"الشارع مقابل الشارع": طرابلس تدخل مرحلة تجييش خطيرة

دخلت طرابلس مرحلة “الشارع مقابل الشارع” في سياق عملية التجييش التي تقودها السلطات الحاكمة غربي البلاد في مواجهة معارضيها والمنادين بتشكيل حكومة موحدة تتولى قيادة البلاد نحو الانتخابات.
واعتبر مراقبون أن مظاهرة الدعم لعبدالحميد الدبيبة لم تشهد نفس الزخم الشعبي الذي عرفته مظاهرات المعارضة رغم الظروف الملائمة التي تمت تهيئتها من قبل الحكومة، لكنهم حذروا بالمقابل من أن الإصرار على الدفع بالشارع نحو توازن الرعب يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية على السلم الاجتماعي.
ورجح المراقبون أن يكون البيان الصادر عن مظاهرة السبت قد تمت كتابته من قبل الفريق الحكومي المكلف بالرد على احتجاجات المعارضة.
ويعتقد محللون ليبيون أن حكومة الدبيبة تتجه للبقاء مؤقتا في الحكم، ولكن الأمر لا يعني انتصارها وهزيمة المعارضة وتراجع أصوات المحتجين، محذّرين من العودة إلى مربع الفوضى والانفلات نتيجة وجود قناعة راسخة لدى الشارع بأن الدبيبة يتمسك بالكرسي لخدمة مصالحه ومصالح المقرّبين منه ولتمرير أجندات إقليمية ودولية تتعارض مع مصلحة الدولة والمجتمع، وهو ما ينذر بانفجار وشيك لبركان الغضب، وهو ما تحاول قوى داخلية تلافيه.
الإصرار على الدفع بالشارع نحو توازن الرعب يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية على السلم الاجتماعي
وشهد ميدان الشهداء، مساء السبت، مظاهرة حشدت لها حكومة الوحدة المنتهية ولايتها والميليشيات المحسوبة عليها بهدف خلط الأوراق وتعميق الأزمة وإقناع المجتمع الدولي بعدم وجود إمكانية للاتجاه نحو تشكيل حكومة موحدة إلا في حالة واحدة وهي حل جميع الأجسام السياسية، وهو ما يعني الدفع بالبلاد نحو الفراغ السياسي التام وبالتالي إلى الفوضى الأمنية والاجتماعية.
ورفع المتظاهرون الموالون للدبيبة شعارات تطالب بإسقاط مجلسي النواب والدولة، معتبرين أنهما “عقبة أمام أي حل سياسي حقيقي”، كما طالبوا بحل كافة التشكيلات المسلحة، وإقامة دولة مدنية قائمة على سيادة القانون ومؤسسات الدولة، لافتين إلى أن “إسقاط حكومة الوحدة الوطنية فقط دون حل باقي الأجسام السياسية يعد محاولة لإعادة إنتاج الأزمة بطرق جديدة، وإدخال العاصمة طرابلس في دوامة جديدة من الفوضى السياسية والأمنية”، على حد تعبيرهم.
وردّد المتظاهرون شعارات من بينها “الشعب يريد إسقاط مجلس النواب” و”لا لحكم العسكر” وحملوا لافتات كتب عليها “لا للميليشيات نعم للدولة” و”لا لحكم العسكر” و”ندعم حكومة الوحدة الوطنية”.
وأعلن المتظاهرون في بيانهم تأييدهم الكامل لحكومة الوحدة الوطنية في حملتها لتفكيك الميليشيات وبسط سلطة الدولة والدعم المطلق للجيش والشرطة باعتبارهما الجهتين الشرعيتين الوحيدتين لحفظ الأمن.
ودعا بيان المظاهرة المجلس الرئاسي إلى تحمّل مسؤوليته وإلغاء جهاز الردع، وسحب كافة السجون من سيطرته ومنعه من أي اعتقال خارج القانون، مطالبا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المعتقلين خارج إجراءات النيابة العامة، وتمكين لجنة قضائية محايدة من مراجعة كافة ملفات التوقيف والتحقيق.
كما طالب المتظاهرون بالإخلاء الفوري لكافة المعسكرات داخل العاصمة طرابلس والمطارات وإنهاء الوجود المسلح غير النظامي في قلب المدن الليبية، وتنفيذ الترتيبات الأمنية دون تأخير بإشراف مؤسسات الدولة وحدها دون تدخل أي قوى موازية من جهات خارجة عن القانون.
ووجه البيان الدعوة العاجلة للذهاب المباشر والاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات البرلمانية دون مماطلة أو اشتراطات مفروضة، فالشعب هو مصدر الشرعية الوحيد، محمّلا مجلس النواب مسؤولية التواطؤ والتخاذل، إذ أصبح جسما واقعا تحت الترهيب والابتزاز حسب نص البيان.
وأكدت أوساط ليبية مطلعة أن مظاهرة السبت، كان الهدف منها الرد على مظاهرتي الجمعة الماضية والجمعة التي سبقتها، وقد تم تنظيمها تحت إشراف حكومي مباشر، وهي تدخل ضمن الخطة التي وضعها وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي لإقناع المراقبين الدوليين بأن الشارع الليبي منقسم على نفسه، وكما أن هناك معارضين، فإن هناك من الشعب الليبي من يبدون تمسكهم بالحكومة وتأييدهم لخطواتها المعلنة مؤخرا.
وفيما تم نقل العديد من المشاركين في حافلات إلى وسط طرابلس من مدن مجاورة مثل مصراتة التي تبعد 200 كيلومتر إلى الشرق والعزيزية على بعد 50 كيلومترا إلى الجنوب الغربي، وتحدث مراقبون عن دفع أموال للمتظاهرين من مؤيدي الدبيبة بهدف إحداث توازن شعبي في الشوارع والساحات، عبّرت القوى والحركات والفعاليات السياسية والمجتمعية والوطنية في مدينة مصراتة عن رفضها القاطع لأي محاولات لزجّ المدينة في الصراعات السياسية الدائرة في العاصمة طرابلس، معتبرة أن ما يقوم به أنصار حكومة الوحدة المنتهية ولايتها هو استغلالٌ لمؤسسات الدولة لبثّ الكراهية وإشاعة الفتنة داخل مصراتة.
واتهمت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة بارتكاب جريمة سياسية وحقوقية، على خلفية ما وصفته بإجبار الموظفين المدنيين والعسكريين على التظاهر دعما له في ميدان الشهداء بطرابلس السبت.
وقالت المؤسسة، في بيان لها، إنها تلقت بلاغات وشكاوى موثقة من موظفين مدنيين أفادوا بتعرضهم لضغوط مباشرة وتهديدات صريحة بإجراءات تعسفية، بينها الفصل والنقل ووقف المرتبات في حال عدم المشاركة في الحشد الذي شهدته ساحة الشهداء، ووصفت ما حدث بالسابقة الخطيرة التي لم تعرفها ليبيا حتى في “أشد عصورها ظلمة”، معتبرة أن ما جرى يعكس أسوأ صور القمع والتسلّط، ويمثل انتهاكاً فاضحاً للدستور والمواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.