الدبيبة يتحرك مستخدما الغرياني والقبائل لتشكيل حزام شعبي يتصدى لمحاولة إزاحته

يحاول عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، الردّ بقوة على توسع دائرة الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيله، من خلال توظيف الخطاب الديني المتشدد لدار الإفتاء، واستقبال وفود من عدد من المدن والقبائل في مسعى لتشكيل حزام شعبي واجتماعي يستند إليه.
يراهن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، على رئيس دار الإفتاء في غرب ليبيا الصادق الغرياني والقبائل لتشكيل حزام شعبي واجتماعي يساعده في التصدي لمحاولات إزاحته من منصبه في ظل تصاعد الأصوات الشعبية المنادية برحيله. ويستمر رئيس دار الإفتاء في غرب ليبيا، في الدفاع عن بقاء حكومة الدبيبة، وهو ما يعتبره مراقبون سببا في تعميق الأزمة وتوظيف الدين في السياسة لعرقلة أي حل سياسي حقيقي.
وفي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بوقف الانفلات الأمني ومحاسبة المليشيات المسلحة، يواصل التنظيم المتشدد دعم هذه الفصائل، مستثمرًا الفوضى كوسيلة لإطالة أمد الأزمة السياسية في الغرب الليبي. وشن المفتي المعزول من قبل مجلس النواب منذ نوفمبر 2014، والمعروف بدعمه للتنظيمات المتطرفة، هجوما حادا على المحتجين المطالبين بتغيير الحكومة، واصفاً إياهم بـ”غير الشرعيين.”
وأوصى الصادق الغرياني في تصريحات بثّتها قناة “التناصح” التابعة لنجله سهيل الغرياني، بأن “كل من خرج في ميدان أو كتب لنصرة أي جهة سيموت ميتة جاهلية.” ودافع الغرياني بشدة عن حكومة الدبيبة، مؤكدا أن الليبيين أمام خيار “أقل الشرين ضررا”، داعيا إلى دعم حكومة الوحدة الوطنية ليس حبا بها، بل رفضا لما هو أسوأ، في إشارة إلى الأجسام الانتقالية المقترحة.
وترى أوساط سياسية في ليبيا، أن دعم الغرياني لحكومة الدبيبة، رغم الفساد المتفشي فيها، يؤكد سعي تيار الإخوان لإطالة أمد الأزمة السياسية واستغلال الفوضى لمصالحه، لضمان استمراره في السلطة وتهميش أي مسار سياسي يؤدي إلى انتخابات تفضي لخروجهم.
كما هاجم المفتي المعزول المخرجات الأممية، واصفًا تقرير اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة، الذي يسمح لقائد الجيش الوطني الليبي المشير لخليفة حفتر بالترشح للانتخابات الرئاسية، بأنه “هراء وظلم”، ومتهمًا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وفئته بأنهم “ظالمون يحلّون الحرام ويحرّمون الحلال.”
ويرى المراقبون أن السبيل الوحيد لإعادة الدولة الليبية إلى مسار الشرعية، بعيدا عن عبث الميليشيات وتحريض مفتي الفتنة الصادق الغرياني الذي بات يشكل عبئا ثقيلا على المشهد الوطني، هو إنهاء وضع حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها.
وتأتي هذه التصريحات المتطرفة بالتزامن مع إطلاق بعثة الأمم المتحدة تقريرا عن مقترحات اللجنة الاستشارية المكونة من عشرين شخصية ليبية بارزة، والتي ناقشت سبل تفعيل العملية الانتخابية، بما يشمل قوانين الاقتراع وتمثيل المرأة والأقليات، ضمن جهود لكسر الجمود وإعادة البلاد إلى مسار الشرعية الانتخابية.
ويطرح التقرير أربعة خيارات يمكن أن تشكل خارطة طريق لإجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية؛ أولها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بصورة متزامنة، وثانيها إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا، يليها اعتماد دستور دائم. أما ثالث الخيارات فهو اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات، والخيار الرابع إنشاء لجنة حوار سياسي بناء على الاتفاق السياسي الليبي، لوضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية والسلطة التنفيذية والدستور الدائم.
ورحبت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا بهذه الخطوة، معتبرة أن الخيارات المقترحة للخطوات التالية في العملية السياسية من قبل اللجنة الاستشارية فرصة سانحة لليبيين للانخراط في حوار، واستعادة الزخم نحو مستقبل ليبي موحد سلمي وديمقراطي.
وردا على الخطوة الأممية واستعداد آلاف المحتجين للخروج اليوم الى شوارع وساحات العاصمة طرابلس للاحتجاج على الوضع القائم والمناداة بإسقاط الحكومة، استقبل الدبيبة وفود من عدد من المدن والقبائل في محاولة لتشكيل حزام شعبي واجتماعي يستند إليه في مواجهة اتساع دائرة الداعين إلى إقالته وحل حكومته وملاحقته قضائيا.
وقال اللواء أسامة جويلي، آمر المنطقة الغربية العسكرية: “طالبنا البعثة الأممية بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة، وإنهاء الانقسام المسبب في تكرر الصدام المسلح”، وتحدث عن زيارة ستيفاني خوري نائبة المبعوثة الأممية إلى مدينة الزنتان، حيث كانت له مشاورات بخصوص اشتباكات طرابلس، والحكومة الموحدة، ومخرجات اللجنة الاستشارية، وذلك خلال اجتماع بمدينة الزنتان.
وأوضح جويلي:” ناقشنا مخرجات اللجنة الاستشارية مع البعثة الأممية،” موضحا أن هذه الزيارة تأتي للتشاور مع مختلف الشرائح والأطراف في ليبيا، لتقريب وجهات النظر بشأن مخرجات ملتقى الحوار ولحشد رأي عام يؤيد لهذه المخرجات، وأضاف: ”ناقشنا الصراع بين المليشيات المسلحة في طرابلس وتأثيره على الوضع الاجتماعي والسياسي،” مشددا على ضرورة تشكيل حكومة موحدة.
وأكدت البعثة في بيان صحفي أن زيارة خوري إلى الزنتان، تأتي في إطار مشاورات عامة لتحديد مسار والمضي قدما بقيادةٍ ملكيةٍ ليبية، عقب إصدار الملخص التنفيذي لتقرير اللجنة الاستشارية، مشيرة إلى أن “النقاش كان بشكل مكثّف على الاشتباكات الأخيرة في طرابلس وتداعياتها المحتملة على الاستقرار في المنطقة الغربية.” وقالت خوري إن “البعثة في الأسابيع المقبلة ستعلن عن سبل جديدة لمشاركة عموم الليبيين في وضع خارطة طريق توافقية نحو إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات.”
وأشارت البعثة إلى أن المشاركين في الاجتماع أكدوا على الحاجة الملحة إلى تطبيق وقف إطلاق نار قوي من خلال ترتيبات أمنية، ووجهات نظرهم حول الخيارات التي طرحتها اللجنة الاستشارية، والتي تُفضي إلى انتخاباتٍ وطنيةٍ وحكومة واحدة، كما شددوا على ضرورة الشمول السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والحاجة إلى حكومةٍ فعّالة.
◙ السبيل الوحيد لإعادة الدولة الليبية إلى مسار الشرعية هو إنهاء وضع حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها
بدوره، استقبل المجلس البلدي مصراتة، الخميس، وفداً من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة رئيسة البعثة حنّا تيتيه بحضور ستيفاني خوري والوفد المرافق، وذلك في إطار تعزيز التواصل والتعاون مع الفاعلين المحليين. وأكد عميد وأعضاء المجلس البلدي على موقفهم الثابت الداعم لمسار البعثة الأممية ومخرجات لجنة العشرين الاستشارية، مشددين على أهمية استمرار التنسيق لتحقيق الأهداف المشتركة في بناء الدولة.
وبالمقابل، يقوم رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة بمحاولات الترويج لوجهة نظره وتقديم الإغراء للكثير من الفعاليات السياسية والاجتماعية لتقف إلى جانبه في معركته من أجل البقاء في السلطة مهما كلفه ذلك من ثمن. واستقبل الدبيبة في هذا السياق وفودا من مدن عدة كالزنتان وورشفانة وصرمان ومصراتة في إطار ما وصفها المراقبون بحملة دعائية يشرف على تنظيمها وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي.
وفي الأثناء، دعا المتحدث باسم ”حراك سوق الجمعة” أبوبكر مروان، إلى الخروج في مظاهرات واسعة اليوم الجمعة ، وأكد” استعداد الليبيين للخروج في مظاهرات عارمة وغاضبة، في ميادين الثورة بمختلف المدن الليبية للمطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة.” وأضاف أن “الاجتماعات الأخيرة التي جمعت ممثلين عن أكثر من 30 بلدية في المنطقة الغربية، بما فيها بلديتا مصراتة وسوق الجمعة، خلصت إلى موقف موحد يعتبر أن ولاية حكومة الدبيبة انتهت، ولا تمثل الشارع الليبي بأي شكل.”
كما أعلن حراك “ليبيون من أجل الوطن” دعمه الكامل للمظاهرات الشعبية التي قال إنها تجسّد الإرادة الشعبية لإنهاء الانقسام السياسي ورفض سيطرة الميليشيات. وأعرب الحراك في بيان، عن قلقه من الانفلات الأمني والاشتباكات التي شهدتها طرابلس مؤخرا، والتي تسببت في سقوط ضحايا وتدمير ممتلكات عامة وخاصة، بالإضافة إلى عمليات نهب وسرقة، مشيرا إلى أن صفوفه تضم مكونات شعبية ومنظمات مجتمع مدني من مختلف أنحاء ليبيا.
ويواصل طلاب جامعة طرابلس في ليبيا اعتصامهم لليوم السابع على التوالي، احتجاجا على وجود مجموعات مسلحة بالقرب من الجامعة ومنشآتها. وأكد اتحاد الطلبة في بيان له أن العصيان سيتواصل حتى يتم تحقيق المطلب الرئيسي، وهو انسحاب جميع التشكيلات المسلحة من محيط الجامعة، وتأمين بيئة آمنة للطلاب والكوادر التعليمية داخل الحرم الجامعي.
ومن جانبه، طالب الملتقى الوطني للسلام، حكومة الوحدة بـمغادرة السلطة فورا، وحذّر مما وصفه بمحاولات “فرض مشروع سياسي بالقوة العسكرية تحت ذرائع واهية،” مؤكدا أن العاصمة “ملك لكل الليبيين ولا يمكن أن تكون ساحة لصراعات أو أدوات قمع.”
كما دعا تجمع للأحزاب السياسية الليبية أبناء الشعب الليبي للمشاركة الواسعة في مظاهرات اليوم، للتأكيد على المطالب الشعبية بإسقاط كافة الأجسام السياسية والدفع نحو مرحلة انتقالية جديدة تحقق تطلعات الليبيين، وأعلن دعمه الكامل للمحتجين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم المشروعة، مؤكدا تضامنه مع مطالب الشارع ورفضها لأي اعتداء على المتظاهرين. وطالب التجمع الذي يضم 67 حزبا، بعثة الأمم المتحدة بالتخلي عن دعم الأطراف الحالية التي “تفتقد إلى الشرعية الشعبية”، وعدم المساهمة في تعقيد الأزمة، مشددا على أن التغيير الحقيقي يتطلب دعما أمميا للإرادة الشعبية الليبية.