القاهرة تؤكد أن تقاربها مع أنقرة لن يكون على حساب أثينا

مصر تثبت بهذه الزيارة أنها مع تطوير شراكتها مع تركيا، وتذهب أيضا إلى نفس مجالات تطوير الشراكة مع اليونان، ولا تعادي طرفا على حساب آخر.
الخميس 2025/05/08
شراكة إستراتيجية

القاهرة- حملت الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى اليونان الأربعاء إشارة إلى وجود مخاوف لدى القاهرة من حدوث تصعيد جديد في شرق البحر المتوسط، في ظل سيولة أمنية تعم المنطقة وتحركات للتنقيب عن الغاز في مواقع جديدة، ورغبة مصرية في القيام بدور لمنع حدوث تصعيد بين تركيا واليونان.

وأعرب الرئيس اليوناني كونستانتينوس تاسولاس خلال لقائه مع نظيره المصري في أثينا عن حرص بلاده على تعزيز العلاقات بما يتناسب مع حجم الشراكة القائمة بين البلدين، ما يعكس الأهمية الإستراتيجية لمصر كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي.

وجاءت زيارة السيسي بعد أيام قليلة على إجراء أول تدريب عسكري بين القوات الخاصة المصرية والتركية منذ القطيعة السياسية بين البلدين في العام 2013، وأوحى التدريب بأن العلاقات بين القاهرة وأنقرة وصلت إلى درجة تسمح لمصر بأن تلعب دورا للتهدئة بين تركيا واليونان، وتأكيد أن التقارب مع أنقرة لن يأتي على حساب أثينا، عقب تزايد الهواجس في اليونان من أن يؤثر تطوير العلاقات بين مصر وتركيا على المصالح اليونانية المشتركة، ويلقي بظلاله على منتدى شرق المتوسط.

وأخذت زيارة الرئيس المصري ملمحا اقتصاديا ذا أبعاد أمنية خفية، لأن القاهرة تسعى إلى ضمان تنفيذ اتفاق الربط الكهربائي مع أثينا، ما يخدم توطيد العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، في ظل تنامي الشراكة معه في مجالات تتعلق بالدعم الاقتصادي والمساندة السياسية عبر تحركات ترمي إلى وقف الحرب على قطاع غزة.

وتلقت القاهرة مؤخرا ثلاثة عروض من شركات نفط عالمية تقدمت بعطاءات في مزاد عالمي طرحته مصر للتنقيب عن الغاز في 12 منطقة بالبحر المتوسط ودلتا نهر النيل، وسط توقعات بإعلان النتيجة النهائية بعد أيام قليلة، وتستهدف زيادة إنتاج الغاز بنهاية العام الجاري لنحو 5 مليارات قدم مكعبة يوميا.

وقال الرئيس المصري إن اليونان ومصر ستوقعان اتفاقية “شراكة إستراتيجية” (الأربعاء) في الوقت الذي تسعى فيه الدولتان لتعزيز التنسيق السياسي بما يساعد في حماية الاستقرار في شرق البحر المتوسط.

ويشير الإعلان عن وجود شراكة إستراتيجية إلى أن البلدين ينويان توقيع اتفاقيات مهمة في جوانب مختلفة، بينها مجالات أمنية وعسكرية، والتعامل بجدية مع المخاطر التي تستهدف التنقيب، وأي تهديد إرهابي أو قرصنة تؤثر على أمن شرق المتوسط.

وقال رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد قنديل إن الأوضاع الملتهبة في المنطقة تستلزم التهدئة وضمان عدم حدوث تصعيد جديد، وإن التقارب المصري – التركي هو مدخل للقيام بدور يقرب وجهات النظر بين أثينا وأنقرة، ولدى القاهرة خبرات طويلة في مسألة ترسيم الحدود، وإمكانية حل جزء معتبر من الإشكاليات بين تركيا واليونان، مع قناعة بأن ترسيم الحدود بين تركيا وسوريا المفترض لن يتحقق حاليا نتيجة لعدم وجود حكومة منتخبة في دمشق.

أحمد قنديل: الأوضاع الملتهبة في المنطقة تستوجب تجنب أي تصعيد جديد
أحمد قنديل: الأوضاع الملتهبة في المنطقة تستوجب تجنب أي تصعيد جديد

وأوضح قنديل في تصريحات لـ”العرب” أن القاهرة تركز على المشروعات التنموية التي تفيد شعوب المنطقة، وتطال الطاقة المتجددة ونقل الكهرباء، وتوظيف العلاقات القوية بين اليونان وإسرائيل لدعم الجهود المصرية الساعية لوقف إطلاق النار والضغط لإنهاء الحرب على غزة، وثمة قناعة مصرية – يونانية بأن استمرار الحرب على غزة يؤثر بقوة على اكتشافات الغاز، وهو ما يضع شركات التنقيب عنه في الاعتبار.

وذكر قنديل أن وجود قواعد لحلف الناتو في اليونان يتطلب تنسيقا إقليميا، لأن التصعيد ضد إيران واستمرار الضربات على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن سوف تكون لهما تداعيات قاتمة على أمن المنطقة والتعاون الاقتصادي، فضلا عن تأثيرات ذلك على أمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.

وزيارة السيسي إلى اليونان هي الأولى من نوعها منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة في واشنطن، وتتطلب طبيعة الصراعات التي تنشب بين الدول المعنية بشرق المتوسط استباق القاهرة لأي قلق يؤثر على التنقيب عن الغاز.

كما أن القاهرة لديها رغبة في المزيد من التنسيق مع اليونان في ملف العمالة الزراعية التي من المفترض أن يصل عددها سنويا إلى 10 آلاف عامل لحل أزمات نقص العمالة، بما يساعد في توفير فرص عمل بدلا من الاتجاه نحو الهجرة غير الشرعية.

رخا أحمد حسن: اليونان قد تلعب دورا في تسريع برنامج الدعم المالي الأوروبي
رخا أحمد حسن: اليونان قد تلعب دورا في تسريع برنامج الدعم المالي الأوروبي

وأوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن أن زيارة الرئيس السيسي هدفها التركيز على العلاقات الثنائية وبعض القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها أمن البحر الأحمر، فاليونان واحدة من الدول التي يتم رفع علمها من قبل بعض السفن التجارية، ولها أهمية قصوى في جهود مصر لإعادة حركة الملاحة إلى سابق عهدها بقناة السويس، ويمكن أن تساهم في تسريع ملف برنامج الدعم المالي مع الاتحاد الأوروبي، وصرف نحو 4 مليارات يورو في المرحلة الثانية منه.

وأعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو العام الماضي، ورفع مستوى العلاقات مع مصر في إطار جهود وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وأكد السفير المصري في تصريحات لـ”العرب” أن تأمين منصات استخراج الغاز بين البلدين يحظى بنقاشات واسعة، وما يمكن أن تلعبه القاهرة بين أنقرة وأثينا يندرج ضمن المساعي الحميدة للتهدئة مع حالة الرفض الواسعة لأي تنقيب تركي عن الغاز بالقرب من اليونان، وعدم توقيعها على اتفاقية أعالي البحار، والمستهدف أن لا يكون هناك تصعيد بين الطرفين يقود إلى نتائج سلبية على الأمن في المنطقة.

وتثبت القاهرة بهذه الزيارة أنها مع تطوير شراكتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع تركيا، وتذهب أيضا إلى نفس مجالات تطوير الشراكة مع اليونان، ولا تعادي طرفا على حساب آخر، وتتحرك على مستوى رئاسي للتأكيد على رسوخ التحالفات القائمة داخل منتدى غاز شرق المتوسط، وفتح المجال أمام تركيا للانضمام إلى المنتدى، حال وقعت على اتفاقية البحار التي يقوم على أساسها المنتدى.

2