يوم اكتمال القمر

 كنت أواسي نفسي لرحيل أيّ عزيز، بأن مهمته الأرضية انتهت، وقد سبقنا إلى مرحلة ثانية.. إن الموت في بعض الأحيان هو إعلان عن يوم اكتمال للقمر.
الأربعاء 2025/05/21
يوم اكتمال القمر

يوم اكتمال القمر هو حين يكون القمر بدرا، أي في الرابع عشر من الشهر الهجري لدى المسلمين، يومٌ ألهم شعراء ومفكرين وأنبياء، يومٌ قد يمر عاديا على الكثيرين ولا تنتبه إليه الغالبية، البعض يصوم اقتداء بسنة الرسول محمد والبعض الآخر تمر حياته طبيعية لا جديد عليها، لكن اكتمال القمر لطالما كان حدثا مهما وذا رهبة كبيرة لدى أغلب الشعوب السابقة، ولدى أغلب الباحثين عن الله وسالكي طريق الروحانيات.

في سورة الأنعام، يوضح القرآن أن النبي إبراهيم عليه السلام أجرى رحلة بحث عن الإله من خلال النظر إلى عناصر ثلاثة أحدها القمر. بدأ رحلته بالنظر إلى كوكب وعندما أفل، قال: “لا أحب الآفلين”. ثم نظر إلى القمر وقال: “هذا ربي”. وعندما أفل القمر، قال: “لا أحب الآفلين”. ثم نظر إلى الشمس وقال: “هذا ربي”. وعندما أفلت الشمس، قال: “لا أحب الآفلين”. بعد ذلك، قال: “إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.”

تذكرت يوم اكتمال القمر وأنا أبحث عن معنى “يوم فيساك” عبارة كتبها أحدهم في تدوينة على فيسبوك دون شرح، لأكتشف أن “يوم فيساك” هو يوم مهم لدى البوذيين الذين يبلغ عددهم نحو 507 ملايين شخص حول العالم، فهذا اليوم وتحديدا يوم اكتمال القمر في شهر مايو من كل عام هو أقدس يوم للبوذيين في كل أرجاء العالم. ففي “يوم فيساك” وُلد بوذا في عام 623 قبل الميلاد، وفيه بلغ حالة التنور، وفيه كذلك توفي عن ثمانين عاما.

إنه يوم يعاد فيه التذكير بتعاليم بوذا ورسالته عن الرحمة والسلام وحسن النية التي تأثر بها الملايين حول العالم.

كان القمر دوما مؤثرا في كل العصور والأزمنة، حيث استخدمت إيقاعاته بمراحله المنتظمة من هلال إلى محاق مرة كل شهر لتتبع الوقت.

ومنذ العصور القديمة في أوروبا، كان يُعتقد أن اكتمال القمر يؤدي إلى إصابة بعض الناس بالجنون. وكلمة “الجنون” مشتقة من كلمة “لونا”، وهي الكلمة اللاتينية للقمر. ومن هذه الأسطورة جاءت حكايات “الفمباير” و”المستذئب” المثيرة في الأدب والسينما.

لكنني سأقف على جمالية العبارة (يوم اكتمال القمر) التي وجدت فيها وصفا لرحلتنا في الحياة، أو لنقل رحلة كل صاحب ذكرى طيبة، كل معلم وقائد، كل إنسان ترك بصمة جميلة في قلوب من التقاهم في رحلته الذاتية.

لما ربطت اكتمال القمر بالموت؟ منذ كنت طفلة صغيرة، وضعتني الحياة أمام اختبار الموت  كثيرا، ولأنني فتاة عقلها يسبق سنها – كما كانت تؤنبني والدتي – كان لوقع الكثير من الأحداث والخسارات في حياتي أثر كبير لا يمكن أن يشعر به طفل في سني بسهولة. من ذلك وفاة والدي، الحدث الذي لم أتقبله يوما، بل أذكر أنني طلبت منهم بكل جرأة أن يدفنوني معه، كنت مصرّة على ذلك، أريد أن أدفن معه. لا أعلم كيف جرت الأمور، لأجد نفسي واقفة على قبر مفتوح، وأرى بأم عيني كيف يدفن البشر.

تفاصيل كثيرة، سجلتها ذاكرتي عن ذلك اليوم، قد أكتبها يوما ما، لكن علاقتي بالموت فعليا بدأت منذ ذلك الحين، وأنا لم أبلغ بعد 10سنوات. مع مرور الزمن، عرفت أن الموت ليس النهاية وإنما هو إعلان عن انتهاء مهمة الإنسان على هذه الأرض، ليمرّ إلى مرحلة أخرى.

كنت أواسي نفسي لرحيل أيّ عزيز، بأن مهمته الأرضية انتهت، وقد سبقنا إلى مرحلة ثانية، اليوم فقط وجدت في “يوم اكتمال القمر” عبارة أخرى قد تخفف وطأة أحزاننا على كل عزيز نفقده ونكمل حياتنا دونه، إن الموت في بعض الأحيان هو إعلان عن يوم اكتمال للقمر.

18