شوارع طرابلس تدعو الدبيبة إلى الرحيل وتطالب الأمم المتحدة باحترام إرادة الشعب

اتسعت دائرة الاحتجاجات الليبية مساء الجمعة في ساحة العاصمة طرابلس، منادية برحيل رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، واحترام الأمم المتحدة لإرادة الشعب الليبي، وسط استنفار أمني كبير.
خرج عشرات الآلاف من الليبيين أمس الجمعة متظاهرين في شوارع وساحات طرابلس منادين بسقوط حكومة الوحدة المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة وبمحاسبتها وملاحقة الفاسدين قضائيا والانتصار لحقوق الشعب.
وشهدت طرابلس وضواحيها حالة استنفار أمني، وذكر مسؤولون في وزارة الداخلية أن الهدف من ذلك هو تأمين المؤسسات الحيوية ومنع المتظاهرين من الوصول إلى مقر رئاسة الحكومة والمجلس الرئاسي والتلفزيون الحكومي ومصرف ليبيا المركزي وبعض الوزارات، بينما اعتبر ناشطون أن حكومة الدبيبة استعانت بالميليشيات لقمع المتظاهرين ومنعهم من الوصول إلى مقر رئاسة مجلس الوزراء لإبلاغ أصواتهم إلى الدبيبة ومساعديه وإلى المجتمع الدولي الذي لا يزال يحاول التمسك بسلطات فاقدة للشرعية ومرفوضة من قبل الشعب الليبي.
وقال شهود عيان إن جحافل المتظاهرين عبرت مختلف الشوارع والساحات لترفع الأعلام وشعارات الإطاحة بالحكومة والوفاء لدماء الشهداء، وأن آلاف المتظاهرين وصلوا إلى طرابلس من مدن الزاوية وورشفانة وترهونة وصرمان وصبراتة وغيرها، في ظل اتساع الدعوة لتنظيم عصيان مدني عام وشامل إلى حين تحقيق إسقاط حكومة الدبيبة.
وخاطب ”حراك سوق الجمعة” في ليبيا، المنظمات الحقوقية وبعثة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى البعثات الدبلوماسية في ليبيا، بالقول: “قضِي الأَمر الذي كنتم فيه تستفتِيان، الأرض لا تفاوض، ومن باعها لا مكان له بيننا، فمن اختار الصمت وقت الخيانة، فليصمت الآن؛ لأن زمن الحساب قد اقترب.”
وأكد المتحدث باسم “حراك سوق الجمعة” أبو بكر مروان، أن الاجتماعات الأخيرة التي جمعت ممثلين عن أكثر من 30 بلدية في المنطقة الغربية، بما فيها بلديتا مصراتة وسوق الجمعة، خلصت إلى موقف موحد يعتبر أن ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة انتهت، ولا تمثل الشارع الليبي بأي شكل.
المشاركون في المظاهرة أكدوا أن هدفهم هو تبليغ رسالة إلى الأمم المتحدة مفادها أن الشعب الليبي قرر إنهاء المهزلة
وجدد تيار “بالتريس”، الشبابي في بيان جديد، دعوته لجميع فئات الشعب الليبي إلى الدخول في عصيان مدني شامل، معتبرًا أنه “الضامن الحقيقي لسلامة المواطن، دون الانجرار خلف أطراف قد تستغل الحراك لأجندات خاصة.”
وأكد التيار أن العصيان المدني سيستمر حتى تتحقق جملة من المطالب، في مقدمتها إسقاط كافة الأجسام السياسية القائمة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شعبية في أقرب الآجال، وخروج جميع التشكيلات المسلحة من طرابلس وكافة المدن الليبية، وإسناد المهام الأمنية حصريًا إلى مديريات الأمن التابعة للبلديات.
وشدد التيار على أن موقفه “لا يعكس أي انحياز لتشكيل مسلح أو طرف سياسي،” مؤكدًا على ثوابته الوطنية المتمثلة في تفكيك التشكيلات المسلحة في عموم البلاد، وإخراج كافة المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، مؤكدا أن الحراك الشعبي يجب أن يكون “مدنيًا، سلميًا، ووطنيًا بامتياز،” رافضًا أي محاولات للركوب على موجته.
وقال ناشطون أن عدد المشاركين في “جمعة الخلاص”، كان قياسيا ولم يتم تسجيله سابقا، وهو ما يعني أن الاحتجاجات في تصاعد مستمر، وأن حاجز الخوف قد تحطم تحت أقدام المتظاهرين.
وشددت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة حنا تيتيه على أن التظاهر حقّ أساسي من حقوق الإنسان، ينبغي أن يكون متاحًا لجميع المواطنين إذا كانوا غير راضين عن طريقة إدارة الأمور.
وأكدت أنه “لا تنبغي مواجهة المتظاهرين بالعنف إذا لم تُرتكب أعمال عنف أثناء التظاهر،” مطالبةً في حال وقوع اضطرابات، أن يكون أي ردّ متناسبًا ويهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات.
وتابعت تيتيه أن البعثة دعمت المجلس الرئاسي في إنشاء لجنة الهدنة التي قالت إنه تم تشكيلها لمنع تصعيد الصراع بين الأطراف المسلحة، وللتواصل معهم، وللتأكيد على ضرورة احترام حق الاحتجاج في حال وجود مظاهرة مدنية.
وقالت تيتيه: “في الوقت الحالي، لا يزال المجتمع الدولي يعترف بحكومة الوحدة الوطنية، لكننا نُدرك أن حكومة الوحدة الوطنية تواجه احتجاجاتٍ ومعارضةً من المواطنين، وخاصةً هنا في غرب ليبيا وداخل طرابلس.” وأضافت: “هل هذا وضعٌ مثالي؟ لا. هل انتهت مدة ولاية حكومة الوحدة الوطنية الأصلية، التي كان من المتوقع أن تستمر فيها؟ نعم. هل ما أشرتِ إليه بحكومة حماد في الشرق لا تحظى باعتراف كامل؟ نعم. والاستمرار في هذا المسار لن يؤدي إلا إلى تقسيم ليبيا.”
وأكد مشاركون في المظاهرة أن هدفهم هو تبليغ رسالة الى الأمم المتحدة مفادها ان الشعب الليبي قرر إنهاء المهزلة والإطاحة بحكومة الدبيبة والاتجاه نحو تنظيم الانتخابات المؤجلة نتيجة إصرار البعض على البقاء قي السلطة ومصادرة صوت الشارع، وهو ما يجب أن يدركه المجتمع الدولي.
وأكدت مفوضية المجتمع المدني على أن التظاهر السلمي هو حق أصيل مكفول بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور.
وشددت المفوضية على ضرورة احترام هذا الحق وعدم الاعتداء على المتظاهرين السلميين تحت أي ذريعة، ورفضت كافة أشكال القمع أو التضييق على الحريات. كما دعت الجهات المعنية إلى ضمان سلامة المتظاهرين واحترام إرادتهم.
واعتبر عضو مجلس النواب علي التكبالي أن الدبيبة لا يزال يتعنت ويمنع توزيع الوقود للمحطات في مناطق الغرب والجنوب، على الرغم من اعتراض مستودعات شركة البريقة في مدينة مصراتة.
وفي تغريدة عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، أوضح التكبالي أن الدبيبة يستخدم ورقة الوقود كوسيلة ضغط وسط الأزمة السياسية والأمنية المتصاعدة في البلاد.
الدبيبة يتعنت ويمنع توزيع الوقود للمحطات في مناطق الغرب والجنوب، على الرغم من اعتراض مستودعات شركة البريقة في مدينة مصراتة
وتابع، أنه يحشد فعليًا نحو الحرب، في وقت كلّفت فيه الأمم المتحدة فريق مكافحة الإرهاب بمحاولة منع أي اشتباك محتمل، ما يشير إلى تصاعد المخاوف الدولية من انفجار الوضع الأمني مجددًا.
ورأى مراقبون أن الدبيبة وفريقه فشلا خلال الأيام الماضية في إقناع الشارع بالتهدئة والتوقف عن الاحتجاج، وهو كان يراهن على الخيول الخاسرة عندما استقبل ممثلين عن عدد من المدن والبلديات والقبائل أو عندما اعتقد أن فتوى وتصريحات رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني يمكن أن تقنع الشعب بالعودة عن قراره.
وأبرز عضو مجلس النواب، علي رحومة السباعي، إن الليبيين انقسموا حول الأحداث التي تجري في طرابلس إلى ثلاثة أقسام؛ الأول أنصار الحكومة، والثاني من يعاني مرضا أو هو عاطل عن العمل أو تعرضت ممتلكاته للدمار، والثالث يتكون ممن يريدون إسقاط الحكومة لكن وفق آليات تضمن عدم انهيار الدولة، مضيفا “لا يختلف عاقلان في أن حكومة الدبيبة فقدت جميع دواعي بقائها، بل بقاؤها سيسرّع في وتيرة انهيار الدولة.”
وأضاف السباعي، أن “القسم الأول وهم أنصار الحكومة، وهؤلاء غايتهم بقاء الحكومة مهما فعلت ومهما جرى منها ومهما اقترفت، فدورهم إيجاد المبررات والتعليلات لأفعال الحكومة، حتى مأزق التطبيع أوجدوا له مخرجا، ويرهبون من يخالفهم بهذا الشعار، وبعضهم أو نخبتهم، مستفيدون من الحكومة، سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد أو المدن أو التشكيلات العسكرية.”
وتابع: “القسم الثاني: يريد إسقاط الحكومة ولو آل الأمر إلى انهيار الدولة ودخول المنطقة الغربية في دوامة من الاحتراب والعنف، وقد تكون لبعضهم أغراض مشبوهة، إلا أن رمي هؤلاء جميعا بأنهم أتباع النظام السابق، أو أنصار الجنرال خليفة حفتر، أو مغرضون، ليس من الإنصاف في شيء، ففيهم مريض السرطان أو أحد أقاربه مريض وهو عاجز عن علاجه، وفيهم الشاب العاطل عن العمل، وفيهم من هدم بيته أو أحرقت ممتلكاته بحجة محاربة الميليشيات وهم أغلب المتظاهرين.
أما القسم الثالث فيتكون ممن يريدون إسقاط الحكومة لكن وفق آليات تضمن عدم انهيار الدولة، وتوافقات تضمن التوازن بين المتخاصمين شرقا وغربا، والرأي العاقل والمنصف مع هذا الخيار الأخير، لأن بقاء حكومة الدبيبة قد يدخل البلاد في نفق مجهول.