قانون جديد لتنظيم مهنة الوسيط التجاري في المغرب

المقترح يشير إلى أن العديد من التقارير الرسمية، سواء الصادرة عن البرلمان أو عن مؤسسات الحوكمة، نبهت إلى التأثير المتعاظم للوسطاء في سلاسل التوزيع.
الثلاثاء 2025/05/20
مساع حثيثة لضبط الأسعار

الرباط - وضع فريق حزب الحركة الشعبية بمجلس النواب المغربي مقترح قانون جديد على طاولة النقاش التشريعي، يرمي إلى تنظيم مهنة الوسيط التجاري، خاصة في مجال تسويق المنتجات الزراعية والبحرية، التي تشكل عصب الأسواق الشعبية في المغرب. ويأتي ذلك مع تصاعد المطالب الاجتماعية بضرورة ضبط الأسعار ومحاربة المضاربة في الأسواق.

ويشير المقترح إلى أن العديد من التقارير الرسمية، سواء الصادرة عن البرلمان أو عن مؤسسات الحوكمة، نبهت إلى التأثير المتعاظم للوسطاء في سلاسل التوزيع، حيث يتحكم هؤلاء في الأسعار النهائية من خلال تعدد الحلقات، وغياب أي إطار تنظيمي واضح، ما ترتب عليه ارتفاع هامش الربح للوسطاء، مقارنة بالربح الذي يحصل عليه المنتجون، كما أن طول سلسلة التوزيع وتعدد الوسطاء يؤثران على سعر البيع النهائي للمستهلك.

وأمام هذا الوضع الذي أضر بالمواطنين والمنتجين على حد السواء ارتأى نواب الحركة الشعبية تقديم مقترح قانون يقضي بتنظيم مهنة الوسطاء، وذلك بالنظر إلى كونهم يتمتعون بقوة كبيرة في تحديد الأسعار.

رشيد ساري: المغرب في حاجة إلى العودة إلى نظام مراقبة الأسعار
رشيد ساري: المغرب في حاجة إلى العودة إلى نظام مراقبة الأسعار

ويواجه الوسطاء موجة رفض شعبي متصاعدة، حيث يُتهمون بالتسبب في غلاء أسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية، وسط فجوة واسعة بين الثمن الذي يبيع به المزارعون والمنتجون وما يدفعه المستهلكون في آخر بيع، حيث كشف حزب الحركة الشعبية أن الوسطاء يستحوذون على أكثر من 50 في المئة من قيمة المنتجات، ما يجعلهم، حسبه، أحد عوامل غلاء العديد من المنتجات.

وأكد مجلس المنافسة (مؤسسة دستورية) على ضرورة العمل على إرساء منظومة وطنية للمنافسة، قوية ومندمجة، وأن مكافحة مختلف أشكال الريع وحالات الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن ومظاهر الاحتكار والآثار السلبية الناجمة عن عمليات التركيز الاقتصادي، وكذلك التواطؤ بين عالم الأعمال والمحيط السياسي، تقتضي وضع أسس منظومة وطنية حقيقية ومندمجة للمنافسة، بوصفها إطارا للتشاور يرتكز على التكامل المؤسساتي وانسجام المهام وتوحيد الأهداف، ويتيح التفاعل لجميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات المعنية.

وأفاد رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة رشيد ساري بأننا “لسنا بحاجة إلى نصوص قانونية لوحدها، بل نحتاج إلى تفعيل هذه المنظومة القانونية بما يسمح بأن يكون كل دعم تخصصه الدولة لفائدة خدمة أو منتوج معين ناجع وأن يحس بأثره المواطنون على العموم عوض أن يكون ذلك بمثابة صفقة رابحة لبعض الفاعلين فقط.”

وقال الخبير الاقتصادي رشيد ساري في تصريح لـ”العرب” إن “المغرب في حاجة إلى العودة إلى نظام المحاسب أو المراقب الذي يتكفل بمهام مراقبة الأسعار على مستوى الأسواق حتى تكون منطقية ولا تستغل بالسلب قانون حرية الأسعار،” مبرزا أن هناك منتوجات “باتت تعرف أثمانا قياسية نتيجة عدم التزام الفاعلين بمنسوب معقول من حرية الأسعار وعدم وجود منافسة حقيقية.”

الوسطاء يواجهون موجة رفض شعبي متصاعدة، حيث يُتهمون بالتسبب في غلاء أسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية

وحذرت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك من أن “تقنين نشاط الوسطاء قد يؤدي إلى الاعتراف الرسمي بهم، ولن يحل المشكلة جذريًا، بل قد يعزز حضورهم دون معالجة الفجوة في الأسعار التي يستفيدون منها على حساب الطرفين المزارع والمستهلك، لأن التسيب وعدم التحكم في السوق هما السببان الرئيسيان في تنامي أعدادهم وتكاثرهم على جميع المستويات وفي كافة الأسواق.”

لكن نواب الحركة الشعبية وبدعم من فرق برلمانية أخرى أكدوا على ضرورة أن تخضع مهنة الوساطة لاعتماد رسمي يسلمه القطاع المكلف بالفلاحة أو الصيد البحري، وفق شروط دقيقة، من خلال تحديد الخدمات التي يمكن للوسيط تقديمها، وشروط التخزين والنقل، وآليات منع الاحتكار والمضاربة، كما يشترط في الوسيط أن يكون حاملاً للجنسية المغربية، ونظيف السجل العدلي، ومسجلا في السجل التجاري أو مقيداً كمقاول ذاتي، وأن يكون مقره بالمغرب.

وبموجب هذا المقترح يُعتبر الوسيط تاجرا بالمعنى القانوني، ما يفرض عليه مجموعة من الالتزامات، أبرزها التسجيل في السجل التجاري، ومسك محاسبة قانونية، والخضوع للرقابة الضريبية المنصوص عليها في القانون رقابة مشددة وعقوبات رادعة، حيث تضمن الباب الخامس من المقترح إجراءات زجرية واضحة، تعكس إرادة واضعي القانون في محاربة اقتصاد المضاربة وتعزيز الشفافية في السوق.

 ومن أبرز العقوبات التي تم التأكيد عليها سحب الاعتماد من كل وسيط يثبت تورطه في ممارسات احتكارية، خاصة تلك التي تهدف إلى زيادة الأسعار من خلال تعدد الوسطاء.

كما يفرض مقترح القانون غرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف و50 ألف درهم على كل من يزاول المهنة دون ترخيص قانوني، مع إمكانية حجز البضاعة في حالة العودة.

وينص المقترح على أن تُصدر الحكومة النصوص التنظيمية المرتبطة به في أجل أقصاه سنة واحدة، كما أسند مهام المراقبة للمصالح المختصة التابعة للسلطات الحكومية المكلفة بالزراعة والداخلية، مع إمكانية إشراك الغرف المهنية في مهام التتبع والرقابة، وذلك لإعادة التوازن إلى السوق المغربية، من خلال تقليص تدخلات الوسطاء غير المنظمين الذين يرفعون الأسعار بشكل مصطنع، ويضعون المنتج والمستهلك معا في خانة المتضررين.

4