تطوير التلفزيون المصري بأساليب قديمة رهان خاسر

تفتقر خطة تطوير التلفزيون المصري “ماسبيرو” إلى رؤية مستقبلية تراعي التطور الحاصل في سوق الإعلام العالمي، ما يدفع للتشكيك بجدواها إذ لا يضمن التوجه للجمهور الأفريقي، كسب الجمهور المحلي بوجود منصات وقنوات عربية ودولية منافسة.
القاهرة - أعلن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، المسؤولة عن إدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أحمد المسلماني، عن خطط يتبناها لتطوير التلفزيون الحكومي، بعد سنوات من التراجع، لقيت ترحيبا متحفظا، فقد لا تحقق المرجو منها نتيجة الاعتماد على رؤى تتناسب مع فترات سابقة ولا تواكب التطورات المتلاحقة في سوق الإعلام والتغيرات في اتجاهات واهتمامات الجمهور.
وأعلن المسلماني إطلاق “بودكاست ماسبيرو– أفريقيا” (مقتبس من اسم المبنى الشهير الذي تبث منه قنوات التلفزيون الحكومي بوسط القاهرة)، وسيتم إنتاج برامج بلغات أفريقية أصلية، في مقدمتها السواحيلية والهوسا، بما يعكس الحرص على التواصل الثقافي والإعلامي مع شعوب القارة، بعد خفوت محطات الراديو التي كانت توجه للقارة وتوقف أغلبها، ويتم بث بعضها لعدة ساعات.
وتضمنت الخطة عودة التلفزيون الحكومي إلى الإنتاج الدرامي بعد انقطاع، من خلال إنتاج مسلسلين يتناولان سيرتي شخصيتين مصريتين بارزتين (طلعت حرب ومجدي يعقوب) وترجمة روائع من المسلسلات التي أنتجها ماسبيرو من قبل إلى الهوسا والسواحلية، تبدأ بخمس مسلسلات منها: أم كلثوم والإمام ليث بن سعد والأيام، تفعيل البرامج السياسية، وإطلاق برنامج ديني جديد لنشر الفكر الوسطي الذي تتبناه الدولة المصرية، نهاية بإنشاء قناة للأطفال.
ورغم أن خطة رئيس الهيئة الوطنية للإعلام تحدثت عن إنشاء قنوات رقمية، لكنها غير واضحة المعالم وبحاجة إلى رؤية دقيقة حول طبيعة العمل القائم في القنوات المصرية التي تنغمس في المحلية، وتقدم ما يتم وصفه بإعلام الخدمة العامة الذي يركز على تقديم الخدمات للجمهور والحكومة، ما يتطلب تغييرا في الرؤية كي تحقق القنوات جذبا للجمهور على المنصات الرقمية، وهو ما يختلف بشكل كبير عمن ارتبطوا بالتلفزيون الحكومي قبل عقود ماضية.
ويتفق خبراء الإعلام على أن التطوير دائما ما يرتبط باستعادة الريادة التي حققت طفرات على مستوى الانتشار العربي والأفريقي سابقا، وقد لا يكون ذلك متاحا الآن في ظل إمكانيات حكومية محدودة، وبعد أن غاب الإعلام المصري سنوات، وهناك منصات وقنوات عربية ودولية تجذب مشاهدي هذه الدول، وتنفق جهات رسمية مصرية مبالغ هائلة بهدف أن يكون هناك حضور في الخارج بلا جدوى.
ورغم أن الحديث عن تطوير المنصات التي تخاطب الدول الأفريقية يبدو متماشيا مع سياقات الإعلام الرقمي الحديث (بودكاست)، لكن من الصعب الدخول في منافسة مع آخرين، وثمة حاجة إلى خطط تسويقية وموضوعات وبرامج تتماشى مع اهتمامات الجمهور في القارة الأفريقية، وليس مجرد التعرف على ما تتخذه الحكومة المصرية من إجراءات، وأن الاستعانة بالخبرات مطلوب.
كذلك الوضع بالنسبة للإنتاج الدرامي الذي بحاجة إلى تمويل ضخم ينافس جهات إنتاجية تحمل الصفة الحكومية المباشرة أو غير المباشرة، سواء أكان ذلك في مصر أو دول عربية منافسة، وهناك قناعة لدى العاملين بالتلفزيون المصري بالحاجة إلى استعادة القيمة الإعلامية له قبل الانخراط في إنتاج يضع المزيد من الأعباء، وأن جذب الوكالات الإعلانية التي هجرت التلفزيون منذ سنوات أمر مقدم على البحث عن تمويل حكومي لمسلسلات يمكن تقديمها من خلال جهات حكومية أو خاصة.
كما أن الحديث المتكرر عن إنشاء قناة للطفل في غياب توضيح الهوية التي يجب أن تكون عليها القناة وانجذاب الصغار إلى منصات البث الرقمية لا يفضي إلى شيء، وأن ظهور القناة للنور بحاجة لتقديم محتويات جيدة، تجذب الصغار على المنصات الرقمية، وليس شبيها بما كان يقدمه التلفزيون في السابق من برامج ومسلسلات وأفلام كرتونية حققت نجاحا، لكنها غير قادرة على تكراره حاليا، مع تقديمها بشكل منفرد وموسمي خلال شهر رمضان.
وقال رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالتلفزيون المصري إبراهيم الصياد إن مساعي تطوير التلفزيون غير إيجابية لو جاءت برؤية قديمة، لكن ما يحدث الآن بعد سنوات من الغياب يجب تشجيعه، وكان يمكن أن يحقق عوائد قبل عدة سنوات، وتركز خطة المسلماني على تطوير المحتوى دون اهتمام مماثل في الشكل الذي بحاجة إلى إمكانيات هائلة، وفي السابق كان يتم إبهار الجمهور بالشكل مع التركيز على المحتوى الضعيف فتكون النتيجة العزوف عن المشاهدة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الاستعانة بمبدعي ماسبيرو أمر مطلوب قبل الإقدام على أي تطوير لمناقشة الأفكار المطروحة بالمزيد من المهنية، لأن تدشين خطاب إعلامي موجه إلى القارة الأفريقية خطوة جيدة، لكن لا بد من نقاشات موسعة حول الناقل لهذه الأفكار، وهل يكون ذلك من خلال الإنترنت والأقمار الصناعية والراديو. والهندسة الإذاعية يجب أن تقول رأيها، كما أن تطوير قناة “النيل الدولية” الناطقة بالإنجليزية أكثر جدوى إذا تم الاهتمام باللغات الحية ليصل صوت مصر للعالم.
رغم أن خطة رئيس الهيئة الوطنية للإعلام تحدثت عن إنشاء قنوات رقمية، لكنها غير واضحة المعالم وبحاجة إلى رؤية دقيقة حول طبيعة العمل القائم في القنوات المصرية
وأشار إلى أنه لا بد من الاهتمام بالجوانب الفنية والمالية، لأنها أساس تطوير الإعلام، واستعادة الكوادر التي تعمل في جهات إعلامية محلية وعربية عملية مهمة، لأن لها تجارب تتعلق بتوظيف الإعلام الرقمي في جذب الجمهور، وحال كان التوجه نحو إنشاء قنوات رقمية يحب أن تركز على البرامج الحوارية والمنوعات على نحو أكبر، وهو أمر مكلف وبحاجة لميزانيات كي يحقق التلفزيون المنافسة المطلوبة.
وتطرقت خطط التطوير إلى دمج معهد الإذاعة والتلفزيون الذي لعب دورا مهما في تقديم كوادر إعلامية، ودعم “أكاديمية ماسبيرو” التي تهدف للتحول إلى مؤسسة تعليمية تابعة للتلفزيون الحكومي، ومن المتوقع أن يبدأ العمل خلال الشهرين المقبلين، ودعم مشروع الأرشفة الإلكترونية لمحتوى قنوات التلفزيون الحكومي وهو أيضا خطة طموحة تصطدم بتلف بعض الشرائط القديمة وسرقة البعض الآخر، ونهاية بإطلاق منصة رقمية جديدة.
ويواجه أحمد المسلماني انتقادات لاهتمام التلفزيون الحكومي بمناقشة مستقبل تطوير الدراما، وهو ما يعتبر تداخلا في اختصاصات جهات إنتاجية وفنية تقوم بهذا الدور، كما أن تدشين مؤتمر “تطوير الدراما المصرية” الشهر الماضي لم يفرز عن حلول واقعية لأزمات الدراما، وبدا أن الوجه الكرنفالي وتكريمات الفنانين من الأمور الطاغية.
وأعلن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام تشكيل اللجنة العليا لمنتدى الإعلام، لمناقشة تحديات الإعلام المصري والعربي، وضمت القائمة شخصيات بارزة، ما يشي أنه يريد أن يلعب دورا أكبر على مستوى تطوير الإعلام بشكل عام، وهو ما يراه البعض متعارضا مع طبيعة مهمة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.