أزمة ثقة بين المغاربة والأحزاب تثير المخاوف من عزوف انتخابي

الرباط - كشفت نتائج استطلاع حديث صادر عن مؤسسة "أفروبارومتر" عن أزمة الثقة بالأحزاب وبعض المجالس المنتخبة، ما يضع المؤسسات والأحزاب أمام تحديات كبيرة في تعزيز المشاركة السياسية وإعادة بناء الثقة بين المواطن والأحزاب بشكل خاص.
يأتي ذلك في وقت لا يزال فيه الكثير من الناخبين المغاربة مترددين في التصويت في الاستحقاقات المقبلة.
ويرى 45 في المئة من المستجوبين أن بعض المستشارين في المجالس المنتخبة متورطون في الفساد، و22.8 في المئة قالوا إن الغالبية منهم كذلك، و34.1 في المئة من المستجوبين أكدوا أنهم لن يصوتوا في الانتخابات المقبلة.
وأكدت نتائج الاستطلاع استمرار العزوف الانتخابي وأن فقدان الثقة بالعملية السياسية والأحزاب لا يزال عميقًا، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، واستمرار مظاهر الفساد، ما يضع البلاد أمام تحديات كبيرة في تعزيز المشاركة السياسية وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات.
وأشار الاستطلاع إلى أن المشاركة قد تكون أقل من تلك المسجلة في انتخابات 2021، والتي لم تتجاوز 50 في المئة، وتوزعت الإحصائيات بين 33.8 في المئة لم يحسموا موقفهم بعد، وبين من أعلنوا نيتهم التصويت بنسب متقاربة على الأحزاب، حيث حل حزب الاستقلال في المقدمة بـ4 في المئة، يليه حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية بـ3.8 في المئة لكل منهما، ثم التجمع الوطني للأحرار بـ3.2 في المئة.
وحسب مؤسسة “أفروبارومتر”، المتخصصة في استطلاعات الرأي بالقارة الأفريقية، فإن الفساد كان أحد أبرز المؤشرات السلبية التي رصدتها، إذ قالت إن 43.8 في المئة من أعضاء الحكومة متورطون فيه، و20.2 في المئة رأوا أن معظمهم كذلك، و8 في المئة أكدوا أن الجميع متورط، وفي البرلمان يرى 45 في المئة أن بعض البرلمانيين فاسدون، و22.7 في المئة قالوا إن الغالبية منهم كذلك، وداخل المجالس المنتخبة يرى 45 في المئة أن بعض المستشارين الجماعيين متورطون في الفساد، و22.8 في المئة قالوا إن الغالبية منهم كذلك.
وأكد رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري، أن “هناك أسئلة محرجة حول أداء بعض المؤسسات المنتخبة خاصة على الصعيد الترابي مع تزايد المتابعات التأديبية والقضائية لمجموعة من المنتخبين من جهة وما تشهده بعض دورات مجالس الجماعات الترابية من مؤشرات مخيفة وسلوكات غير لائقة، وهو ما يحيلنا على الحاجة إلى مدونة سلوك ملزمة تعيد ثقة المواطن بالمؤسسات المنتخبة خاصة مع تراجع نسب المشاركة في مجموعة من الاستحقاقات الجزئية في المدن كما في القرى.”
ومع اقتراب موعد الانتخابات يتجدد النقاش حول عزوف الشباب والمواطن المغربي عن المشاركة السياسية، حيث ذهب تقرير المعهد المغربي لتحليل السياسات في نفس الاتجاه مسجلا أن المؤسسات المنتخبة تسجل ضعفا لثقة المغاربة حسب استطلاعات الرأي، ففي حالة الأحزاب السياسية ذكر حوالي 77 في المئة من المغاربة أنهم لا يثقون بجميع الأحزاب السياسية، فيما قال حوالي 68 في المئة إنهم لا يثقون بالمؤسسة التشريعية.
الشبيبات الحزبية تظهر كأداة لإعادة بناء العلاقة مع الجيل الجديد، بهدف إحياء الأمل في إمكانية التغيير من داخل التنظيمات
وأكد خبراء المعهد المغربي لتحليل السياسات أن مجمل النتائج المتوصل إليها تؤكد تراجع مستويات ثقة المغاربة بالقطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن السبب الأساسي وراء تراجع الثقة يكمن في تردي الوضع الاقتصادي لشرائح واسعة من المواطنين، الناتج عن الارتفاع الواضح لمختلف الأسعار خلال السنة.
ولا تزال نسبة الشباب المسجلين في اللوائح الانتخابية محدودة، بحسب اللوائح الانتخابية التي بلغ فيها عدد المسجلين 17286278 ناخبا، حيث لا تتجاوز 4 في المئة للفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة، في حين ترتفع النسبة إلى 16 في المئة بالنسبة إلى الفئة ما بين 25 و34 سنة، ما يعكس استمرار ضعف انخراط هذه الفئة في العملية السياسية، وللتغلب على هذه الظاهرة دشنت أحزاب الأغلبية مبادرات شبابية تهدف إلى إشراك الشباب في الحياة السياسية.
وأكد رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية لـ”العرب”، أن “هناك بالفعل أزمة ثقة لفئات واسعة من الشباب في القيادات السياسية التي أثبتت عدم فاعليتها وعجزها عن مجاراة الزمن الدستوري ومتطلبات المواطن المغربي، لهذا تجدها تلهث فقط إلى استقطاب الشباب ليكونوا خزانا انتخابيا لا غير، وهو ما يزيد الفجوة بين الأحزاب والمواطن الذي يفضل العزوف الانتخابي.”
وأطلق حزب الأصالة والمعاصرة مبادرة تحت عنوان “جيل 2030″، تهدف إلى إشراك شباب المغرب في صياغة السياسات العمومية وتمكينهم من لعب دور فاعل في التحولات المجتمعية التي تشهدها المملكة، وتعهد قبله الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة بإطلاق أوراش في جميع أنحاء المملكة من أجل جمع آراء الشباب ومناقشة قضاياهم بشكل ديمقراطي، وذلك بهدف صياغة تعاقد جديد مع هذه الفئة الهامة.
وأكد عبدالله الحرشي، عضو المجلس الوطني للأصالة والمعاصرة، أن “من الأسباب الرئيسية لهذا العزوف أزمة الثقة تجاه الأحزاب، بسبب غياب التجديد داخل التنظيمات الحزبية وتحول العمل الحزبي إلى مجرد عملية مصلحية وانتخابية،” مضيفا أن “هذا الأمر أدى إلى انغلاق الأحزاب، ما خلق بيئة غير مشجعة على المشاركة، وفي هذا السياق تظهر الشبيبات الحزبية كأداة لإعادة بناء العلاقة مع الجيل الجديد، بهدف إحياء الأمل في إمكانية التغيير من داخل التنظيمات.”