وجه خفي للدبلوماسية الجزائرية

الحديث عن دعم تقرير المصير ليس سوى واجهة لتمرير سياسات خداع دولي وضغط سياسي غايته الحقيقية محاصرة المملكة المغربية والتشويش على استقرارها ونموذجها التنموي ومسارها الديمقراطي.
الثلاثاء 2025/05/27
صندوق أسود..ماذا يخفي داخله؟

في الوقت الذي كان فيه النظام الجزائري يروّج، على مدى عقود، لأسطوانة “تقرير المصير” لميليشيات بوليساريو، بدأت الغشاوة الأيديولوجية تنكشف عن وجه مشروع سياسي مضلل، تحركه أيادٍ عسكرية مغلّفة بزيّ دبلوماسي، تموّله صناديق سوداء لا تخضع لأيّ رقابة تشريعية أو مالية.

الوقائع التي تتسرب تباعا من كواليس وزارة الخارجية الجزائرية تكشف أن معظم من تعاقبوا على منصب الوزير لم يكونوا سوى خازنٍ لميزانية سوداء مخصصة لشراء الولاءات. ولعل الفترة الأكثر “سخاء” كانت تلك التي أشرف عليها رمطان لعمامرة، التي تحوّل الجهاز الدبلوماسي خلالها إلى شبكة ضغط وشراء ولاءات، امتدت من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، مرورا ببعض الدوائر الأممية ومنتديات القارات الهامشية.

الحديث عن “دعم تقرير المصير” ليس سوى واجهة لتمرير سياسات فساد دولي ورشاوى سياسية، غايته الحقيقية محاصرة المملكة المغربية والتشويش على استقرارها ونموذجها التنموي ومسارها الديمقراطي. في المقابل، لا يعلم الشعب الجزائري شيئا عن حجم الأموال التي استنزفت من ثرواته، والتي ذهبت في شكل امتيازات وسفريات ومناصب لمجموعة مرتزقة لا شرعية لها، ولا مستقبل لكيانها المصطنع في تندوف.

◄ ما يحدث اليوم في الجزائر ليس سوى بداية لانكشاف الحقائق، ولا بدّ أن يأتي يومٌ يُسائل فيه الشعبُ من صادر مستقبله باسم “قضية” لم تكن يوما قضيته

فضيحة مزدوجة، السلطة والمعارضة في قارب واحد. والأدهى أن بعض أحزاب المعارضة الجزائرية، التي تدّعي محاربة الفساد، متورطة بدورها في صفقات الابتزاز السياسي، حيث تبين أن سكوتها لم يكن مجانيا، بل كان مقابل امتيازات وصمت إستراتيجي يضمن لها البقاء تحت سقف “المسموح” من قبل المؤسسة العسكرية، التي لا تتسامح مع أي اختراق حقيقي لدوائر النفوذ.

أما المناورات العسكرية المتكررة التي يشرف عليها سعيد شنقريحة، رأس النظام العسكري، فهي ليست إلا محاولة يائسة لصناعة عدوّ خارجي للهروب من السقوط الداخلي، وتحويل انتباه الشارع الجزائري عن انفجار داخلي مرتقب إلى خطر مزعوم على الحدود. لكن الحقيقة أن الخطر الحقيقي لا يأتي من دول الجوار، بل من بنية النظام نفسها، وسلطة عسكرية متسلطة، فاقدة للشرعية الشعبية، تدير البلاد بمنطق الغنيمة والولاء، لا بمنطق المؤسسات والدولة الحديثة.

معضلة العلاقات الخارجية للجزائر هي نظام يعادي الجميع. ولا يمكن إغفال حقيقة أن الجزائر تعاني أزمة دبلوماسية شاملة، ليس فقط مع المغرب، بل أيضا مع تونس، الإمارات، ليبيا، مالي، فرنسا، إسبانيا، وحتى بعض المنظمات الإقليمية التي بدأت تتململ من الخطاب الجزائري المتكلّس. وهذا يثبت أن المشكلة ليست في الخارج، بل في الداخل، حيث لا تزال عقلية الإدارة موروثة من زمن الحرب الباردة، ومن التيار الستاليني المنبوذ، الذي لم يدرك أن الزمن قد تغيّر، وأن لغة شراء الذمم لم تعد تجدي في عصر المعلومة.

أسئلة ملحّة تُطرح اليوم على الساحة الجزائرية: من سيحاسب على المليارات من الدولارات التي صُرفت خارج الحدود؟ ومن سيكشف للشعب حقيقة ما جرى خلف الكواليس باسم قضية “تقرير المصير”؟ ومن يوقف مسلسل تضليل الرأي العام عبر صفقات الإعلام المنحاز والمنظمات المدفوعة سلفا؟

ما يحدث اليوم في الجزائر ليس سوى بداية لانكشاف الحقائق، ولا بدّ أن يأتي يومٌ يُسائل فيه الشعبُ من صادر مستقبله باسم “قضية” لم تكن يوما قضيته.

9