبناء الحي. هو الفضول غير المنظم من يرمي بالإنسان دائما في مغامرات قد لا يستطيع التحرر منها.

سيجارة خلف أخرى، يوما تلو الثاني، ليجد الإنسان نفسه مدمنا على جرعة النيكوتين اليومية، البعض لا يمكنه الكلام والتركيز صباحا إلا بعد تدخين أول سيجارة، البعض الآخر يتحول إلى كائن عصبي بمجرد أن يصوم شهر رمضان.

رغم كل ذلك، نادرا ما يملك المرء الشجاعة والصبر لترك عادة التدخين.

“هي الوحيدة التي تتحرق على خاطري”، (هي الوحيدة التي تحترق من أجلي) هكذا يكرر بعض الشباب في تونس عبارة ينتشون بها، وبفكرة أن السيجارة تحترق من أجل أن يعدل مزاجه.

لا توجد إحصائيات حديثة عن نسب المدخنين ومعدل التدخين في الدول وخاصة العربية إلا أن آخر إحصائيات تعود إلى العام 2016 أثبتت أنه في تونس على سبيل المثال، يدخن الفرد الواحد نحو 1583 سيجارة سنويا بينما يدخن الأردني 6544 سيجارة كل عام.

اليوم أريد أن أقول إن التدخين أصبح حقيقة يمثل خطرا كبيرا على صحة البشر، يتزامن ذلك مع اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ الذي يحييه العالم في آخر يوم من شهر مايو كل سنة.

التدخين بشقيه الإيجابي والسلبي، أي أن تكون مدخنا أو تستنشق دخان سجائر الموجودين حولك، هو آفة، آفة حقيقية تنخر الأجساد.

اليوم قد لا يدرك البعض خطورة ما يفعله بجسده، قد يتلذذ بالتعامل مع العدوّ الذي يهواه، منجرفا خلف عشقه لمواده المخفية بينما حين يهاجمه الألم ويكتشف أنه أصيب بأحد الأمراض جراء سنوات من التدخين سيندم على كل سيجارة “احترقت من أجله” وهي في الحقيقة تحرق جسده دون أن يشعر.

معظمنا يعرف أحدا من معارفه أو أهله أهلكه التدخين وتحسر على كل يوم لم ينتبه فيه لصحته، لقد شاهدنا كل الإعلانات المحذرة من مخاطر التبغ، والبعض كلما تأمل علبة السجائر وعليها “التدخين قاتل” فكر في اللحظة المناسبة لترك العادة السيئة، لكننا لو انتظرنا التوقيت المناسب لفعل ما نفكر فيه فلن نفعل أشياء كثيرة في الحياة. نحن نعلم كم أن الصحة غالية والجسد أمانة لدينا، ولتحيى بأقل الخسائر الجسدية الممكنة عليك أن تقاطع العدوّ الذي تهواه.

18