وقف المساعدات المالية للاجئين يضاعف الضغوط على القاهرة

الحكومة حائرة بين توفير الاحتياجات والخشية من الوضع الحدودي.
الجمعة 2025/05/16
مصير مجهول

تواجه الحكومة المصرية تحديا كبيرا في التعامل مع قضية اللاجئين لاسيما بعد قرار المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تقليص المساعدات المقدمة لهذه الفئة إلى الحدود الدنيا.

القاهرة - ضاعفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من الضغوط على الحكومة المصرية، بعد أن أعلنت تقليص المساعدات المقدمة للاجئين وقصرها على حالات ملحة، ما يخلق أوضاعا صعبة لما يقرب من مليون لاجئ مسجلين بشكل رسمي بالمفوضية، وسط تراجع تمويل المنظمات التي تقدم مساعدات للفارين من مناطق الصراع، ما يفرض البحث عن بدائل تمنع تحويل اللاجئين إلى قنبلة موقوتة.

وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقليص عدد العائلات المستفيدة من برنامج المساعدات النقدية متعددة الأغراض المنتظمة، اعتبارا من مايو الجاري بسبب النقص الحاد في التمويل الذي تواجهه، وستُخصص المساعدات خلال الفترة المقبلة للعائلات الأكثر احتياجا فقط، في إطار أولويات تعتمدها المفوضية.

وأشارت المفوضية إلى أن مقابلات تقييم الوضع الاقتصادي متوقفة حتى إشعار آخر، وتعد أداة أساسية تعتمدها المفوضية لتحديد الأسر الأكثر احتياجا وتوجيه المساعدات بشكل عادل، وستواصل إبلاغ اللاجئين والمجتمع المستفيد بالتطورات الجديدة.

وتأتي تلك الإجراءات كجزء من تدابير لمواءمة الموارد المحدودة مع تزايد الاحتياجات الإنسانية، إذ يؤثر نقص التمويل على قدرة المفوضية على تنفيذ بعض أنشطتها الاعتيادية، بما في ذلك تقييم الأوضاع المعيشية للاجئين وطالبي اللجوء.

أشرف ميلاد: الحكومة المصرية لن تقدم المزيد من الدعم للاجئين
أشرف ميلاد: الحكومة المصرية لن تقدم المزيد من الدعم للاجئين

وتواجه الحكومة المصرية عقبات، لأنها تريد تسجيل أكبر عدد من النازحين إلى أراضيها في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين ما يساعدها على حصر أعداد من دخلوا بصورة غير شرعية لتقنين أوضاعهم، وأن توقف المساعدات التي يعتمد عليها مئات الآلاف من اللاجئين سوف ينعكس سلبا على مسألة الإقبال على التسجيل.

وليس من المستبعد أن يكون الإجراء التالي وقف عملية تسجيل اللاجئين الجدد في ظل اتساع الفجوة التمويلية للمنظمة الأممية، وقد يترتب على ذلك تخفيض أعداد العمالة بعد أن ضاعفتها للتجاوب مع الزيادات المضطربة في عملية التسجيل، وفي ظل صعوبات يواجهها لاجئون بسبب تقنين أوضاع وجودهم على الأراضي المصرية.

وباتت القاهرة أمام مشكلات تنفيذية وأمنية، لأنها صاحبة الحق في الإشراف على طلبات اللجوء وخدمات اللاجئين، وفقا لقانون اللجوء الأخير الذي تم إقراره من البرلمان هذا العام، وبانتظار صدور لائحته التنفيذية لتطبيقه، وفي تلك الحالة فإن طلبات اللجوء قد تكون أكبر من قدرة مفوضية اللاجئين على تحملها، وعليها الانغماس أكبر في تقديم الخدمات للاجئين مع أوضاع معيشية ضاغطة في مصر.

وتولت مفوضية اللاجئين الأممية عملية تسجيل اللاجئين في مصر بموجب اتفاقية تعود للعام 1954، إلا أن القانون الجديد يوكل المهمة إلى السلطات المحلية.

ويتضمن القانون الجديد إنشاء لجنة حكومية لشؤون اللاجئين، كجهة مختصة بكافة شؤون اللاجئين، من استقبال طلبات اللجوء وفحصها، والموافقة عليها أو رفضها، والمعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة باللاجئين، وتتبع مجلس الوزراء المصري وستتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتفصل اللجنة في طلبات اللجوء المقدمة لمن دخل إلى البلاد بطريق مشروع خلال ستة أشهر، وفي غضون سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بطريق غير مشروع.

وطلبت المفوضية لتلبية احتياجات اللاجئين في مصر 137 مليون دولار للعام الجاري، ولكن حتى نهاية فبراير الماضي، حصلت مصر على 21 في المئة فقط من المبلغ المطلوب، وكان لذلك تأثير كبير على الخدمات، خاصة الخدمات الصحية، واضطرت المفوضية إلى تعليقها في مارس الماضي.

قال خبير المفوضية الأفريقية لشؤون اللاجئين أشرف ميلاد إن مفوضية اللاجئين في مصر وفرت العام الجاري 22 مليون دولار فقط، ما ينعكس على أنشطتها التي علقت الجزء الأكبر منها، في ظل زيادة في أعداد المسجلين لديها، وقبل عشرين عاما كان اللاجئون بمصر يحصلون على مساعدات جيدة تكفيهم للحياة دون تدخل من الحكومة.

وأضاف ميلاد في تصريح لـ”العرب” أن مع زيادة تدفق اللاجئين لجأت المفوضية إلى الاعتماد على منظمات تابعة لها لتقوم بمسألة البحث الاجتماعي لكل حالة على حدة والتعرف على الحالات التي لها احتياجات مالية وصحية، وتمكنت من إحداث التوازن المطلوب السنوات الماضية قبل اندلاع الحرب في السودان، إذ كان يقدر عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية في ذلك الوقت بـ280 ألف لاجئ، فيما وصل العدد مع نهاية أبريل الماضي إلى 958 ألف لاجئ، مقابل شح كبير في موارد المفوضية.

مفوضية اللاجئين الأممية تولت عملية تسجيل اللاجئين في مصر بموجب اتفاقية تعود للعام 1954، إلا أن القانون الجديد يوكل المهمة إلى السلطات المحلية.

وأوضح أن المفوضية قامت بتعيين أكثر من 100 موظف للمساعدة على استيعاب طلبات التسجيل من السودانيين، وتراجعت قيمة المساعدات التي تقدمها، ويمكن للأسرة التي لا تتحدث اللغة العربية وتعولها امرأة ولديها ستة أبناء الحصول على نحو 55 دولارا، وهو مبلغ لا يكفي إيجار السكن في الأحياء الشعبية المصرية.

وذكر أن نقص التمويل يرجع إلى توقف الولايات المتحدة عن تقديم مساهمتها التي كانت تمثل 30 في المئة من إجمالي تمويل مفوضية اللاجئين، وتراجع تبرعات الاتحاد الأوروبي الذي يقدم مساعدات للدول التي تستضيف اللاجئين، وهي حوافز لعدم وصول المهاجرين إلى دول الاتحاد بطرق غير شرعية، كما ضاعفت دول الخليج مساعداتها وقت الصراع في سوريا، ومع انحساره تراجع التمويل.

وحذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قبل أيام من أن الخفض الحاد في التمويل يحرم اللاجئين الأكثر ضعفا في العالم من الدعم الأساسي، وهم يواجهون مخاطر أكبر من الإساءة والفقر والإجبار على العودة إلى ديارهم، أو من التفكير بالقيام برحلات جديدة محفوفة بالمخاطر، ما يضع المزيد من الأعباء على الدول المضيفة لهم ويُعقّد إدارة الحدود، ويزيد من مخاطر الاتجار بالبشر والإساءة لهم، ويُشجّع على مواصلة الهجرة.

وأكد أشرف ميلاد، وهو حقوقي مصري ومحاضر دولي في كيفية التعامل مع اللاجئين، أن الحكومة المصرية لن تقدم المزيد من الدعم للاجئين، في ظل شكاوى شعبية من ضغوط بسبب استضافة ما يقرب من 10 ملايين لاجئ ومهاجر، وفي حال تحملت الحكومة أعباء من سقطت عنهم المساعدات، ستواجه المزيد من السخط الداخلي إلى جانب أن ذلك سيكون بحاجة إلى كلفة اقتصادية مستدامة.

وشدد في حديثه لـ”العرب” على أن الجهات الأمنية في مصر ستواجه مشكلات أكبر لأن موسم الصيف يعرف بأنه يشهد رواجا على مستوى الهجرة غير النظامية، ورغم أن هناك سيطرة على الحدود المصرية مع أوروبا، فالانتقال إلى ليبيا سيأخذ في التصاعد مع عدم وجود قدرة على مجاراة الوضع المعيشي في مصر، بجانب انتشار جرائم بيع الأعضاء الذي تزايد مع الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها الكثير من اللاجئين، وتأثر المصريين الذين يواجهون منافسة غير متكافئة مع لاجئين يحصلون على مبالغ زهيدة نظير عملهم في الاقتصاد غير الرسمي للحصول على قوت يومهم.

2