صراع على استقطاب الكوادر الجديدة للفوز بأغلبية البرلمان المصري

القاهرة - تشهد بعض الأحزاب السياسية المصرية تنافسا حول استقطاب عدد من الكوادر الجديدة، وبدا التركيز منصبا على جذب مشاهير وأصحاب مال وأعمال ممن لديهم قدرة على خوض انتخابات البرلمان (مجلسي النواب والشيوخ) المقبلة.
ويتجلى ذلك في تحرك حزبي “مستقبل وطن” و”الجبهة الوطنية”، وهما قريبان من السلطة، ما يشير إلى صراع مبكر بينهما من أجل الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية، مع تقديرات وتكهنات حول تغييرات تطال الظهير السياسي للحكومة.
وروّج حزب الجبهة الوطنية بكثافة لتشكيل أماناته لاستكمال هيكله التنظيمي، وتعمد جذب قيادات لتأكيد أن الحزب ولد كبيرا، وبلغ عدد المنضمين إلى أمانة الشباب 39 شخصا، أغلبهم من مشاهير كرة القدم، وبعض أبناء رجال الأعمال والسياسيين السابقين، علاوة على أمانة الرياضة وضمت أيضا عددا من المشاهير.
واستبق حزب مستقبل وطن (صاحب الأغلبية الحالية في البرلمان) إجراء الانتخابات في شهري أغسطس ونوفمبر المقبلين، وأعاد تشكيل أماناته الرئيسية، وركز على لجنة التدريب والتثقيف وأمانة الشباب، وإن كانت سياسة الاستقطاب لديه قائمة على اختيار متخصصين بما يتسق مع أنه حزب يتواجد على الساحة منذ عشر سنوات.
وظهرت معالم لحرب تكسير عظام بين الحزبين، ربما تصبح أكثر سخونة الأيام المقبلة، لأن الصعود السريع لحزب الجبهة الوطنية والانتشار الذي يسعى إلى تحقيقه والإشارة إلى امتلاكه قاعدة تتجاوز نصف مليون عضو يشي بأنه يريد المنافسة على الأغلبية، وليس الحصول على مقاعد تتماشى مع كونه حزبا صاعدا.
ويرسم الجبهة الوطنية صورة توحي بأنه يملك رؤى وأفكارا وقدرات سياسية ومالية تمكنه من أن يصبح في المقدمة، وقد يجد مقاومة من حزب مستقبل وطن الذي يريد الاستمرار كظهير سياسي للحكومة، وتراجعه سوف يفقده أعضاء بارزين.
وتغيب الرؤى السياسية التي ينطلق منها استقطاب القيادات، ما يؤشر على أن الهدف ليس التسويق لأفكار حزبية تدعم انتشار هذا الحزب أو ذاك، إنما توجيه المشاهير وأصحاب النفوذ بما يخدم الحصول على عدد كبير من مقاعد البرلمان المقبل.
وسوف تتسع قاعدة أحزاب الموالاة في الانتخابات القادمة، والتي تريد أن تصبح أكثر رغبة في تعزيز حضورها، أسوة بما تقدمه من مواقف تتسق مع سياسات الحكومة، وستكون المنافسة شرسة بين من لديهم رغبة في لعب دور الظهير السياسي للحكومة من خلال الاستحواذ على الأغلبية المطلقة.
وقال خبير النظم الانتخابية والتشريعات البرلمانية عبدالناصر قنديل إن التنبؤ بشكل البرلمان المقبل أمر صعب للغاية، لأن نموذج الانتخابات في مصر يقوم على تصعيد الأغلبية المصنعة، والتجارب المختلفة للاقتراعات منذ عام 2011 تشير إلى وجود حزب جديد يستحوذ على أغلبية البرلمان في كل انتخابات، وحزب المصريين الأحرار الذي حاز الأغلبية عام 2015 ليس له وجود مؤثر الآن، وله عدد قليل من المقاعد في البرلمان الحالي، وتوارى دوره السياسي بشكل كبير.
وأوضح لـ”العرب” أن الأجواء قبل الانتخابات البرلمانية تشير إلى تفاعل جيد، وهناك قناعة بأن حزب مستقبل وطن الذي لم يكن له حضور كبير منذ عشر سنوات وأصبح الآن في المقدمة بحاجة إلى تقديم خطاب يقنع به المواطنين ليستمر في الصدارة، وسط مشهد متحرك به أحزاب جديدة مع أخرى قديمة تتواجد بفعالية في الشارع عبر تنظيم مؤتمرات وجولات انتخابية مسبقة.
ووصف الوضع الحالي بأنه يشهد “ديناصورات” انتخابية من خلال وجود أربعة أحزاب تملك إمكانات مادية ضخمة وقيادات قبلية وأصحاب مناصب تنفيذية سابقة ممن لديهم قدرة على جذب الناخبين، وهي أحزاب “مستقبل وطن” و”حماة الوطن” و”الشعب الجمهوري” و”الجبهة الوطنية”، والثلاثة الأولى تملك 87 في المئة من إجمالي مقاعد البرلمان الحالي، بجانب حزب جديد (الجبهة الوطنية) قد لا يجد الفرصة القوية للمنافسة لكنه لن يكون صيدا سهلا.
الصعود السريع لحزب الجبهة الوطنية والانتشار الذي يسعى إلى تحقيقه والإشارة إلى امتلاكه قاعدة تتجاوز نصف مليون عضو يشي بأنه يريد المنافسة على الأغلبية
ويساهم قانون الانتخابات الذي لم يتم تعديله، وينص على إجراء الاقتراع بنظام القائمة المغلقة المطلقة والمقاعد الفردية بنسب متساوية، في أن تكون المنافسة الأكبر بين ثلاث فئات، هي: مرشحو العشائر والعائلات في القرى والأقاليم، وأصحاب الثراء والقوة المالية، ونهاية بمرشحين يتخفون وراء التيار الديني، وهو أمر توظفه أحزاب تبحث عن أغلبية لصالحها بجذب أسماء بارزة تسهل مهمتها في تحقيق هذا الهدف.
وذكر عبدالناصر قنديل لـ”العرب” أن التعويل يظل على اختيار كفاءات لها قدرة على الممارسة السياسية الحقيقية داخل البرلمان، بشكل يعبر عن طيف واسع من المواطنين دون انخراط كامل في دعم توجهات الحكومة وتقديم نموذج لمعارضة تعزز الرقابة على السلطة التنفيذية، مع ضرورة التمثيل الواسع للأحزاب التي شاركت في تحالف الثلاثين من يونيو 2013، بما يقود إلى وجود برلمان مقبول شعبيا.
وما يبرهن على صعوبة المنافسة أن حزب الجبهة الوطنية يقول إنه يمنح أولوية للملفات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، ويقف على مسافة أكثر بعدا من الحكومة، وقررت لجنة الشؤون البرلمانية في الحزب الذي استقطب عددا من نواب البرلمان الحالي إعداد قائمة بالتشريعات ذات الأولوية الجماهيرية.
ويقول مراقبون إن اقتراب موعد الانتخابات التشريعية يطفو على السطح، ويظهر ما يمكن تسميته بـ”الحراك الحزبي الشكلي”، وهو بعيد عن المضامين السياسية الحقيقية، وأن الصراع الظاهر بين حزبي مستقبل وطن والجبهة الوطنية ليس صحيا، ويعبّر عن تناقض جهات حكومية تتقاطع مع العمل الحزبي، بالتالي فالمنافسة لن تخدم العمل السياسي، وتبقى في إطارها الشكلي، والتركيز على جذب نخب مالية ورجال أعمال وبعض المنتمين إلى القبائل لا يتوافق مع منهجية الحياة السياسية والحزبية.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن المنافسة بين نخب تسعى للوصول إلى البرلمان في غياب حراك حزبي جماهيري يعبّر عن جميع الفئات، في ظل عدم وجود حقيقي للأحزاب السياسية، تجعل الموقف أمام تحركات تقود نحو تقييد الحياة الحزبية، يؤكد أن الأحزاب والكيانات الصاعدة لا تعرف طبيعة البرامج والتسويق لها، ويحوّل الأحزاب إلى جمعيات أهلية في خضم تحديات غير مسبوقة تواجهها الدولة المصرية.