مسرور بارزاني في زيارة مفصلية إلى الولايات المتحدة في ظرف محلي وإقليمي ودولي حساس
اكتست الزيارة التي يقوم بها حاليا رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني إلى الولايات المتحدة أهمية استثنائية نظرا لطبيعة الظرفية التي جاءت فيها محليا وإقليميا ودوليا والملفات المطروحة على أجندتها، فضلا عن كونها الأولى من نوعها لقيادي بهذا المستوى في إقليم كردستان في عهد الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب التي كشفت بتوجيهها دعوة رسمية لبارزاني لزيارة واشنطن عن مدى اهتمامها بتمتين الشراكة وتطوير العلاقات مع الإقليم.
كشف مدير المكتب الإعلامي ومستشار رئيس حكومة إقليم كردستان نورالدين ويسي عن الأهمية الإستراتيجية البالغة للزيارة الرسمية التي بدأها رئيس الحكومة مسرور بارزاني إلى العاصمة الأميركية واشنطن على رأس وفد حكومي رفيع المستوى.
وأوضح ويسي، في تصريح صحفي، أن هذه الزيارة التي تأتي تلبية لدعوة رسمية وتعد الأولى منذ تولي الإدارة الجمهورية بقيادة الرئيس ترامب مهامها، تمثل محطة أخرى في مسار العلاقات الثنائية، وفرصة لمناقشة ملفات جوهرية. وفي هذا الصدد قدّم ويسي تقييما مفصلا للتحديات الراهنة في العلاقة مع بغداد.
واستهل ويسي حديثه بالتأكيد على أن زيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن “تمثل محطة مفصلية في تعزيز وتوطيد العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، وتأتي في توقيت حساس لبحث الملفات ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، بما يخدم مصالح شعبنا وتطلعاته.”

نورالدين ويسي: إننا نأمل أن تسهم هذه الزيارة الهامة والمباحثات التي سيجريها رئيس الحكومة في واشنطن، في تعزيز موقف الإقليم وشرح وجهة نظره للمجتمع الدولي
وأضاف ويسي أن جدول أعمال رئيس الحكومة سيتضمن لقاءات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وأعضاء بارزين في الكونغرس، بالإضافة إلى عقد اجتماعات مكثفة مع قادة الفكر وعدد من رجال الأعمال والمستثمرين الأميركيين. كما أشار إلى أن “رئيس الحكومة سيشارك بفعالية في منتدى متخصص بالطاقة، ومن المزمع أن يتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في قطاع الطاقة مع شركات أميركية رائدة، بهدف تعزيز قدرات الإقليم وتأكيد مكانته على خريطة الطاقة العالمية.”
وفي معرض حديثه عن الظروف المحيطة بالزيارة أوضح نورالدين ويسي أن “هذه المباحثات تأتي في وقت حرج، حيث يسود تقييم متزايد للإحباط في إقليم كردستان تجاه أداء الحكومة الاتحادية في بغداد، ولاسيّما فيما يتعلق بالتعامل مع المستحقات المالية لإقليم كردستان وملف النفط. إن القيادة في إقليم كردستان، وباسم شعب كردستان، ترى أن المسؤولية السياسية عن التحديات المالية الراهنة التي يواجهها الإقليم، بما في ذلك تأخير رواتب الموظفين، تقع بشكل كبير على عاتق سياسات الحكومة الاتحادية الحالية.” وأرجع ويسي ذلك إلى “عدم التزام بغداد بالاتفاقات الموقعة بين الطرفين، سواء ما يتعلق باتفاق إدارة الدولة الذي شكل أساس الحكومة الحالية، أو ما نص عليه البرنامج الحكومي الذي صوّت عليه مجلس النواب، إلا أن الحكومة الاتحادية لم تفِ بالتفاهمات السياسية التي شكلت أساسا لدعم تشكيلها، مما يمثل تراجعا عن مبدأ الشراكة والثقة المتبادلة، ويعكس استمرارا للعقلية المركزية التي ترفض الاعتراف بالحقوق الدستورية للإقليم.”
وذكر ويسي أن “ممارسات الحكومة الاتحادية يُنظر إليها على أنها تكتيكات تهدف إلى إضعاف موقف الإقليم الدستوري، عبر ما يمكن وصفه بضغوط اقتصادية ممنهجة. وهذا يتجلى في تأخير متعمد للمستحقات المالية وافتعال للمعوقات الإدارية، وتوجيه وزارة المالية الاتحادية لتبني مواقف تتعارض مع مصالح شعب كردستان، وهذا النهج يعكس عقلية مركزية متجذرة تسعى إلى تهميش النظام الاتحادي والتقليل من شأن الكيان الدستوري والفيدرالي للإقليم، المكفول بموجب الدستور العراقي الدائم، وهو ما يرفضه شعب كردستان جملة وتفصيلا.”
وشدد مدير المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة على أن “قضية المستحقات المالية للإقليم، وفي مقدمتها رواتب الموظفين التي تمس حياة كل فرد من شعب كردستان، تعد من إحدى نقاط الخلاف الجوهرية. فالحكومة الاتحادية، للأسف، تواصل سياسة المماطلة في إرسال حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية، وتتخذ من رواتب مواطنيه ورقة ضغط، رغم وفاء حكومة الإقليم بكافة التزاماتها الدستورية والقانونية.” وأضاف أن “الإجراءات المتخذة من قبل وزارة المالية الاتحادية، بتوجيهات تعكس العقلية المركزية السائدة في بغداد، تتجاوز الإطار الدستوري للعلاقة بين بغداد والإقليم، وتمثل تعديا على الحقوق المكفولة لشعب كردستان. لقد قدمت حكومة إقليم كردستان كل المعلومات والبيانات اللازمة بروح من الشفافية، رغم أن مكانتنا كإقليم فيدرالي تستدعي آليات تعامل مختلفة عن المحافظات.”
وفيما يتعلق بملف الطاقة صرح ويسي قائلا “لأكثر من عامين، ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدها الإقليم والاقتصاد العراقي ككل، والتي تقدر بمليارات الدولارات، ما زالت الحكومة الاتحادية تضع العراقيل أمام استئناف تصدير نفط الإقليم. إن الهدف من وراء ذلك، كما يراه شعب كردستان بوضوح، هو إبقاء الإقليم خارج معادلة الطاقة العالمية، ومنعه من ممارسة حقوقه الدستورية في إدارة ثرواته وتنميتها. وهناك قناعة متنامية بأن الحكومة الاتحادية تتماشى مع توجهات، تغذيها العقلية المركزية، تسعى لعرقلة قدرة الإقليم على إدارة موارده النفطية وتصديرها، خدمة لأجندات تهدف إلى الهيمنة على ثروات العراق بشكل مركزي. هذه السياسات تُفسَّر على أنها محاولة لفرض واقع جديد على الإقليم، يُستخدم فيه الملف المالي كورقة ضغط لانتزاع تنازلات تمس جوهر صلاحياته الدستورية وحقوق شعب كردستان.”
مباحثات بارزاني مع المسؤولين الأميركيين تشمل أداء الحكومة العراقية في ملفي النفط والمستحقات المالية لإقليم كردستان
وانتقد ويسي بشدة “الحملات الإعلامية التي تروج لها بعض الأوساط والمسؤولين في بغداد لتأليب الرأي العام العراقي ضد الإقليم، من خلال بث معلومات مضللة ومغلوطة مفادها أن الإقليم يستحوذ على ميزانيات محافظات الجنوب والوسط، وأنه يعتاش على حسابها.” وأردف قائلا “حتى عملية إرسال الرواتب، التي غالبا ما تكون متأخرة ومجزأة، يتم تصويرها وكأنها منّة وفضل من بغداد على مواطني الإقليم، الذين يُطلب منهم أن يشكروا ليل نهار على ما هو حق أصيل لهم. والحقيقة الصادمة هي أن المبالغ التي يتم إرسالها فعليا لا تشكل سوى أقل من 5 في المئة من مجمل الاستحقاقات المالية للإقليم، بينما تؤكد آخر الإحصاءات والمعايير المعتمدة كالتعداد السكاني الأخير أن حصة الإقليم العادلة يجب ألا تقل عن 14 في المئة من الموازنة الاتحادية.”
واختتم نورالدين ويسي تصريحه بالقول “إننا نأمل أن تسهم هذه الزيارة الهامة والمباحثات التي سيجريها رئيس الحكومة في واشنطن، في تعزيز موقف الإقليم وشرح وجهة نظره للمجتمع الدولي، وحشد الدعم اللازم لحقوق شعب كردستان الدستورية المشروعة، وتوطيد العلاقات مع الحليف الأميركي بما يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة. ولكن، يجب أن يكون واضحا أن استمرار هذا النهج من قبل الحكومة الاتحادية، والقائم على العقلية المركزية، قد يدفع الأمور نحو مسارات تصعيدية غير مرغوبة، مما قد يؤثر بشكل سلبي وعميق على مجمل العلاقة بين أربيل وبغداد، ويهدد الاستقرار العام. وبناء على هذا التقييم، فإن استمرار هذه العقلية المركزية في إدارة الدولة يجعل بناء شراكة حقيقية ومستدامة أمرا صعب المنال، ويقوض أسس الثقة التي يتطلع إليها شعب كردستان. إن الكرة الآن في ملعب الحكومة الاتحادية لإعادة تقويم المسار عبر خطوات عملية وعاجلة تعالج المظالم القائمة وتعيد بناء جسور الثقة مع شعب كردستان، ونحذر من أن تبعات عدم القيام بذلك لن تقتصر على طرف واحد، بل ستنعكس على المشهد العراقي برمته.”