"مهمة مستحيلة: الحساب الأخير".. صراع مكرر حول تمرد الذكاء الاصطناعي

حظي فيلم النجم توم كروز الأخير "مهمة مستحيلة: الحساب الأخير"، بدعاية واسعة وانتظره جمهور السينما بشغف كبير، لكن يبدو أنه جاء مخيّبا للآمال، حيث لم يقدم حبكة درامية جديدة أو مبتكرة وإنما راهن على الأكشن والإثارة ومهارات كروز التمثيلية في حين أنه ركز على مخاطر الذكاء الاصطناعي واحتمالات خروجه على السيطرة.
تبدأ أحداث الفيلم الأميركي “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” للمخرج كريستوفر ماكويري بعد أن خاض إيثان (توم كروز) صراعا مع غابرييل فوق سطح قطار متحرك، وتمكن من إيقاف خطة الكيان، حيث يواصل العميل السري محاولة تعقب سلاح خطير، قبل أن يقع في أيدي أعدائه.
الفيلم من سيناريو كريستوفر ماكويري وبروس جيلر، وبطولة كل من توم كروز وبوم كليمنتيف وريبيكا فيرجسون وفانيسا كيربي وهايلي أتويل وإساي موراليس.
يستند سيناريو فيلم “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” إلى فكرة مركزية قوية تتمحور حول تهديد ذكاء اصطناعي يُدعى الكيان، يسيطر على أنظمة الكمبيوتر العالمية ويهدد بشن هجوم نووي مدمر، إذ تتولى شخصية إيثان هانت العميل الأيقوني قيادة المهمة لإيقاف هذا التهديد من خلال استعادة مفتاح تحكم وكود مصدر مدفون في غواصة غارقة بالقطب الشمالي.
ويواجه هانت صراعات متعددة، سواء مع خصمه غابرييل، الذي يسعى للاستيلاء على الكيان لأغراضه الخاصة، أو مع حكومة الولايات المتحدة المترددة في دعمه خوفًا من تسريب المعلومات. ويعاني السيناريو من نقص في الابتكار، ومشاهد مطولة غير ضرورية، وتكرار أنماط مألوفة من السلسلة أضحت مملة وغير مشوقة تميزه عن سابقاته أو عن أفلام أخرى تناولت موضوع الذكاء الاصطناعي.

وتعتمد الفكرة الأساسية على صراع مكرر حول ذكاء اصطناعي خارج عن السيطرة، شبيه بأفلام كثيرة تناولت تهديد الذكاء الاصطناعي لحياة البشرية، دون إضافة لمسة جديدة تمنح الفيلم هوية مميزة، بينما تعتمد مشاهد الغوص في القطب الشمالي على المؤثرات البصرية المبهرة، لكنها تفتقر إلى عمق درامي أو ربط واضح بالهدف الرئيسي مثل استعادة الكود المصدر الذي يخلص العالم من شرور الكيان، فتصبح هذه المشاهد طويلة ومملة، وعبئًا على إيقاع الفيلم بدلا من تأجيج التشويق، وحشوا غير مبرر.
ويؤثر الطول المفرط لبعض المشاهد سلبًا على تماسك القصة، إذ تخلق مشاهد الغوص ومطاردات الطائرة في السماء شعورًا بالملل لدى الجمهور، فتظهر هذه المشاهد كمحاولات لإطالة مدة الفيلم بدلا من تعزيز الحبكة أو تطوير الشخصيات، ويعتبر مشهد هانت وهو محاصر تحت الجليد، رغم توتره الظاهري، مفتعلا ويمكن تقصيره دون التأثير على جوهر القصة، بينما يضعف هذا الإطناب من التوازن بين الأكشن والدراما، وهو عنصر كان يميز أفلام “مهمة مستحيلة” السابقة.
وتبرز متتالية المشاهد بين هانت وحكومة الولايات المتحدة كإحدى نقاط القوة في السيناريو، إذ يضيف تردد الحكومة ومحاولة كيتريدج استغلال الكيان لمصالح وطنية طبقة من التعقيد الأخلاقي والسياسي، بينما السيناريو لا يستغل هذا الجانب بما فيه الكفاية، فبدلا من التركيز على ما هو أبعد من المهمة المستحيلة وإقحام الدول النووية في نهاية العالم أو إنقاد الولايات المتحدة العالم مرة أخرى على مدار سنوات، يشتت السيناريو انتباه المشاهد بمشاهد أكشن طويلة وفرعية، جعلت ثلاث ساعات طويلة جدا ومملة في مجملها.
واستخدم “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” فكرة الذكاء الاصطناعي المارق المعروف باسم الكيان، كتهديد وجودي يسيطر على الأنظمة الرقمية العالمية ويهدد بإطلاق هجوم نووي، وهذا الجزء يركز على إيثان هانت وفريقه في سباق لاستعادة مفتاح يتحكم في الكيان، مع مشاهد أكشن تمتد من القطب الشمالي إلى جنوب أفريقيا، بما في ذلك استعادة كود مصدر من غواصة غارقة ومواجهات مكثفة مع غابرييل، العميل المنشق، وهذا العنصر التكنولوجي يعكس مخاوف العصر الحديث حول الذكاء الاصطناعي، كتمويه يمنح الفيلم طابعًا معاصرًا، بينما مشاهد الأكشن، مثل المطاردات والقتال اليدوي، تعتمد على نفس الأسلوب البصري المثير الذي اشتهرت به السلسلة، مع التركيز على أداء توم كروز البدني المذهل، مثل غوصه في المياه الجليدية.
ويتشابه الجزء الأخير مع الأجزاء السابقة في السلسلة من حيث الهيكلية القصصية، حينما يواجه إيثان هانت تهديدا عالميا مع فريق صغير، لكنه تميز بموضوع الذكاء الاصطناعي، ففي “مهمة مستحيلة 2” الذي صدر عام 2000 كان التهديد عبارة عن فايروس بيولوجي تسعى عصابة إرهابية لنشره، مع عنصر رومانسي يتمثل في إنقاذ حبيبة إيثان. وهذا الجزء اعتمد على صيغة أكشن تقليدية بمطاردات وانفجارات دون تقديم بعد تكنولوجي عميق، وفي الحقيقة يعتبر أقل طموحًا من “الحساب الأخير” في معالجة قضايا معاصرة، بينما تطابقت “مهمة مستحيلة 3” مع “الحساب الأخير” في جعل الصراع شخصيًا، عندما يتم اختطاف حبيبة إيثان من قبل تاجر أسلحة، أوين دافين، لكن الأكشن في هذا الجزء رغم جودته ظل ضمن إطار مألوف من القتال والمطاردات عبر دول متعددة، دون إدخال عناصر حية مختلفة.
وفي فيلم “مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح” الذي صدر عام 2011، هناك تشابه مع “الحساب الأخير” في التركيز على تهديد نووي، عندما يحاول عالم سويدي إشعال حرب عالمية باستخدام أسرار نووية، في حين يتفوق فيلم “الحساب الأخير” بتقديم تهديد أكثر حداثة عبر الذكاء الاصطناعي، بينما اعتمد “بروتوكول الشبح” على مشاهد أكشن مميزة، مثل تسلق برج خليفة، دون تغيير جوهري في لغة الأكشن.
وتميز “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” الذي صدر عام 2025 بمواجهة إيثان لشبكة إرهابية سرية تدعى “النقابة”، لكنها لم تقدم تهديدًا تكنولوجيًا متطورًا كما في “الحساب الأخير”، فالصراع مع عميلة غامضة اسمها إلسا فاوست أضاف عمقًا دراميًا، لكنه لم يتجاوز الأكشن التقليدي الذي يعتمد على المخاطرة البدنية، بينما فاقت “مهمة مستحيلة: سقوط” (2018) الأجزاء السابقة في كثافة الأكشن، مع مشاهد مثل القفز بالمظلة وقيادة المروحية، لكن التركيز كان على صراعات شخصية وإرهابية دون بعد تكنولوجي متقدم.
واستلهمت سلسلة أفلام “مهمة مستحيلة”، وهي سلسلة أكشن وتجسس وإثارة أميركية، من مسلسل “مهمة مستحيلة” الذي عُرض بين عامي 1966 و1973، ثم أعيد تقديمه بين عامي 1988 و1990، وقاد الممثل الأميركي الشهير توم كروز، الذي لعب دور العميل إيثان هانت، بطولة هذه الأفلام وشارك في إنتاجها.
بدأ إنتاج سلسلة الأفلام عام 1996، وأُنتجت حتى الآن سبعة أفلام، وصدر الفيلم الأول “مهمة مستحيلة” عام 1996، ثم أُطلق “مهمة مستحيلة 2” عام 2000، وتبعه “مهمة مستحيلة 3” عام 2006، وصدر الفيلم الرابع “مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح” عام 2011، وجاء بعده “مهمة مستحيلة: أمة منشقة” عام 2015، ثم “مهمة مستحيلة: سقوط” عام 2018. واختُتمت السلسلة مؤقتًا بفيلم “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير – الجزء الأول” عام 2023، واحتلت هذه السلسلة المركز السابع عشر ضمن قائمة الأفلام الأكثر ربحًا في تاريخ السينما.
وأبدع كريستوفر ماكويري في كتابة سيناريوهات معقدة وذكية جمعت بين التشويق والعمق الدرامي والحبكات المفاجئة، حيث بدأ مسيرته القوية بفيلم “المشتبه بهم المعتادون” الذي نال عنه جائزة الأوسكار، ثم توالت أعماله اللافتة مثل “حافة الغد” و”الوولفرين”، اللذين قدّم فيهما رؤية مبتكرة لأفلام الخيال العلمي والأبطال الخارقين. كما لعب دورا محوريا في تطوير سلسلة “مهمة مستحيلة” من خلال كتابة الأجزاء الحديثة مثل “الحساب الميت” و”الحساب النهائي”، مقدما سردا ديناميكيا يمزج بين الإثارة والتقنية، مع شخصيات معقدة ومتطورة على المستويين النفسي والإنساني.
وقاد كريستوفر ماكويري دفة الإخراج في عدد من أبرز أفلام الحركة في العقد الأخير، حيث تميز بأسلوب بصري حاد وإيقاع سردي متوازن بين الأكشن والتشويق. أخرج أجزاء من سلسلة “مهمة مستحيلة” بتقنيات متقدمة ومشاهد مذهلة نفذ معظمها النجم توم كروز بنفسه، ما أضفى مصداقية وحيوية على العمل. كما أخرج فيلم “جاك ريتشر” بأسلوب بصري واقعي يُبرز تفاصيل التحقيق والغموض، وسبق له أن قدّم “طريق السلاح” في بداياته، بأسلوب مختلف ركز فيه على الحوار والنفسية المعقدة للشخصيات.
وساهم كريستوفر ماكويري في إنتاج مجموعة من الأعمال التي تمثل توازنا بين الجودة الفنية والجاذبية الجماهيرية، حيث أشرف على إنتاج أفلام ضخمة مثل “فالكيري” و”مهمة مستحيلة: الحساب النهائي”، محافظاً على رؤية متكاملة تجمع بين السرد القوي والتنفيذ التقني العالي. كما خاض مجال الإنتاج التلفزيوني من خلال مسلسل “ريتشر”، مقدما حبكة متماسكة وشخصية محورية جذابة. وبرز أيضا في إنتاج فيلم “تجربة سجن ستانفورد”، الذي يعكس اهتمامه بالقصص الإنسانية المعقدة والتجارب النفسية الواقعية.