طائر نادر اسمه "كافون"

التونسيون تعرفوا على كافون من خلال أغنية "حوماني" لتصبح رمزا لجيل شاب يعاني من التهميش وجعلت منه أحد أكثر الفنانين قربا إلى الجمهور.
الجمعة 2025/05/16
ظاهرة فنية ترحل عن دنيانا

لم أستمع سوى مرات معدودة إلى أحمد العبيدي، الذي اختار، لسبب لم أتمكن من معرفته، لقب "كافون" ليكون اسما فنيا له. فأنا من جيل تطربه أغاني محمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش، وأم كلثوم، وصباح فخري، ووديع الصافي، لكن هذا لم يكن عائقا أمامي في تقييم فنانين غيّروا ما هو قائم ومألوف.

لم أستمع لألبوم عمرو دياب الأول "يا طريق"، الذي أصدره عام 1983، سوى مرة واحدة، لكنها كانت كافية لأدرك أنه سيحصد نجاحا منقطع النظير، ويصبح واحدا من أهم الفنانين العرب، وسيلقى قبولا واسعا في أوساط الشباب بأسلوبه الموسيقي الفريد في دمج الأنواع الموسيقية المختلفة.

قبل عام من انطلاقة عمرو دياب، استمع العالم العربي إلى صوت آخر، هذه المرة من لبنان، وهو راغب علامة، عندما شارك في برنامج المواهب "أستوديو الفن"، وحصل على الجائزة البلاتينية، وكانت هذه انطلاقته نحو الشهرة.

علمت حينها أن دياب وعلامة سيمهدان الطريق لنهج جديد في عالم الأغنية العربية، وسيتحولان إلى ظاهرة. صحيح أنني لا أنتمي إلى عالمهما، لكنهما كانا مُمثلين لأجيال شابة أتت لاحقا.

لا أتحدث هنا عن مطربي الحفلات والملاهي الليلية، فهم كُثر، بل أتحدث عن الفنان الظاهرة؛ الفنان الذي لا يمكن الفصل بين حياته الشخصية والفنية، الفنان الذي يبقى أثره محفورا حتى بعد أن يرحل.

بالتأكيد، حفلت مصر عبر تاريخها الحديث بمئات إن لم يكن آلاف الأصوات الغنائية الجميلة، وكذلك الحال في لبنان وسوريا وباقي الدول العربية، ولكن الفنانين الظواهر طيور نادرة، انقلبوا على السائد، واستطاعوا كسر القاعدة، وأرسوا قواعد جديدة. وعادة ما يُقابلون بالرفض في البداية من عشاق القديم، ليُثبتوا في النهاية مكانتهم، ويؤكدوا أن من وقفوا ضدهم كانوا على خطأ.

تونس ليست استثناءً من القاعدة، بل أستطيع أن أجزم بأنها تزخر بطاقات فنية نادرة تفوق ما لدى البلدان العربية مجتمعة، ليس بشهادتي، بل بشهادة جميع النقاد والمطربين العرب والأجانب الذين وقفوا على مسرح قرطاج. ومع ذلك، لا تختلف تونس عن باقي الدول العربية في تعاملها مع الظواهر الفنية، حيث يهيمن فيها عشاق القديم المعادون للتغيير، بينما الفنان الظاهرة لا يطيق العيش في "منازل الأمس."

الظاهرة، ظاهرةٌ لأنها تجبّ كل ما جاء قبلها، وبهذا المنظور أرى كافون، الذي رحل مؤخرا عن عالمنا، بعد أن حفر اسمه عميقا في سجل كبار الفنانين التونسيين والعرب.

هناك الكثير مما سيُكتب عن كافون خلال الأيام القليلة القادمة، البعض سيتحدث عن طيبته وإنسانيته، والبعض الآخر سيتحدث عن مرضه ويُرجعه إلى الإدمان. ولكن هذا كله سيكون خارج السياق. فمن يريد أن يتحدث عن كافون، يجب أن يتحدث عن ظاهرة فنية اسمها كافون، وعن عمق تأثيره على أبناء جيله ومن أتى بعده.

في عام 2013، تعرف التونسيون على كافون من خلال أغنية "حوماني"، التي أطلقها بالتعاون مع الفنان محمد الحمزاوي، لتصبح واحدة من أكثر أغاني الراب انتشارا ورمزا لجيل شاب يعاني من التهميش، وجعلت من كافون أحد أكثر الفنانين قربا إلى الجمهور، ببساطة الأسلوب والأداء، الذي بلغ حدّ الإعجاز.

18